- لعلَّ الجنون مجرَّد حزن كفٍّ عن التطور. (إميل سيوران)
- يلقي المجنون حجراً في بئر يعجز ألف عاقل عن إخراجه. (مثل إنجليزي)
- سمّاني الناس مجنوناً، غير أن العلم لم يكشف لنا بعد فيما إذا كان الجنون ذروة الذكاء أم لا! (إدغار ألان بو)
- الحُبُّ أعقل أنواع الجنون! (نبال قندس)
- إن أجمل الأشياء هي التي يقترحها الجنون ويكتبها العقل! (أحلام مستغانمي)
***
يقول المتخصصون: إنه منذ قديم الأزمان كان الناس يعتقدون بأن هناك علاقة بين العبقرية والجنون، وكانوا دائماً يتحدثون عن العبقري بشيء من التهيُّب والوجل، فهو شخص غريب الأطوار معقّد الشخصية يختلف عن جميع البشر، والواقع أننا إذا ما استعرضنا أسماء كباراً لكتّاب وجدنا أن معظمهم إن لم يكن كلهم كانوا يتميزون بتركيبة نفسية خاصة وغير طبيعية، بل إن بعضهم دخل في مرحلة الجنون الكامل، مثل: هولدرلين، ونيتشه، وجيرار دونيرفال، وأنطونين أرتو، وفان جوخ، ودو موباسان، وفيرجينيا وولف، وشومان، وألتوسير، وغيرهم.
العنوان أعلاه اسم كتاب ألّفه أبو القاسم بن الحسن محمد بن حبيب، من أعلام القرن الرابع، توفي سنة 406هـ، يتميز هذا الكتاب بأمرين؛ الأول: الجدة والتفرد، حيث لا يُعرف في التراث العربي كتاب تناول هذا الموضوع الطريف، الثاني: ندرته من حيث التخصص، حيث كانت أغلب الكتب في تلك الفترة تتناول الأدب بصورة عامة. يقول محقق الكتاب: «لعل أبرز معيار يؤثر في قيمة الكتاب صلة مؤلفه بموضوعه، وامتلاكه وسيلته، وإحاطته بمفرداته، واضطلاعه بجانب كبير من موضوعه»، ويضيف: «الكتاب يمتاز بحسن اختيار مضمونه الأدبي، وبمنهجه الذي تجاوز النتف والملح والأشعار والأخبار وعالج الموضوع على نحو منهجي أصيل».
أفرد هذه المساحة لمقتطفات من هذا الكتاب الممتع، حيث يروي فيها النيسابوري عن قصص عجيبة وحكايات غريبة عن مجانين تجلَّت في مواقفهم وكلماتهم ونصوصهم ما يثير العجب مرة، وما يدفع إلى الابتسام ثانية، وما يجبر على مراجعة حالته أو مفهوم الجنون مرة ثالثة.
- قيل للحسن: إن علي بن سالم مع رقاعته وجهله غرق في الأموال، وإنَّ فلانا وفلاناً - وعدَّ رجالاً من أهل الصفة - يموتون جوعاً! فقال: على ذلك بُنيت الدنيا: علماء بسوء الحال، وحمقى غرقى في الأموال، وإلى الله تصير الأمور.
- ويقول أبو يوسف القاضي: الناس ثلاثة: مجنون، ونصف مجنون، وعاقل، فأما المجنون فأنت منه في راحة، وأما نصف المجنون فأنت منه في تعب، وأما العاقل فقد كفيت مؤونته.
- ويُروى عن أحدهم:
قد كسد العقل وأصحابه وفتحت للحمق أبوابه
فاستعمل الحمق تكن ذا غنى فقد مضى العقل وطلابه
- ويُروى أيضاً:
إن أردتَ الغنى فكن ذا جنونٍ والهُ عن كل عاقلٍ ورزينِ
إنَّ عقل اللبيب داءٌ دويٌّ ونَفاق الأسواق للمجنونِ
- عن وهب بن منبه قال: خُلق ابن آدم أحمق، ولولا حمقه ما هناه العيش!
