كيف قدمت الدراما العربية صور مشاهد الامتحانات والفترة التي تسبقها والتي تتخللها وتلك التي تليها للمشاهد العربي؟ وماذا كرست من خلال ذلك في نفوس الأجيال على مدى عقود من الزمن تزامنت وانطلاقة التعليم في البلاد العربية؟
الامتحانات المدرسية والجامعية تشكل كما تظهرها الدراما العربية على شاشة السينما والتلفاز لحظات تأزم صعبة وشائكة تتطلب قدرا غير بسيط من الصراعات الداخلية والخارجية إضافة إلى قدر من الاستنفار المعنوي والمادي والمساندة لاجتيازها بأمان دون ضمانات أكيدة أن يتم ذلك بنجاح.
حيث تتعامل الدراما العربية منذ سنوات مع قضية الامتحانات بشكل سطحي نمطي مكرر، خير دليل عليه اختزالها الحدث بتكرار مشهد تعليق النتائج النهائية وتطاول الشباب على أطراف اصابعهم لتفحص نتائجهم المعلقة والفرحة التي تعلو وجوه البعض وتلك الخيبة المرة التي تكسو وجوه آخرين. إضافة إلى مشاهد اذعان الأسر غالبا حتى محدودة الدخل منها للأبناء واقتحامها لأجلهم دوامة الدروس الخصوصية على أمل أن يساعدهم ذلك في وقت لاحق في اجتياز أزمة الامتحان، وهو ما تحول تدريجيا في مجتمعاتنا إلى واقع مكرس بعدما أصبح يعيش طلاب المدارس وأسرهم سنويا ذات الأجواء الاستنفارية والتعبوية تقريبا، ما يحتم على رب الأسرة بموجب ذلك الدفع لمقدمي الدروس الخصوصية لمساعدة أبناءه على اجتياز المرحلة الدراسية.
ولقائل أن يقول بأن حضور الدروس الخصوصية مثلا في مجتمعاتنا بهذه الكثافة وتحوله إلى عادة يعود أيضا لعدم تفرغ الأم المعاصرة نتيجة انشغال كثير من الأمهات بالوظائف، وهذا صحيح غير أن أبناء الأجيال السابقة كان غالبية آبائهم من الأميين وكانوا يجتازون المراحل الدراسية دون مساعدة من أحد في الغالب بنجاح نتيجة الاعتماد على النفس وعلى ما يتلقونه في المدرسة من تحصيل الدراسي.
ومن خلال الدراما أيضا ارتبطت فترة الامتحانات في وقت متقدم كذلك باحتساء كؤوس الشاي وأكواب القهوة والسهر حتى ساعات الفجر الأولى أو مواصلة الليل بالنهار أثناء الامتحانات، وفي السنوات الأخيرة استجد للأسف ارتباط الاختبارات في أذهان بعض الشباب من خلال ذات الدراما كذلك بإدمان مشروبات القوة والحبوب المنشطة وبعض أنواع المخدرات وبسرقة السيارات والسطو وببعض حالات الانفلات.
ونتساءل من يسبق من؟ ومن ينقل عن من؟ هل تنقل الدراما عن المجتمع أم يكتسب المجتمع بعض عاداته من الدراما؟
لا يمكننا أن ندين الدراما بشكل تام ونحملها كامل المسؤولية تجاه ما اكتسبته مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة من عادات سيئة أخرجت بعض الأفعال الحياتية عن سياقها الطبيعي ومنها فعل الامتحان باعتباره فعلا حياتيا يفترض أن لا يشذ عن بقية أفعال حياتنا وأن لا يتم تهويله وتغويله وتحويله إلى فزاعة نخيف بها الأهل والأبناء وندفعهم لمواجهته بأسلحة مدمرة، والهدف منه يفترض أن لا يتجاوز قياس مدى استيعاب الطالب ومهاراته ومقدرته على التحصيل.
ورغم وجود عوامل أخرى عدة لا يمكن إغفالها فقد لعبت الدراما مع احتوائها في الوقت نفسه على جوانب إيجابية دورا غير بسيط في تغيير عادات المجتمع وزحزحت عادات إيجابية وتكريس عادات أخرى هدامه دخيلة بين أفراده ومن ذلك إبرازاها لسلوكيات إنسانية خاطئة وتعميم حالات فردية غير سوية باعتبارها ظاهرة قائمة بذاتها وإحدى لوازم الحياة العصرية وإحاطتها بجو من الإثارة المحببة لدى الشباب أوجدت مع الأيام صورة نمطية عن عملية التربية والتعليم الحالية التي تركز على عملية تكديس المعلومات في ذهن الدارس بهدف إفراغها أثناء الإجابة على أسئلة الاختبارات.
وكان الأجدر بها التركيز على أهمية تفعيل دور المعطى المعرفي والتربوي المكتسب عبر المناهج في المجتمع؟ ومن يتوجب أن يضعه، ولماذا ولمن؟ وعلاقة المدرسة بالمجتمع والحث على تبني مواقف تعليمية والتعرف على طرائق تدريس فاعلة ومبتكرة تنطلق من الفلسفات التربوية المختلفة وتشجيع المتعلمين على تطوير فلسفة تربوية خاصة.
وقد حذر التربويون وأخصائيو علم الاجتماع من: التأثيرات السلبية المدمرة للدراما السينمائية في تكريس سلوكيات مجتمعية خاطئة وأن تكرار تلك الصور أمام المتلقي أمر يدعو إلى تفتيح اذهان الشباب والفتيات على كم هائل من السلوكيات الخاطئة والجرائم الاجتماعية، وتثبيت تلك المشاهد والسلوكيات لدى الأطفال والشباب والمراهقين ومن ثم محاكاة ذلك السلوك واعتماده في الحياة اليومية وما يستتبع ذلك من آثار سيئة على المجتمع.
وتعتبر الدكتورة عزة كريم في مشاركة لها أن الدراما بطبيعتها المؤثرة في النفوس، المحركة للوجدان تؤثر في تكوين شخصية الفرد ونمط تفكيره وفي محصوله الثقافي ونمط المعلومات التي يختزنها يضاف الى ذلك تأثيرها البالغ على علاقات الفرد بالآخرين.
كما تعتبر أن من المؤسف أن معظم أفراد المجتمع يكتسبون المعلومة من الدراما وتلقائيا يميل الفرد إلى محاكاة وتقليد أبطال المسلسلات والافلام والشخصيات التي تظهر عبر تلك البرامج، وبمرور الوقت يتولد لدى الفرد قناعة تامة أن ما يمارسه ابطال المسلسلات والأفلام السينمائية هو السلوك السوي بذاته.
وهو ما سنظل نعاني من نتائجه للأسف إن لم نتصدى لبعض التدمير الذي يمارسه بوعي أو دون وعي صناع الدراما في البلاد العربية والعالم.