(مَتْنٌ في القَلْبِ)
أَنْتَ كَمَنْ خَبَّأَ في البريَّةِ رايتَهُ، والرِّيحُ على قلَقِ امرأةٍ فقَدَتْ في الصُّبْحِ مُعيْلاً، ثُمّ إذَا انتصَفَ اليَوم قيَامةَ شَمْسٍ عَزَّ عليها العَوْنُ، وقبلَ الميقَاتِ المكتوبِ بساقية الدنيا غابَ لها ولدٌ، يُشبِهُ عونَ اللهِ إذا أُقفِلَ في وجهِ الفقراءِ الباب، وتاهَ الوَقْتُ، وأَوْشَكَ في الأفقِ مغيباً يتأرْجَحُ مأنوساً بالضرباتِ على عجلٍ في أهلِ الأرضِ، وحين الليلُ يواري كلَّ وجوه الصحراء انقضَّ عليها الضبعُ، فصاحتْ: يا روحَ الله، وهامتْ ريحٌ في الأفق تحذّرُ أهلَ النخوةِ، والريحُ بأَمْرِ اللهِ، وأنتَ بأَمْرِ اللهِ، وقلبُكَ مربوطٌ بامرأةٍ، فمِنْ أينَ لهذا القلبِ حظوظٌ حتّى وقعَتْ فيه الدُّنيا طالبةً دمَهُ وهوَاهُ، ورُحْتَ تُفتّشُ في الذاكرة الأولى عن أسماءٍ إنْ حضرتْ في العُسْرِ انفرجَتْ أقفالُ اليُسْر، وصارَ لكلّ بلادٍ من حظّ الأنواء ربيعاً مُعتدلَ الطقس، فأين هي الآن بلادٌ، إنْ نامَتْ في الليلِ على فرحٍ نهضَتْ خائفةً من ذنبِ الضحكاتِ، وأينَ هيَ امرأةٌ إِنْ قالَتْ في الليلِ أحبُّكَ، قامَتْ في الصبحِ تشدُّ على أُذُنِ الشمسِ، وغابت تحت لحافِ الغيرَةِ: إنَّ الصحراءَ الآنَ على وشكٍ، من أين جاءت واحاتُ الدُّنيا، قالَ القحطُ الغائبُ في أمعاءِ الصحراء، وراحَ على مهلٍ قلبي يتأمّلُ فعلَ الحبِّ على الجدبِ: وكان ماءٌ، ثمّ جرى العشبُ يبشّر بالصبحِ، وأنتَ كمَنْ خبّأ في البريّة رايتَهُ، والريحُ على قلقِ الناسِ المقهورين، يجرّون مآسي الحرب؛
واحْتَرْتَ صَغِيراً في اللُّغَةِ المُرَّةِ والشَّبَهِ العالِي في رُوْحِكَ بين الحُبِّ وبين الجدْبِ، وبين الحُبِّ وبين الحرْبِ، وكنتَ على وَعْدٍ أنَّ القَلْبَ لَيَشْفَى مِنْ قَلَقٍ في العَزْفِ علَى إيقاعِ الدنيا الصَّاخَبِ؛
لكَ اللهُ يا قلبي.. من أينَ يجيْءُ الحبُّ بِهَذَا الشَّرْقِ الشرِّ المتهالكِ والهالكِ، من أينَ تَجِئُ الرَّغبةُ في الحُبِّ وهذا القميصُ تناسخَ بين الورد وبين الطيرِ، تناسخَ في القَلبِ، تناسخَ في الروحِ، تعال إلى شبهٍ في وجهٍ امرأةٍ تُشْبُهكَ الآنَ، وقبل الآن، وبعد الآن،... وقالت عرّافٌ: وتناسخَ في روحِكَ: أنّ بعضَكَ توزّع فيها،
لك الله يا أبي! من أين ابتدأ العمر، وفي الهجرات تكون النعمة صافيةً: أنّك تفلتُ من غَبشٍ ضِلّيْلٍ.
