الثقافية - عطية الخبراني :
دعا الدكتور عبدالرزاق بن فراج الصاعدي المشرف على مجمع اللغة الافتراضي إلى أن تتولى لجنة من مجامع اللغة بمبادرة من مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية - تتولى إصلاح الرسم وتسعى إلى توحيد القاعدة والاختيار في مواضع الاختلاف، وتُعنى أيضاً بردّ الشواذ إلى أصولها مثل (هؤلاء وأولئك وهذا ولكن وذلك ومائة) فتكتب على قاعدتها المطردة: (هاؤلاء وأُلائك وهاذا ولاكن وذالك ومئة) وكذلك ما بقي من الشواذ، وهي قليلة، وفي إصلاحها خير وتيسير على المبتدئين ويحقق الاطراد ويكسب الرسم قوة وجمالاً، وقد أصلحت الأجيال عبر العصور كلمات شاذة مثل عثمن (عثمان) وحرث (حارث) وثلثة (ثلاثة) ومائة (مئة) وكتبها الناس على ما تقتضية قاعدتها.
ويفصل الدكتور الصاعدي رؤيته قائلاً: إن إصلاح الكتابة أو الرسم العربي أو الإملاء كان هاجس اللغويين منذ عصر أبي الأسود الدؤلي، وازدادت الدعوات لإصلاحه في العصر الحديث، ولا تكاد تخرج هذه الدعوات من حيث الأهداف عن أحد أمرين: دعوات مخلصة من أجل الإصلاح ودعوات ماكرة غرضها إبعاد الأمة عن تراثها العريق.
وأضاف الصاعدي: أول محاولات الإصلاح الجادة للرسم العربي كانت على يد أبي الأسود الدؤلي حين وضع الإعجام والحركات، فتطور الرسم جيلاً بعد جيل حتى تبلور في العربية رسمان: رسمٌ للقرآن ويسمى الرسم العثماني وله خصائصه، ورسمٌ لعامّة الكتابة، وهو ما نعرفه اليوم، ولكن هذا الرسم لا يخلو من مشكلات وبخاصة للمبتدئين، وأكبر مشكلات الإملاء العربي تأتي من الهمزة، وهناك مشكلة الأصوات القصيرة أعني الحركات، فهي أصوات لكن لا يقابلها حروف في الرسم، خلافاً للمدود الطويلة (الألف والواو والياء) واكتفوا بوضع رموز صغيرة فوق الحروف أو تحتها وهي ما يسمونها الحركات, ويلاحظ أن الرسم الإملائي العربي لا يوافق المنطوق كل التطابق، ومن هنا جاءت الدعوات لإصلاح الرسم وطالب بعضهم بأن يكون الرسم مطابقاً للمنطوق، أي للأصوات المنطوقة، وما لا ينطق لا يكتب، كالكتابة العروضية، وكذلك إيجاد حروف للحركات القصيرة (الفتحة والكسرة والضمة) وهذا شبه محال فمن الصعب إيجاد حروف مستقلة للحركات أو الأصوات القصيرة لطبيعة الحرف العربي، وقد تقبّل الناس الحركات برموزها المعهودة ولا حاجة لتغييرها ألبتة.
وتابع اللغوي الصاعدي: هناك دعوات مشبوهة معروفة الغرض نادت بترك الحرف العربي والكتابة بالحرف اللاتيني على غرار اللغة التركية، زاعمة أن الحرف العربي لا يطابق المنطوق وبه كثير المشكلات، وهذه دعوات تزامنت مع الدعوة إلى العامية في مصر والشام، وكان مصيرها الفشل.
وهناك دعوات صادقة مخلصة ينادي أصحابها بإصلاح الرسم، ويقصدون بالإصلاح معالجة مشكلاته وتجنب الشذوذات فيه وجعله مطرداً ليسهل على المتعلمين تعلمه وتقل الأخطاء فيه، وظهرت دراسات وأبحاث في ذلك لإصلاح حال الهمزة أو مشكلة الهمزة التي تمثّل الجزء الأكبر من مشكلات الخط العربي، ومن أبرز تلك الدراسات: الهمزة مشكلاتها وعلاجها لشوقي النجار، والهمزة في الإملاء العربي المشكلة والحل للدكتور أحمد الخراط..
أما عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد فقد أوضح أن الكتابة اصطلاح، والأصل موافقة المكتوب للمنطوق، ولكنه متعذر في أحوال كثيرة، وعليه فلا يجب أن يكون المنطوق موافقًا للمكتوب كلَّ الموافقة، لصعوبة هذا، ولأنه من طبيعة اللغات كلها؛ ذلك أن الرسم يقارب المنطوق ولا يطابقه.
وأضاف الدكتور الرشيد: قواعد الرسم الإملائي العربي هي من السهل الميسّر على خلاف ما يدّعي بعض المثقفين، وواضحٌ أن الاستصعاب - وليس الصعوبة- محصور في مسائل، أشهرها الهمزة والألف اللينة، وبعض التغيّرات الطارئة لاختلاف الإعراب، وهذه تُحلّ بالفهم وحسن البيان، والممارسة، لا بالتشويش والتصعيب, مضيفاً أن بعض الألفاظ التي لا توافق المنطوق مستقرة النطق، كلفظ الجلالة، والألفاظ البادئة باللام الشمسية، فلا أحد يُعتدّ به يخطئ في نطق (الشمس) أو (التّمر) مثلاً، وأسماء الإشارة (هذه، هؤلاء...) فإثارتها ومحاولة تغييرها هو تضييع للوقت، وإهدار للجهد.
وتابع الرشيد: وحتى لو افترضنا أننا وصلنا إلى كتابة صوتية كاملة - وهذا بعيد جدًّا- فنحن بإزاء مشكلة جديدة، وهي أن كل تراثنا القديم والجديد يحتاج إلى أن تعاد كتابته بالقواعد الجديدة، وهذا متعذّر وقاطع لصلتنا به, وأرى ألا يُثار من مسائل الإملاء إلا ما ينتج عن طريقة الكتابة فيه خطأ في النطق، كرسم (مائة) بالألف، فهو هنا مخالف للمنطوق لحاجة كانت قائمة، ولكنها زالت اليوم، بل نتج عن كتابتها خطأ، فصارت تنطق (ماءة) فالصواب الذي صِير إليه الآن عِلميًّا ورسميًّا هو (مئة)، ومثلها لفظ (عمرو) فقد جيء بالواو للتفريق بينه وبين (عُمر) ولكننا اليوم لسنا في حاجة إلى هذه الواو، وهو ما أقرت المجامع وبعض الجهات العلمية الأخرى تعديله بفتحة على العين (عَمر).
وختم الدكتور عبدالله حديثه بالقول: إن الإملاء العربي سهل قياسًا إلى الإملاء في بعض اللغات - كما يرى بعض الباحثين المختصين- وكثرة التشويش عليه، ورفع العقائر باستصعابه ليس دليل صحة.