من أجل خاطر الأُلفة:
ضم يوميات الحياة اللاهثة إلى جدول الأشياء الطارئة، وتأزيم لحظات عابرة للاتذكر نفسه، ومطاردتها بتدوين خانق، أو تصوير حتى؛ أظنه إضاعة دهشة وطاقة كان يجب أن تُصْرف في توثيقٍ أجدى. وإن كنتُ أعتبرُ كل ذرة حياة صغيرة جديرة بالفحص والتجربة، والتكبير؛ (من أجل خاطر الأُلفة) إلا أنني أتفق إلى مسافة ما، مع ما يقوله سارتر في هذا السياق بأنه: «وضع الغرابة حيث لا يوجد شيء» فقد قال فيمن يسجل اليوميات:» إنه يبالغُ في كل شيء، وهو في حالة ترصُّد، ويحرِّف الحقيقة بلا انقطاع»!
للغرابة، والدهشة طاقة لا تُكررها المواقف، ولا اللحظات التي تعْبُرنا، ونعْبُرها؛ وإن كانت قد مرَّت في طريقها بمحطات شحن هائلة! اسحب هذا الخط على كل دهشة مجانية، ومستعارة تراها هناك وهنا اليوم.
غش:
أخطاؤنا أيضًا، نوع من أنواع الغش المنطقي. فصيلة الكلام منقطع التصديق، اعتذاراتنا، صفحنا، تخميناتنا، حدْسنا، وإلخ.. المنطق يتدخل أحيانًا بشكل مقلوب، ويبدو كذلك لكل الأطراف المتناظرة. لكن من لا يعرف كيف يغش منطقيًا؛ سيصطدم بنفسه في كل مرة! علينا تعلم أساسيات هذا العلم، من باب الاحتياط، والدفاع، والهجوم! وعلى ذكر الغش المنطقي أيضًا: أحد أصدقائي الصغار مقتنع تمامًا بصحة التركيب النحوي:
(I is) بدلًا من (I am) ببرهان أنها نفس المعنى! و بـ(منصوب به مفعول) بدلًا من (مفعول به منصوب)؛ ببرهان أنها نفسها، ولكنها مقلوبة، وأن الأهم هو أنه «فاهم»!
اسمي 23:
أدخل رقمك السري، ثم اضغط موافق، أدخل كلمة المرور، ثم اضغط زر المربع... رقمك الوطني، رقمك الطبي، ورقمك في طابور انتظار طلبك في مطعم للوجبات السريعة، كلمة المرور التي تدخل بها إلى الفضاءات الالكترونية... نحن البشر الجدد الآن، أصبحنا كلمات وأرقام سريعة. تعاملاتنا الفيزيائية اليومية عبارة عن أرقام وكلمات. وهذه الكلمات والأرقام ومن ناحية ذاتية خالصة، لا يمكن أن تكون شيئًا منفصلًا عنا؛ تاريخ مهم، عبارة ما، اسم مشروب، (كما أفعل أحيانًا) اسم شخص أو مكان. وهذا النفخ الذي نمارسه في جعل هذه الأرقام والرموز مصبوغة إنسانيًا؛ نوع من التحايل على غلظة الرقمنة، أو نوع من أنواع التودد إليها لئلا تُثقِّب الحس البشري. هذا الزحام من الأرقام اليومية، التي تسيرُ من أجل الحياة أيضًا؛ كما يسيرُ الزحام على «طريق خريص» في الثالثة ظهرًا؛ يجعل منا أرقامًا بالعدوى، والإكراه، والرضا!
بالمناسبة، أنا «اسمي 23» حين تنادي الدكتورة من كشف الأسماء قبل بدء المحاضرة. و « 7» و «21» في ازدحام آخر!
مشي*:
ثمة مزايا يجب أن تقال في حق المشي، وإن لم تكن كثيرة؛ مثلًا: يستغرقُ المشي وقتًا أطول، من أي شكل من أشكال التنقل الأخرى، باستثناء الزحف؛ لذا فهو يبسط الوقت، ويطيل فترة الحياة؛ الحياة القصيرة جدًا من أن نستعجلها بالسرعة. فصديقي الذي في عجلة من أمره دائمًا، لم يصل إلى أي مكان بعد!
المشي يجعل من العالم أكبر مما يبدو، ومثيرًا للتشويق. وعليه فإن لديك من الوقت ما يكفي لاقتفاء التفاصيل، في حين يتنبأ لنا التكنولوجيون المثاليون؛ بمستقبل تندثرُ فيه المسافة!...لكن أن تكون في كل مكان في نفس اللحظة، هو ألاَّ تكون أبدًا، إذا سألتني.
** ** **
* الترجمة للكاتبة، من نص للكاتب الأمريكي: Edward Abbey
نورة المطلق - الرياض