كثيرة هي الكتب التي، في ظاهرها، تأتي بعناوين جاذبة.. شأنها شأن الكتب الثقافية الإبداعية، وإن كانت موضوعاتها سياسية أو ترويجية أو ابتزازية أو استغلالية لأسماء كبيرة راحلة؛ فتلك الإصدارات هكذا تبدو أو هكذا يراد لها أن تبدو، بينما الواقع المتحقق من صدورها هو أنها مجرد (منشورات تعبوية) أو (فبركات انتهازية) في غاية الخطورة على مجتمعها والمجتمعات المحيطة به، أو على التاريخ نفسه، لأنّها من نواح قد تكرّس المغالطات وتبرر السقطات وتمجّد جرائم الجهة الراعية لها.. والأمثلة أو الشواهد حول تلك النوعية من الكتب كثيرة جداً، وكنتُ قد تحدثتُ في موضوعات سابقة عن مثل هذه الوقائع بمقالة عنوانها (منع الكتب) وثانية (عن التأليف وتبعات النشر) وثالثة (سلاح الرّدع الثقافي)، وربما غيرها من مقالات لا تحضرني الآن عناوينها ولكنني أعرف أنها قد نبّهت لشيء ما يجب الانتباه له. ومن نواح أخرى - حين تأتي الإصدارات الأسوأ من الجانب الآخر أدبياً - فإنها قد تسيء للذائقة بإحداثها تشوّهات في بعض فقرات التجارب الإبداعية المكتملة برحيل أصحابها.
أمّا ما أقصده بأسوأ كتابين الآن، فهما الأسوأ - بنظري - في قوائم الكتب العربية الصادرة في العام الذي انتهى بصعوبة بالغة (2014) شملت كل نواحي الحياة..
الأول: كتاب للنائب في (حزب الله اللبناني) حسن فضل الله عنوانه (حزب الله والدولة في لبنان - الرؤية والمسار) صدر عن (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر) في لبنان. فمع احترامي لصراحة العنوان ووضوح انبثاقه من شريان الحزب ليدعم رمقه الأخير في البقاء بعد انكشافه لكل المحيطين به الذين كانوا مخدوعين به لأزمنة خلت؛ إلا أن الكتاب ليس فقط لم يأت بما يستحق القراءة الموضوعية، بل هو أعاد وكرر خُطَب أمين عام الحزب (حسن نصر الله) بشكل ساذج يراد به إيهام القارئ المغيَّب عن الوعي - وهو معدوم تقريباً في عالم اليوم - بأن تلك نتائج أو مقاربات أو مراجعات قرائية للرؤية والمسار توصل إليها الكاتب بعد استقصاء وتأمّل واستنباط؛ بينما هي مجرد نسخ ولصق وتفريغ لتصريحات خطابية.. فاستحق الكتابُ أن يكون الأسوأ على الإطلاق!
والكتاب - الأسوأ - الثاني: عنوانه (أمل دنقل.. قصائد لم تنشر) من إعداد وتقديم أنس دنقل، وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. لماذا أراه سيئاً وهو يحمل اسم المبدع أمل دنقل (1940 - 1983)..؟!
أقول باختصار: على رغم الدراما المؤثرة التي صاغها أنس دنقل - شقيق الشاعر الراحل أمل - في تبريره لإعداد وتقديم هذا الديوان، إلا أن المستوى الإبداعيّ للقصائد فيه يقلّ كثيراً عن مستوى إبداع أمل دنقل الذي يعرفه جيداً كل من يعرف الشعر العربيّ الحديث. ولأنني لا أريد الخوض في تخمين مصادر هذه النصوص، ولا التشكيك في ذمة شقيق الشاعر ومحبيه من الجهة الناشرة لهذا العمل، فالنشر يعني الاعتراف وتحمّل مسؤولية التوثيق، لذا سأكتفي برأيي العابر هذا في كون هذا الكتاب يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأسوأ ضمن إصدارات العام الماضي، ولن أنقل شيئاً منه حتى لا أساهم في إلصاق تلك النصوص الضعيفة بشاعر كان حاضراً بقوّة استثنائية في خريطة الشعر العربي ولا يزال.
وسأكتفي - ختاماً - بالإشارة إلى مقالة سابقة عنوانها (المتاجرة بوريقات المبدعين) منشورة هنا قبل أعوام، وفي كتابي (طَرَب.. طَرَب) الصادر في العام المنتهي نفسه بالقاهرة، لأنني قد قلتُ فيها كل ما أريد قوله عن مثل هذه الحالات الآخذة في الازدياد.