- قيل لليلى: حبك للمجنون أكثر أم حبه لك؟ فقالت: بل حبه له! قيل: وكيف؟ قالت: لأن حبه لي كان مشهوراً، وحبي له كان مستوراً!
- وقيل للمجنون: أتحب ليلى؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: لأن المحبة ذريعة الوصل، وقد سقطت الذريعة، فليلى أنا، وأنا ليلى.
- ومن مشهور شعره:
ذكرتكِ والحجيج لهم ضجيـجٌ ببكة والقلوبُ لها وجيبُ
فقلتُ ونحن في بلدٍ حرامٍ به لله أُخلصتِ القلوبُ
أتوبُ إليك يا رحمنُ إني أسأتُ وقد تضاعفت الذنوبُ
فأما من هـوى ليلى وحبي زيارتها فإني لا أتوبُ!
- روى القشيري قال: قدِم علينا سعدون المجنون، فسمعته ليلة من الليالي يقول في دعائه: لك خشعت قلوب العارفين، وإليك طمحت آمال الراجين، ثم أنشأ يقول:
وكن لربك ذا حُبٍّ لتخدمه إنَّ المحبين للأحباب خُدَّامُ
- عن ابن وهيب قال: ركبتُ يوماً من البصرة أريد سيراف، فلما صرنا في وسط البحر هبت ريح شديدة، وكان معنا ثوبان المجنون، فنظرتُ إليه وقد لاحظ السماء وهو يقول: أقسمت عليك يا مأوى همم العارفين إلا كشفت عنا الأذى، فما استتم الكلام حتى سكنت الريح ونجونا.
- روى إبراهيم بن فاتك أنه خطر ببال سمنون المجنون ذات ليلة شيءٌ من الصبر، فقال: يا رب؛ ابلني بما شئت فإني صبور، فاحتبس عليه البول، واشتد عليه، فجعل يطوف أسواق البصرة ويقول: كذبتُ لا أعود كذبتُ لا أعود، حتى أُطلق عنه!
- ورأى أبو يعقوب السوسي مجنوناً يُقال له بكار، يعدو عريان وبيده قصبة على رأسها كالعلم، ويقول:
كفى حزناً أني مقيمٌ ببلـدةٍ أخــــلاي عنها نازحون بعيدُ
أقلب طرفي في البلاد فلا أرى وجوه أحبَّاي الذين أريدُ
فقلتُ له: من أحباؤك؟ فأخذ بيدي وأدخلني المقابر وأشار إلى القبور وقال: هؤلاء!
- ويروي أبو محمد بن يعقوب أنه دخل الدير فرأى مجنوناً مكبلاً فقال له: ما الذي صيَّرك إلى ما أرى؟ فقال:
نظرتُ إليها فاستحلَّت بنظرةٍ دمي ودمي غالٍ فأرخصه الحبُّ
وغاليتُ في حبي لها ورأت دمي رخيصاً فمن هذين داخلها العُجْبُ
- قال مؤلف الكتاب: دخلت بهراة دار المرضى، فإذا شيخ مسلسل، فقلت له: يا شيخ؛ أتريد النجاة مما أنت فيه؟ قال: لا! قلت: ولمَ؟ قال: لأن القلم مرفوع عني فيما أتعاطاه، فإذا نجوتُ من هذه البلية أُجري القلم عليَّ، فقد حُبستُ وأُطلق عنك، وستُحبس ويُطلق عني!
- وقال: قلتُ لمجنون: لم أر مجنوناً أعقل منك! قال: الجنون ما أنت فيه؛ تأكل رزق الله وتطيع عدوه!
- وقال: قلت لآخر: غريبٌ أنت؟ قال: أما عن عقلي فنعم، وأما عن البلد فلا!