نتابع حوار المذيع بيل مويرز من خدمة البث العام الأمريكية (PBS) مع بيل غيتس:
مويرز: ما هو جوابك على كون موارد العالم غير موزعة بالعدل إطلاقاً؟
غيتس: إنه خطأ بالطبع.
مويرز: ولكن من طبيعة الحياة أن يعمل شخصاً ما خطأ. من الذي عمله؟
غيتس: أعتقد أننا نعمل أخطاء كل يوم لأننا نفكر في أنفسنا فقط. الحدود الوطنية تسمح بوجود هذا الظلم الكبير عبر تلك الحدود. وأعتقد أن هذا القرن، وهذا ما أرجوه، سيكون ذا نظرة عالمية أفضل، حيث لا تفكر في كون بلدك على ما يرام، ولكن تفكر في العالم أجمع. هناك عذر واحد لدى الناس في الدول الغنية لعدم الالتفات إلى هذا الأمر. ولكنه عذر غير صائب. وهذا العذر هو أن الأمور آخذة في التحسن على الرغم من كون أموال البحوث لا تنفق بالطريقة السليمة. معدل وفيات الرضع أو العمر المتوقع للإنسان تحسنا حتى في البلدان غير النامية. ومعدل وفيات الرضع هو اليوم أدنى مما كان عليه في أفضل بلد قبل 120 عاماً.
ولكن الآن هناك أشياء جديدة مثل وباء الإيدز الذي يغيّر مجرى الأمور الصحية في الاتجاه الآخر تماماً. ولا ينبغي أن نكون على استعداد للانتظار 50 أو 100 سنة لاكتشاف الأدوية المضادة واللقاحات الجديدة، ونشرها على أوسع نطاق.
مويرز: هل أحرزت أي تقدم في قضايا الإنجاب الآمن وتنظيم الأسرة؟
غيتس: نعم. هناك تأثير يمكن قياسه عندما يمكنك الذهاب لتوعية الأسر، ولكن المرأة في المقام الأول، حول مختلف الخيارات المتاحة لها. هناك تأثير حقيقي يمكنك عمله في هذا المجال. أي شيء له علاقة بالصحة الإنجابية. هناك أفكار جديدة في هذا المضمار سواء كان وفيات الأمهات أو معدل وفيات الرضع. هناك المزيد من الناس الراغبين في المشاركة.
مويرز: أحد زملائي رافق أبيك وجيمي كارتر، الرئيس السابق للولايات المتحدة، عندما ذهبوا إلى إفريقيا منذ فترة ليست بالبعيدة. تسجيلات الفيديو كانت مدهشة. كان أبوك وجيمي كارتر يقفان على عتبة باب ويتحدثان عن الواقي الذكري كما لو أنك كنت تتحدث عن الكمبيوترات. هل تشعر بالراحة في التعامل صراحة مع عادات الناس؟ سلوك الناس؟
غيتس: حسناً، إنه أمر مثير للاهتمام. الإيدز هو المرض الذي يصعب الحديث عنه؛ في تلك الزيارة التي قام بها أبي كان وزير الصحة لذلك البلد لم يقم بزيارة ذلك الحي مطلقاً. ولذلك، قاموا بدعوته إلى هناك. واعتقد الناس أنه لن يحضر. لكنه في الواقع أتى، وشارك في الحوار، وقال: حسناً، سنقوم بتوزيع الواقي مجاناً في هذا الحي بسبب التأثير الصحي الذي يمكن أن يحدثه.
مويرز: السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تحفز العاملين في شركة مايكروسوفت الخاصة بك؟ أنت تعرف كيف تؤثّر في سلوكهم بالجوائز التي تقدمها. كيف يمكن للعالم أن يؤثّر على تصرفات الناس على المستوى الجنسي؟
غيتس: إنها مشكلة صعبة للغاية. إنها صعبة خصوصاً إذا كان الزعماء السياسيون ليسوا على استعداد ليجهروا بخطورة الأمر؛ في الحقيقة هناك بضعة بلدان فقط، حيث قال السياسيون إن مكافحة الإيدز في غاية الأهمية من أجل رفاهية مواطنينا. وعلى الرغم من أنه ينطوي على استعمال المخدرات، والعاملين في مجال الجنس، قالوا إنه كارثة على البلد. هذا ما حدث في تايلاند.
مويرز: حقاً؟!
