من الجيد أن تعبر الفنون الإبداعية عن الهم البشري بكافة تفاصيله وتداعياته شريطة أن تتم مقاربة تلك الهموم بروح فنية وبعمق وحرفية ووعي شديدين يولي الفكرة وتأمل الحدث الأهمية القصوى التي تنأى به عن السقوط في المباشرة الكئيبة المنفرة بعيدا عن الانجرار لشهوة التناول الصارخ الذي يحول الفن بالنسبة للمتلقي لمأساة فاقعة أخرى.
فقد لاحظت من خلال تصفح بعض الكتب في معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام اهتمام الرواية العربية في السنوات التي أعقبت ما يسمى بـ»الربيع العربي»، بتصوير بعض مجريات وتداعيات أحداث الصراعات القائمة في عالمنا العربي وهو أمر لاشك جيد ويكشف عن مدى حساسية الإبداع تجاه جميع ما يجري حوله بشرط أن لا يكون هذا التناول نقلا شبه حرفي للواقع وبشكل يجعله أقرب لنشرات الأخبار.
لأن الكاتب يريد فقط مجاراة الأحداث وإعطاء القارئ إحساسا بالمواكبة وأنه يتناول ما يشغل اهتماماته الآنية دون محاولة جادة للغوص الفني العميق فيها. في وقت نحن بأمس الحاجة للإبداع والفن كقيمة جمالية ومتنفس يجعلنا أكثر قدرة على تحمل ضغوطات الحياة لأن الفن يجمل طبيعة علاقتنا بالواقع.
فالفنان يبدع ويتخيل ويخلق صورا ولا يستنسخ الواقع كما هو بل يعيد بناءه وفق رؤيته الفنية للحياة. وهذا ما جعل أفلاطون يعيب على الفنانين تقديمهم لفن يبقي الجمهور في مستوى الانفعالات الحسية.
فعنوان سردي مثل: «الجثة التي لم تهترئ بعد»، وهي مجموعة قصصية لوليد رباح قد يكون عنوانا مقززا لبعض المتلقين وخامته لا تنسجم وروح الفن وهو ما قد يبعدهم عن محاولة اقتنائه أو مطالعته. وبدرجة أقل يأتي عنوان كتاب مثل» ربيع الدم والأمل»، لعرفان نظام الدين وهو عنوان صحافي يبدو متأثرا بعمل مؤلفه في الصحافة لنصف قرن من الزمن.
وقد جاء على غلافه الخارجي:» أطلق الشاب التونسي محمد البوعزيزي الشرارة الأولى لثورات الربيع العربي لتمتد شظاياها ملهمة ملايين المقهورين في العالم العربي لكن هذا الربيع سرعان ما تحول شتاءً عاصفا يمطر دما ودموعا وصيفا لاهبا يحرق الأخضر واليابس ليسود العنف ويدخل الإرهاب من أبوابه العريضة مشوها صورة الياسمين الناصع شلال دم، وعطرها رائحة للموت». وهو كلام مكرور لا رؤية جديدة تلوح فيه.
وتبدو عناوين مثل «السماء التي لا تسقط على أحد»، وهي رواية لخيري دبش، و «الموتى يبعثون في غزة»، ليسري الغول أكثر فنية وهو ما قد يجعلها تحرز متلقين كثر نتيجة لفنية العنون والبعد عن المباشرة التي تؤدي وظيفتها مواد كتابية أخرى لا تتوسل الإبداع كقناة لعرض محتوياتها مثل الكتب البحثية التي تبدو بسبب طبيعتها بعيدة عن الجوانب الإبداعية أو تلك التي لا هدف لها سوى الرصد والعرض.
فعنوان كتاب مباشر مثل «رائحة الزيتون.. قصة الحرب في سوريا»، للصحفي سمير حسن مثلا والذي ينقل فيه مشاهداته أثناء تغطية الحرب في سوريا وقد صادفته في معرض الكتاب دون أن أقتنيه قد يفي بغرض رصد أحداث الحرب بحسب مشاهداته بعيدا عن مطالبته بتلبية كافة الجوانب الإبداعية والفنية التي تتطلبها القصة أو الرواية مثلا والتي هي في حاجة لإبداع فني صادق يفكك الحدث ويعيد بنائه. ولاريب بأن الأعمال التي تناولت «الربيع العربي»، متفاوتة في المستوى الفني والنضج والقدرة على الإقناع ونذكر منها روايات مثل:» عدوُّ الشمس، البهلوان الذي صار وحشاً» لـ الأديب المغربي محمد سعيد الريحاني وهي تعد أول رواية نشرت تسع من فصولها في أعقاب اندلاع الثورة الليبية في جريدة العرب اليوم الأردنية عام 2011 وبعد مقتل القذافي أكمل الكاتب الفصلين الأخيرين.
وهناك رواية «أجندة سيد الأهل» لـ أحمد صبري والتي تناولت وقائع وأحداث ثورة 25 يناير، ورواية «ثورة العرايا» لـ الروائي والقاص محمود أحمد علي وقد فازت بجائزة إحسان عبد القدوس لعام 2013.إضافة إلى رواية «كان الرئيس صديقي» للكاتب السوري عدنان فرزات والتي تدور أحداثها حول الحرب في سورية.
وقد عبر الروائي الجزائري واسيني الأعرج في العام 2011 بأن الكتابة الأدبية عن الثورات العربية لم تحن بعد لأن النص الذي يكتب في اللحظة، يُعبر فقط عن الآني، فهو وصفي لما جرى، ولا أعتقد ستكون له قيمة كبيرة، فالنص الأدبي يكون أكثر اتساعا من اللحظات الآنية وبالتالي يضمن نوعا من الاستمرارية».
والسؤال: هل حان الوقت الآن للفنون الإبداعية بأن تتناول مجريات الأحداث العربية؟
تذهب الفنانة المصرية، سيدة المسرح العربي سميحة أيوب كما جاء في حوار لي معها مؤخرا في مهرجان أيام الشارقة المسرحية بأن الوقت لم يحن بعد بالنسبة للمسرح مثلا وهو أبو الفنون كما يدعى لتناول أحداث صراعات العالم العربي حتى الآن لأن كتابة مثل هذه الأعمال برأيها تحتاج لوقت حتى يتم كتابتها وتقديمها للمسرح وتجسيدها على خشبته.
شمس علي - الدمام