الثقافية - محمد هليل الرويلي:
بدايةً لعلنا نتخذ من الورقة التي قدمها الدكتور إبراهيم التركي في جامعة القاهرة مدخلًا لتحقيقنا الذي اخترنا له الصالونات الأدبية ودورها في تعزيز مسيرة الثقافة والأدب في المنطقة، وما هي أبرز احتياجات ومطالب أصحاب الصوالين الأدبية وروادها لتؤدي دورها الحضاري بالشكل المطلوب؟
تناول التركي مسيرة المنتديات الخاصة والتي عُرفت عبر التأريخ وتعددت وسائطُها وأهدافها، وربما كان مشاؤو (أرسطو) - تأسست عام 335 قبل الميلاد - نموذجًا أولَ لما مثله مريدوه في حرصهم على استصحاب أستاذهم وهم يمشون بين الأشجار اقتناعًا بتأثير ناتجِه الموجب على الفهم، وبقيت مدرسة المشائين بعد وفاته بقرون وتخرج فيها عدد من النابهين ثم جاءت المنتديات البيتية بديلًا عن المشي، وعرف تأريخنا القديم والحديث عددًا منها كما كان يُروى عن مجلس (قيس بن عاصم) قبل الإسلام ومجالس الخلفاء والأدباء ومنهم ومنهن: سكينة بنت الحسين وولادة بنت المستكفي ومي زيادة وطه حسين والعقاد وآخرون، وذُكر بعضها في الشعر كما صنع إسماعيل صبري (1854-1923) م مع صالون مي إذ ينسب إليه:
روحي على بعض دُور الحي حائمةٌ
كظامئ الطير تواقًا إلى الماء
إن لم أمتع بميٍّ ناظريَّ غدًا
أنكرت صبحك يا يوم الثلاثاءِ
وأضاف التركي في ورقته كما وثقت بعض حكاياتها «الصالونات الأدبية» في مؤلفات مثل العقد الفريد والإمتاع والمؤانسة وفي صالون العقاد كانت لنا أيام والإثنينية، وفي المملكة العربية السعودية تنوعت المنتديات الشخصية وتكاملت أغراضها بين مجالس مفتوحة ومغلقة وبين ما هدفها التكريم وتهتم بالإعلام وما تقتصر على أحاديث عامةٍ ومحاضرات متخصصة، وبرز منها سبتية الجاسرين (حمد وعبدالكريم) في الرياض وأحدية المبارَكَين (أحمد في الأحساء وراشد في الرياض) وسارة الخزيم في الخرج وإثنينية الجهيمان في الرياض وخوجة في جدة وثلوثية المشوح وبامحسون في الرياض وأربعاوية الرفاعي - باجنيد المسماة الوفاء وابن عقيل في الرياض والمشيقح في بريدة وخميسية الموكلي في جازان وجُمعية شلبي في الرياض ويومية عبد الرحمن العثيمين في عنيزة، وهذه نماذج للتمثيل فقط، ويتفاوت انتظامُها وأسلوبُ إدارتها ونوعيةُ المعنيين بها.
وبعد هذا المدخل المضيء نستطلع آراء بعض المختصين والمهتمين بهذا الموضوع الحيوي والذي يُشكّل رافدًا من روافد الثقافة العربية..
تطور كمي ونوعي
في البداية أكد عضو مجلس الشورى السابق ومؤسس أربعائية المشيقح د. عبد الرحمن بن عبد الله المشيقح أن للصالونات الأدبية دوراً إيجابياً في إثراء الحركة الثقافية بالمملكة من خلال التنوع في الطرح والكثافة، حيث إن منها الأسبوعي والشهري فيتم التطرق إلى النواحي الأدبية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك حيث يكون للمؤهلين في المملكة مجالات أرحب وقنوات أكثر للمشاركة وسماع إنتاجهم ثم إن لدى المملكة حركة واسعة في شتى المجالات لا تستطيع أن تستوعبها القنوات الرسمية من إذاعة وتلفاز وصحافة فهذه المنتديات أو الصالونات أتاحت الفرص لمن يريد أن يتحدث في السياسة والرياضة والعمل الخيري والتعليم والطب فبعض المنتديات متخصص في الشعر والأدب وبعضها مفتوح على كل الميادين والمجالات.
