توجعنا كلنا مع فاروق شوشة وهو يقص علينا خبر اجتماع صار لتجديد مشروع برنامج الأطفال المنتج خليجياً (افتح يا سمسم) وكيف اقترح بعض المندوبين بأن يكون التمثيل باللغة العامية، وإن كان الكل صدموا من هذه الرغبة الساذجة فإني قد غرقت في ذاكرتي مستعرضاً الصور الذهنية المختزنة عندي عن فترة ازدهار هذا البرنامج في الثمانينيات، وكيف كنت أرقب ابنتي غادة وهي تتسمّر أمام التلفاز وتلتقط الجمل العربية مع الصور والإيقاعات فتتغنى بالأناشيد وتترنم مع أبطال المسلسل في لغتهم وحركاتهم، ثم أراها تردد جملاً عربية فصيحة وتتحول هذه لتعزز مهاراتها في التعبير والتفكير، وظلت هذه المهارة تنمو عندها وتتسع، والأصل فيها كان صورة متحركة على الشاشة تحمل المتعة وتعمر الخيال من جهة وتشحن الذهن بالصور متصاحبة مع الصيغ التعبيرية السلسة والماتعة والحيوية، وكل هذا يتم بواقعية ثقافية ودون تصنع ولا فرض وقسرية، وكان البرنامج يؤدي دوراً تربوياً فاق كل كتب المقررات وطنطنة المتحذلقين.
كانت اللغة تجري طفلة وتلعب على الهواء ومع النغمة وتنطلق مع خيالات الأطفال وأذهانهم الندية حتى لتنغرس القيم الثقافية في جيل كامل، وما زلت أرى أن أهم منتج إعلامي خليجي في العقود الماضية كلها هو مسلسل (افتح يا سمسم) ومنه انبثق أطفال السمسم.