)))
(هامشٌ في طالع الرؤية أو الكابوس)
واسْتيقظتُ أراكِ على طرفٍ من روحي واقفةً بالأمرِ عليهِ، إذا شئتِ قيامي، نهضَ الغيبُ المتأنّي يَرعَاني في تِرْحَالِي، وإذا شئتِ سلامةَ هذا القلبِ، تعافَتْ فِي غرفتهِ الضحكاتُ النُّعْمى، وتشيْطَنَ طفلٌ في ذاكرتي
واستوَتِ النعمَةُ: أنَّي مِلْكُ الحريّةِ، مِلْكَ الرَّغَبَةِ، مدهوشاً بالدنيا، أَغْلبُ فيها اليأسَ على مَضَضٍ وعلى فرحٍ امضي صوبَ الذَيْب:
(1: قَصَبُ الرَّاعِي)
وَأَنْتَ الطَّرِيْقُ إِلَى سِرِّهَا، لَيْسَ سِرَّاً بِأَنَّكَ أَنْتَ الطَّرِيقْ
مَثَلُ الحُبِّ كَالحَبِّ: صَوْنُهُ كَوْنُهُ ذُا سِعَةٍ مِنْ ضِيقْ
أَيُّهَا الذِّيْبُ، يَا صَاحِبِي فِي الأسَاطيْرِ: لا تَدَعِ القَلْبَ حِيْنَ أَوَانِهِ للنِّسْرِ،
واذْكُرْ: دَمِي نِعْمَةٌ وسُلافْ
أيُّها الذّيبُ، يا شَبَهِي فِي المتاهةِ: زاغَتْ عَصَاةُ الرُّعَاةِ، فما يَشْتَكِي قَصَبٌ
ثُمَّ لا يَهْتَدِي للحدَاءِ الطَّوَافْ
(2: إِلْفَةُ الذِّيْبِ)
ذِئْبٌ بِرُوْحِكَ مَأنُوسٌ بِوِحْدَتِهِ
إِلْفٌ يَؤُوسٌ، وما أَطْمَاعُهُ جَرَسُ
ارفقْ بِهِ، فاتَهُ المَحْبُوبُ في بَلَدٍ
كأنَّ أَعْيَانَهُ قَدْ عضَّهُم دَرَسُ
أيّامُهُ إبرةٌ في الجفنِ مِغْزَلُهَا
في كلِّ دَرْزَةِ خَيْطٍ يَغْرُبُ النَّفَسُ
دَبَّتْ عليه قَمِيْصَ اليَأسِ نادبةً
أَقْدَامُهَا خبطُ عشواءٍ بها هَوَسُ
عمياءُ غزّت رُؤُوْسَ السُّمِّ نَاشِبَةً
عَوَتْ على تُقْيةٍ مِنْها الفَلا الكُنُسُ
نَمْ مُطْمَئِنًّا، ولا تَبْأَسْ لِمَعْسَرَةٍ
إنَّ الدُّجَى رَحْمَةٌ من طَبْعِهُ النَعَسُ
**
والذِّيْبُ فِي شِرْعَتِي لا يَسْتَوِي مَعَهُ
مَنْ ظنَّ عَدْلَهُ بالأَعْنَاقِ يَفْتَرِسُ
عَدْلٌ يَرَى شرَّهُ خيراً، ألَا بَئِسَتْ
تَقْوَى يَقُومُ على أكْتَافِهَا دَنَسُ
قَوْمٌ، إذَا دَارَتِ الدُّنْيَا إِلَى طَرَفٍ
دَارُوا إِلَيْهِ، وكَمْ بالأَمْسِ قَدْ عَبَسُوا
ذَرْهُم وَحِيْدِيْنَ، لا تَفْتَأْ بِهِم كَدَراً
وامْضِ السُّرَى حيثُ لا قَيْدٌ ولا حَرَسُ
إِنْ ضَلَّ مَسْرَاكَ أَصْحَابُ الهوى بِدُجَىً
فمَا يَضِلُّ الذي في نَفْسِهِ قَبَسُ
(3: ذِئْبُ الأَرْبَعِيْن)
تَعِبْتُ أكُونُ سَوِيّاً
مسَّنِي ذِيْبُ عُمْرِيَ في الأربعين
وهامَ وهِمْتُ
وزادَ وزِدْتُ
وأَخْشَى عليهِ بأنْ يَنْقَضِي
وعلى حالِهِ: بعضُ قَلْبي حَكِيمٌ
