جامع محاسن كتابة الكتاب يمزج التراث بالمعاصرة ويفي لذي الفضل ويوثق ما ظُن اندثاره
اليوم نسعد بأن نقدم نمطا من أنماط الفنون البصرية، عودا إلى أهميته اعترافا دوليا وليس محليا باعتباره الفن الأصل والأبرز في الفنون الإسلامية والعربية، ذلك هو فن الخط العربي ولكن بمفهوم اجزم أن القليل من الجيل الجديد يعرف ماهيته وهو المخطوطات الخزائنية.
لنطل بالتلميح والتقاط ما تجود به قدرتنا المتواضعة أمام إنجاز لا يكفي أن يسجن في هذه الحدود والكلمات الموجزة ذلك هو (كتاب جامع محاسن كتابة الكتاب ونزهة أولي البصائر والألباب)، كتاب في ظاهره جذب لأنماط الخطوط لكنه يضم في جنباته ما هو ابعد في علم يسمي الكتابة ككائن حي، كتاب جمعه كاتبه محمد بن حسن الطيبي، وقام على تقديمه وتحقيقه ونشر مخطوطاته الخزائنية بالألوان رجل له خبرته وتجربته في مجال البحث والتوثيق الأديب الدكتور عبد العزيز المانع صاحب الكرسي المختص بدراسات اللغة العربية وآدابها في جامعة الملك سعود الذي بذل جهدا علميا قل أن نراه في المكتبات أو المطبوعات المتعلقة بالخط العربي والمختصين فيه عبر التاريخ، يأتي الكتاب بالرقم الثامن عشر من إصدارات الكرسي، وفي مئة وعشرين صفحة يضاف لها ما يكمل المئتين من لوحات منقولة من أصولها تتضمن أنماط الخط وطرقه.
اشتمل الكتاب على الكثير من التفاصيل مما جمعه كاتبه الطيبي، حاولنا ( كاتب المقال ) أن نستعرض أقل ما يمكن وما يناسب مساحة النشر، فعجز العقل عن الاختيار مقابل كنز لا ترتوي العين مما فيه ولا يستجمع العقل في زمن تفرضه لا المساحة ولا الوقت إنجاز كبير أطر وعطر بتقديم الدكتور المانع الغني بالشرح والتوضيح الدقيق لكل ما جمعه الطيبي، فأحاله المحقق إلى مادة وثائقية تستحق الاقتناء خصوصا لممتهني الخط العربي أو المختصين في التراث اللغوي العربي.
شيء من الكتاب
بدأ المحقق الدكتور المانع بإهداء الكتاب لمدير جامعة الملك سعود السابق قال فيه: إلى أستاذنا معالي الاستاذ الدكتور عبد الله العثمان مع تقدير عميق وود في النفس لا يزول:
أوليتني منك الجميل تفضلا
وبررتني حتى حسبتك والدا
تلا الإهداء تصدير حول دور كرسي الدكتور عبد العزيز المانع محقق الكتاب أشار في التصدير إلى دور الكرسي في نشر السلسلة المتتابعة من الدراسات، مختتما بقوله نأمل أن يكون هذا الإصدار وما سيتبعه ما يعزز من المكانة العلمية لجامعة الملك سعود وهي تبادر إلى تحقيق إنجاز مرموق في تجسيد معايير الجودة الجامعية.
من بحر المقدمة
اتبع المحقق المانع ذلك التصدير بالمقدمة بلمحة عن تاريخ الخط العربي والكتابة، مشيرا إلى أن اهتمام العرب بالخط ينطلق من ثقافتهم المتصلة بالقرآن وكتابته، وصولا إلى الاهتمام بالخزائنية التي تعنى بالأعمال المحفوظة ذات التنفيذ الخاص والتي يعمل لها خزائن لحفظها سعيا للرفع من قيمتها الفنية والمادية، حيث تؤخذ للاهداءات مما جعل لهذا التوجه معلمين وتابعين.
كما أشار الباحث أو المحقق إلى أن ما أثبته خطاط مكة المكرمة المشهور محمد طاهر كردي ما يدل على رقي هذا الفن، مقسما العصور التي اخذ هذا الفن في التطور فيها تباعا عصر السلاطين والبشوات والعلماء.. كما لفت النظر إلى وجود خطاطات من النساء وصل ما أثبته إلى خمس وعشرين خطاطة. كما ذكر أن الخطاط خالد الهياج هو أول من كتب المصحف والشعر والأخبار للوليد بن عبد الملك .
تبع ذلك رصد لأنواع الخط المعروفة سماها أقلام وعددها اثنا عشر قلما، وصولا إلى الهاشميين واستحداثهم للخط الهاشمي ومنها قلم السجلات وقلم الديباج قلم الطومار الكبير والثلثين،
ليصل بالمتابع لهذا التحقيق وتلك المقدمة إلى ما ألف من كتب أو مخطوطات، وان الجاحظ هو أول من كتب عن هذا الفن بعنوان (رسالة الخط)، مشيرا إلى فقدها معرجا إلى أن الاستاذ المرحوم هلال ناجي من اشد المغرمين بنشر المخطوطات منها رسالة ابن قتيبة في الخط والقلم والكتاب وصفة الدواة والقلم وتصريفها لأبي القاسم البغدادي وغيرها.