غيتس: إن تايلاند هي البلد الوحيد الذي أدرك هذا الوباء المحتمل في مرحلة مبكرة. حدث هذا في أوغندا لكنه حصل بعد أن انتشر المرض بالفعل إلى 20% تقريباً. إن الوعي لا يحدث بالدرجة المطلوبة في بلدان أخرى. ولمن يظن أنه يقتصر على إفريقيا فحسب، فسوف تأتيه صيحة تنبيه أن هناك بالفعل في الهند بين 5 إلى 10 ملايين نسمة مصابون بالإيدز. وإنها فقط مسألة كم من عشرات الملايين أو ربما أكثر من 100 مليون نسمة في الهند سوف يصابون بهذا المرض. ومرة أخرى، التدخل المبكر هو الذي يحدث أكبر أثر.
مويرز: أجريتُ مقابلة مع الدكتور ديفيد هو (*) قبل أسبوعين تقريباً. لقد عمل اكتشافاً بحثياً عظيماً لعلاج الإيدز، وحصل على لقب «رجل العام» من مجلة تايم. لقد أعرب عن قلقه الآن من الصين التي جاء منها أجداده.
غيتس: لقد كنت في الصين مؤخراً وتحدثت مع وزير الصحة ومع جيانغ زيمن (**) عن رفع أهمية الأمر (الإيدز) هناك. وعندهم - بالنسبة إلى مستوى دخلهم - نظام صحي قوي. ولديهم بالفعل إرادة في أن يقولوا: حسناً، إذا كان هذا (الإيدز) بسبب العاملين في مجال الجنس، فسوف نقوم بتسجيل جميع العاملين في مجال الجنس، وسوف نتأكد من أن بعض التغييرات السلوكية تجري، مثلما فعلت تايلاند.
ولذلك، أعتقد أن الشيء الصحيح سيحدث هناك. إنهم بحاجة إلى دعم دولي. إنهم بحاجة إلى المزيد من التشجيع للتأكد من تنفيذ المهمة.
مويرز: ما رأيك بتراجع إدارة جورج دبليو بوش عن قضايا صحة المرأة وحقوق الإنجاب في جميع أنحاء العالم. ليس تراجعها عنها فحسب، ولكن معارضتها الصريحة ومحاولة عرقلتها؟
غيتس: يجب علينا التأكد من أن الأموال الحكومية يتم تخصيصها بالفعل لهذه الأغراض، والتأكد من استخدامها بشكل فعَّال.
مويرز: لكنهم لا يدعمون وسائل منع الحمل. ولا يدعمون توزيع الواقي الذكري. ولا يدعمون الممارسات الجنسية المأمونة.
غيتس: جزء من المشكلة أن المواطنين لا يجهرون بهذه المطالب بصورة كافية ولا يجعلونها قضية كبرى في الانتخابات.
مويرز: تعني جعل الصحة العالمية قضية سياسية؟
غيتس: نعم، ولكن إذا أمسكت شخصاً ما وقلت له: هل يهمك هذا الأمر...
مويرز: نعم.
غيتس: يمكنك كسب اهتمامهم بسرعة كبيرة. لكنها ليست على جدول أعمال الناس.
مويرز: كيف نفعل ذلك؟
غيتس: في الحقيقة أنا أفكر في ذلك كثيراً. أنا مهتم بأية أفكار مفيدة بهذا الخصوص؛ لأن هذا الأمر متعلق برفاهة البشر. إن الكيفية التي نتعامل بها مع وباء الإيدز ينبغي أن تكون واحدة من أعظم طرق قياس تقدم العالم. إنه مثل شهادة المدرسة لهذه الحقبة خلال العقود القليلة القادمة. والسؤال الجوهري ينبغي أن يكون: هل خصصنا كل الموارد والأنشطة اللازمة لمكافحة كارثة الإيدز عالمياً؟ ومع ذلك، بالنسبة إلى الناخب العادي، فإن هذه القضية ليست على الأجندة. الولايات المتحدة تنفق فقط حوالي 6 دولارات لكل مواطن أمريكي في السنة (***) لقضايا العالم الصحية، ونحن مسرورون جداً بهذا العطاء رغم أنه مبلغ تافه ومهين بالنسبة لأعظم دولة في العالم!!