وبعضٌ غَضِيْ
(متنٌ للذي يُشْبِهُنِي)
يُشبهني كُلُّ فتى يركلُ في شغَبٍ حجراً، أو يقعُدُ بعدَ العصرِ على دكّةِ بابِ البيتِ، وحيداً يتأمّلُ ما فَعَلَتْهُ الشمسُ على السُّورِ، وعافيةً في سَاقِيهِ المَتعَبَتَينْ
يُشبهُني أيُّ فتى انْكَشَفَتْ في عينيهِ أسْرَارَهُ قبل بلوغ الحُلْمِ، وكانَ يفتّشُ في مكْرٍ عن كُرْةٍ يَرْمِيهَا تحتَ الكنباتِ، وعيُونُهُ غارقةً تحتَ قِمَاشِ التَّنَانيرِ، أو يَسْمُرُ في الحيِّ؛ يقصّ على أصحابه قصصاً من كُتبِ الحُبِّ الممنُوعَةِ، أو تتحوّطُهُ فتياتٌ يصغرنَهُ أو يكبرنَهُ،
يُشبِهُني أكثرَ، حين يُطيلُ عليهنّ خيالاتهِ في مرحٍ منسابْ
يُشْبِهُني كُلُّ فتى يُلقي في منتصف العُمرِ شُكُوكَهُ، أو يشرَبُ من ماء الدنيا حتّى تتساوى في عينيه: قَشَّةُ معدومٍ نُعماهُ النومُ، بعَرشٍ أضنى مالِكَهُ..
تُشبهُني كلُّ الأشياءِ على طاولة العمرِ: الضحكاتُ، الصلوات، عيونُ الذيبِ، مراراتُ الروح الحلوةِ في قاعِ الكأسِ، أغانِي الصيّادينَ، غرورُ الماسِ، يقينُ النكرانِ، مزاج السيجار الكوبيّ، حديثٌ في الجدوى والفوضى، صُلْحٌ بين عَدُوّينِ، نَبَاهَةُ أَطفالٍ، عشقٌ بين الطيرِ وصاحبه، شغبُ امرأةٍ مُتْعَتُهَا خربشةٌ في روحي، روحُ خوابي المشروب المغضوب عليه، طباعُ السكّين، سؤالاتُ الشكّاكين المرتابين، وعصيانٌ ليسَ يتوبُ على معصيةٍ لا تُؤذي أحداً..
يُشبهُني يأسٌ يعصمني منّي، يعصمني من ترفِ الناسِ إذا شاؤوا تأويلاً للفرح الطاغي،
مدهوشاً لا تعنيني أسبابي، تُشبهني كلّ معانِي النعمةِ،
طافية من عين ثلاث بناتٍ هنّ نعيمي،
ولماذا أَضْنَى، وأنا المَعْنِيُّ بهذا الحبِّ، وأنا المَعْنِيُّ بهذا القلبِ المتسارعِ في الخفقانِ، وَهُنَّ المَعْنَى.
من أينَ إلى الجدّ أمرّ، وهذا العصيانُ على كاهل عصفورٍ دَوّخَ في حُبٍّ أغصانَ الأشجارِ،
من أينَ إلى الجدّ تمرُّ هدايا أبنائه،أو هذا المتكبّرُ في الخافق: مَنْ علّمَهُ الدولابَ، يدورُ على وَقْعِ النعمةِ أو نَقْرِ الرَّعْشَةِ مفتوناً بالإيقاعْ
من أينَ إلى الجدّ أمرُّ، وكيف يتوبُ القَلْبُ الشَّاهِدُ والمشْهُودُ أو يَفْطرُ عن كتمان شهادتِهِ:
ولماذ الريحُ صدَى، ولماذا الذيبُ رفيقُ أساطيري؟؟؟
تُشبِهُنِي الدنيا في ساعاتِ الفرحِ المُبْهَمْ
والحزنُ إذا أَجْرَمْ
يُشبهني كلّ فتى كذّابْ
كلّ فتى أوّابْ
جدة