ينقلنا المحقق إلى مرحلة أخرى عند ما اختار في إحدى زياراته لمكتبة في القاهرة هذا الكتاب (جامع محاسن كتابة الكتاب)، ليربطنا بهذه العلاقة معه حيث يشير إلى أن وجود هذا الكتاب في مكتبته كان بمثابة المرجع عندما اسند إليه تدريس مادة تحقيق النصوص لطلاب الدراسات العليا بجامعة الملك سعود، حيث وجد فيه مادة ثرية للتعريف بالخطاطين ليرسم بعد ذلك خط سيره لإصدار هذا الكتاب وتحقيقه وتقديمه بالألوان ليوازي قيمته العلمية ويصبح مخطوطا خزائنيا يستحق الاهتمام والحفظ، فكانت أولى تلك الخطوات زيارته لمكتبة غوش الملحقة بمكتبة توب قبوسراي باستانبول للاطلاع على اصل المخطوط وتصويره
من جواهر الكتاب
يعد الكتاب مكسبا ومرجعا علميا لأنماط الكتابة وأنواع الخطوط لا يمكن لمساحة مثل هذه أن تنقل كل ما فيه، لكننا اخترنا بعضا منها ومنها باب كتابة الحروف ومصطلحاتها في كل شكل بدا بأشكال حرف الألف مرورا بجميع الحروف الهجائية، إضافة إلى مصطلحات الأسطر وصولا إلى مقدمة الكتاب (الأصل) صفحة 85 التي تضمنت فضل الخط العربي والاستشهاد ببعض الآيات والأحاديث، وما كتب عنه في قصائد الشعراء إضافة إلى تفصيل لأقلام الخط أو قواعده منها قلم العقد المنظوم وقلم المنثور قلم المقترن قلم التعليق وصولا إلى قلم المصحف.
من هو الطيبي؟
نختم بالوقوف عند التعريف بجامع وكاتب الكتاب التي أشار فيها الدكتور عبد العزيز المانع محقق الكتاب وناشر مخطوطته الخزائنية بالألوان قائلا : (لا تسعفنا كتب التراجم ـ كما بينت سابقا ـ عنه لا عن حياته، ولا عن مكانته في عصره، وكل ما نجده هو إشارة واحدة وردت ـ كما يقول المرحوم الدكتور المنجد ـ عند السخاوي.
يقول السخاوي : ( الطيبي: بالتشديد، نسبة لطيبة نشأ والد ماير، من الغربية (بمصر).
ونواصل عرض الدكتور عبد العزيز بإيجاز لنصل إلى علماء الطيبي الستة الذين منهم زين الدين عبد الرحمن ابن الصائغ ومحمد بن كوزل العيساوي، نائب ثغر دمياط. والشيخ ياسين بن محمد بن مخلوف.
ويكمل المحقق المانع بالإشارة إلى لمن ألف الطيبي كتابه ولماذا، يقول الطيبي عن طرة مخطوط كتابه انه ألفه ( برسم خزانة المقام لشريف، تولى السلطنة سنة 905 هجري، وتوفي سنة 922 هجري، مولانا السلطان الملك الأشرف ابي النصر قانصوة الغوري. عز نصره).
والسلطان قانصوه الغوري أحد سلاطين المماليك المصريين، وألف الطيبي كتابه ليدخل خزانة ذلك السلطان سنة 908 هـ أو بعدها. كما يذكر الطيبي في آخر مخطوطه. والتأليف لخزائن الخلفاء والسلاطين نهج ـ كما هو معلوم ـ ينهجه بعض الخطاطين فيما ينسخون من كتب أو مصاحف، لتدخل تلك الخزائن لينالوا عليها العطاء الذي يقدم عادة بقدر ما يجودونه من خط وزخرفة وتذهيب وتجليد وغير ذلك.
ويطرح المحقق المانع السؤال : هل كان ذلك هو هدف الطيبي من تأليف كتابه عن ابن البواب وتقديمه لخزانة السلطان قانصوه؟
مجيبا بقوله.. أبدا.. يقول المرحوم المنجد : ( ويبدو أن الطيبي أراد التقرب بكتابه هذا (مكتبا) بمدرسته).
ختاما
هي التلميحات منا ومحاولة اقتناص ما خف على القلم نقله وازدانت به هذه المساحة، لنترك البحث المفصل للراغبين في الغوص إلى أعماق إرث ذهب كمبدعيه وكرَّمهم المعاصرون أمثال الاستاذ الدكتور عبد العزيز المانع واحتضنته جامعة الملك سعود ومتطلعين إلى المزيد.
- monif.art@msn.com