يعرف كثير من القراء دون شك قصة رحلة الفضاء، التي تنوي شركة هولندية تنظيمها إلى المريخ باتجاه واحد. كما تداول الناس مؤخراً قضية المشاركين فيها، وعددهم 39 شخصاً اختيروا من بين المتقدمين إليها من أقطار العالم المختلفة؛ لكن ما لفت النظر في وسائل الإعلام المحلية مؤخراً، هي مسألة استبعاد السعوديين تماماً من تلك الرحلة المستقبلية. وحتى العرب لم يختاروا منهم سوى مصري وعراقي، بينما كان العدد الأكبر (31 شخصاً من أوربا).
طبعاً دارت بعض التعليقات الساخرة بشأن استبعاد السعوديين؛ بين تخوف الأوربيين من أن يحملوا معهم – جرياً على عادتهم في الأرض – الشبوك، ليشبكوا الأراضي على المريخ، ومن التعليقات ما اتجهت إلى كون السعوديين بدافع من ثقافتهم ربما يتحفظون على الاختلاط في المركبة الفضائية بين النساء والرجال. كما أن بعض الآراء اتخذت الوجهة النمطية المعتادة، باتهام الأوربيين بالعنصرية، وأنهم يودون أن يستعمر الرجل المريخ، كما استعمر الأرض. وقد تكون في تلك التعميمات نوع من التبسيط والتهم الجاهزة؛ إذ إن الرجل الأبيض أولاً ليس هو المستعمر الوحيد للأرض، بل كل قوة مرت في التاريخ كان لها دورها في البناء الحضاري، واستغلال مراكز القوة لصالحه. كان ذلك في عهد اليونان والرومان والفرس والصينيين والهنود والعرب والترك وغيرهم، فلا عدل في اتهام الأوربي بمفرده باستغلال قوته وسيطرته، إلا أن يكون ذلك نابعاً من عقد نفسية تجاه الرجل الأبيض. هذا من جهة الاتهام، ومن جهة الإجراءات التي اتبعتها الشركة الأوربية في الاختيار والمفاضلة وفحص أوراق كل متقدم ومدى صلاحيته لهذه الرحلة الطويلة، والإقامة على كوكب ليست عليه أي خدمات بعد، إذ إن على هؤلاء السكان الأوائل أن يجهزوا تلك الخدمات للأجيال اللاحقة؛ فلا يمكن لأحد أن يتهمهم بالعنصرية أو التحيز لعرق بعينه، فقد نشروا كل تلك المعايير. وكون الأوربيين قد انطبقت عليهم هذه المعايير أكثر من غيرهم، فهو أمر عائد لتقدمهم الحضاري من جهة، ولانخراطهم منذ فترات مبكرة من أعمارهم في الأعمال التطوعية، وتنوع نشاطاتهم، مما يجعلهم صالحين لبيئات جديدة وغير معروفة الظروف عليها بدقة، من جهة أخرى.
أما المعايير التي أظنها لا تنطبق على السعوديين غالباً، فهي نقص تلك الميزات، التي ذكرناها أعلاه عن الأوربيين، وضعف التكوين البدني لدى أغلبهم، ويظهر هذا الأمر في المنافسات الرياضية؛ علماً أن البنية البدنية مهمة جداً في الاختيار لهذه الرحلة الفريدة في تاريخ البشرية. كما أن ظاهرة التمسك بالخصوصية الشديدة – في ظني - واحدة من المشكلات العويصة، التي تجعل منظمي هذه الرحلة يستبعدون السعوديين من مثل هذه المهمات، لأنه سيتعرض إلى أوضاع تضطره إلى أن يتعامل بصورة تماثل ما يفعله الآخرون؛ سواء في أمور الحمامات، وأماكن النوم، أو التعامل مع المرأة، التي تعد من أبرز مشكلات الخصوصية في الثقافة السعودية. والأوربيون – دون شك – يعرفون هذا الأمر جيداً عن ثقافتنا.
وقد أضاف أحد الأصدقاء معضلة جديدة، لو وافق الأوربيون على مشاركة السعوديين في تلك الرحلة؛ إذ سيعانون من تدخلاتهم في أمور الآخرين، لأنهم يرون أن كل فرد منهم موكل بإصلاح أمور البشر ونصحهم، وأنهم يرون أنهم وكلاء الله على الأرض. فإذا كانوا مع أول دفعة تؤسس للاستيطان البشري على ذلك الكوكب، فربما يرون أنهم وكلاء الله على المريخ، فيعمدون إلى فرض رؤيتهم على الآخرين. وقد أضاف دعابة بقوله: إلا كيف بيعرفون القبلة، والأرض تدور والمريخ يدور؟ وكيف سيصومون على نهار الأرض أم على نهار المريخ؟ وإلى أين سيحجون؟ لا، أحسن إنهم ما قبلوهم؟
- الرياض