علينا أن نخرج ونقنع الناس أن دور الولايات المتحدة ليس ما نقوم به في مجال الأمن فحسب، بل أيضاً مشاركة تطورنا العلمي ومواردنا مع العالم. وإذا كان هناك من يريد أن يفكر في فرص عمليات الإرهاب في العقود المقبلة، أعتقد أن عليه أن يفكر في كيفية رؤية الشباب خارج الولايات المتحدة لبلدنا، وما هو دور الولايات المتحدة من حيث تهيئة الفرصة لهم؟ وإذا لم نصل إلى وعي سليم بخصوص هذه القضايا الصحية، فنحن بالفعل لا نجيب عن هذا الموضوع الحساس بطريقة شاملة وسليمة.
مويرز: ماذا تريد من الأمريكي العادي معرفته عن الصحة العالمية؟
غيتس: أعتقد أن فهم الحقائق الأساسية عن وباء الإيدز مهم. وكذلك معرفة قلة الموارد المالية المخصصة لهذا الأمر. وأيضاً الاقتناع بأن الصرف على هذه القضية ليس خسارة للشعب الأمريكي. أقصد أن هناك فكرة منتشرة بأن الحكومة تقدم مساعدات خارجية ينتهي بها المطاف - غالباً - في حسابات مصرفية لبعض الدكتاتوريين.
إن صرفنا لهذه الأموال لن يجعلنا نستيقظ بعد 20 سنة من الآن ونقول: كيف صرفت تلك الأموال؟ بل سنعرف كيف صرفت فوراً لأننا سنرى نتائجها في وقف تقدم انتشار المرض.
وكذلك هناك الطبيعة المتشائمة من قبل بعض السياسيين في الكونغرس بأن الإنفاق الحكومي الخارجي ينبغي وقفه هنا لأننا في الواقع لا نستطيع صرفه في الطرق السليمة.
مويرز: في هذا البلد قضينا على الديفتيريا والسعال الديكي. وكذلك جميع أمراض الطفولة التي كانت لا تزال سائدة عندما كنتُ طفلاً قبل سنوات عديدة. اللقاحات موجودة ولكننا لا نوصلها إلى الناس والأطفال الذين سيتم إنقاذهم الآن إذا حصلوا عليها. لماذا لا تصل اللقاحات إلى الناس والأطفال الذين يحتاجونها؟
غيتس: حسناً، أكبر مبادرة قمنا بها هي صندوق اللقاحات. وكان هذا الصندوق يتكون من 750 مليون دولار لتحفيز العالم لنقول: حسناً، دعونا ندخل في مرحلة جديدة، حيث نزيد تغطية التطعيم من 70 في المئة تقريباً مما هو عليه اليوم، ونحصل على لقاحات جديدة هناك. وتعلمون بالنسبة لالتهاب الكبد «ب» والتهابات الرئة، هناك حوالي أربعة لقاحات لدينا هنا في الولايات المتحدة، ولكنها لا تحظى بالانتشار في العالم الفقير. وتبلغ التكلفة الإجمالية للحصول على هذه اللقاحات الأساسية وتوصيلها للمحتاجين حوالي 30 دولاراً للشخص الواحد. وحتى لو أضفنا اللقاحات المكتشفة حديثاً، فالتكلفة لن تزيد على 50 دولاراً. وهكذا فإن المال الذي تم التبرع به - جزئياً - من الحكومات وجهات أخرى، لم يكن كافياً بقدر ما كنا نأمل بخصوص تغطية اللقاحات.
** ** **
هوامش المترجم:
(*) ديفيد هو (David Ho): طبيب أمريكي بارز ولد عام 1952 في تايوان. درس الفيزياء ثم الطب في أمريكا. يعتبر باحثاً رائداً في مجال علاج مرض الإيدز. (العيسى)
(**) جيانغ زيمن (Jiang Zemin): زعيم صيني ولد عام 1926. أصبح أميناً عاماً للحزب الشيوعي الصيني (1989-2002)، ثم رئيساً لجمهورية الصين الشعبية (1993-2003). (العيسى)
(***) أي أن مجموع ما تتبرع به الولايات المتحدة لأجل الصحة العالمية يعادل 1.8 مليار دولار سنوياً فقط على أساس أن سكانها 300 مليون نسمة في وقت هذا الحوار. (العيسى)
......(يتبع)
ترجمة وتعليق/ حمد العيسى - المغرب
Hamad.aleisa@gmail.com