وعن ملامسة الطرح للواقع في برامج الصالونات الثقافية يقول المشيقح: الميزة هنا في الكثرة والتنوع فلا يشك أحد في أن معظمها يلامس الواقع فقد يشذ موضوع أو أكثر في عدد محدود من المنتديات فالنادر لا حكم له فكل يحرص أشد الحرص على تقديم أفضل ما يستطيع وكما ذكرت أن بعضها متخصص في الشعر والأدب وبعض الموضوعات الثقافية والغالب في المنتديات هو الانفتاح وتقديم ما يهم المجتمع من تعليم وصحة واقتصاد ورياضة وقضايا فكرية واجتماعية وسياسية.. كما يحرص مؤسس الصالون الثقافي أن يقدم لمرتادي المنتدى العالِم والمتخصص أو من لدية اهتمام معين، وقد يكون في الحضور من هو أكثر منه تمكناً ودراية إلا أن المتحدث في الغالب يكون في تخصصه أو موضوعه متميزاً عن معظم الحضور، ثم إن فتح الحوار بين المتحدث والحضور أو بين الحضور أنفسهم بالإدارة الجيدة تكون الفائدة عميمة وتضيف الكثير من الفوائد الثقافية والفكرية للفرد والمجتمع.
وأضاف المشيقح: كانت الصالونات الأدبية في المملكة تُعد على أصابع اليد الواحدة ثم نمت وتطورت كماً ونوعاً خلال الثلاثة عقود الماضية والعوائق إن وجدت فهي متباينة فعندما يكون توقيت المنتدى في العصر أو بعد المغرب أو قبل صلاة الظهر ويكون عدد الحضور محدوداً جداً فإن إدارته تكون أسهل وتكلفته تكون أقل أما إذا كانت الدعوة عامة ومرتبطة بمادة وتوثيق مصور أو بث مباشر فإن التكلفة تكون أكبر، أما أهم العوائق فإنها تكمن خارج المدن الكبرى، حيث يصعب الحصول على الموضوع المناسب والضيف المتحدث في الوقت المناسب بصفة مستمرة.
مؤكدًا على أنه لكل صالون أدبي رؤيته وتوجهه نحو الموضوعات التي يطرحها وكذلك الزمان والمكان فإذا وجدت الرغبة في دعوة أكبر عدد ممكن وبُذل جهد في ذلك فإنه سوف يلبي الدعوة قرابة 5. % من المدعوين وكلما كان الموضوع هاماً ازداد عدد الحضور كذلك أهمية المتحدث وشهرته.
وعن أهمية المواقع الإلكترونية والإصدارات في نشر عطاءات الصوالين الأدبية يقول المشيقح: في السنوات الأخيرة كثرت المواقع الإلكترونية وزادت أهميتها في توصيل المعلومة بالصوت والصورة، أضف إلى ذلك تعدد وتنوع قنوات التواصل الاجتماعي التي تنقل الحدث والمعلومة إلى مختلف بقاع العالم، واستفادت الصالونات الأدبية في تخزين هذه الوثائق الهامة في «اليوتيوب» وغيرها ليسهل الحصول على المعلومة في أي وقت، أما بالنسبة للإصدارات فإن أغلب الصالونات الأدبية تقوم بتجميع المحاضرات والندوات في مجلدات دورية، أو في أقراص مدمجة لتوزيعها على الحضور.. كما أنه من أجل نجاح أي فكرة طموحة يتطلب إنكار الذات وهو ما يعني أن يعمل الجميع وينصهر في قالب واحد من أجل تشييد العمل المنوط به ومن ثم كلٌ يعطي رؤيته في حرية كاملة متحرراً من الفئوية والمجاملات على حساب الفكرة التي ينشدها الجميع، وهو ما يعني أن يدلي المثقف بدلوه للنهوض بالعمل الأدبي الهادف إلى بناء عقل بشري صاحب رؤية ثاقبة في تقدير الأمور، وفي خدمة الدين والوطن.
فوائد مشرقة
كما يتفق الدكتور محمد المشوح مع الدكتور المشيقح حول أهمية الصالونات الأدبية في إثراء المشهد الثقافي لكونها أصبحت جزءاً من هذا النسيج الرائع في المشهد الثقافي السعودي وهي تمثل نوافذ مشرقة تغرس وتكرّس أسساً هامة في الحوار والتلاقح بين الأفكار، إضافة إلى الاحتفاء بالرموز الثقافية والفكرية والاجتماعية وتوثيق حياتهم ومسيرتهم والاستفادة من تجربتهم، كما أن الثلوثية وغيرها من الصالونات تسعى لتحقيق أهداف الحوار الهادف. مؤكدًا على أنها أصبحت اليوم تستحوذ على أهم المواد الصحفية الهامة للقارئ المثقف لما تقدمه من تنوع وحوار وثراء معرف وفكري صادق يطلع عليه القارئ لكل صحيفة سواء كانت ورقية أو غير ذلك والصحافة بالتأكيد هي إحدى الركائز الهامة لعمل رسالة الصالونات الثقافية الذي يمثّل عمقاً للعمل المدني وشريكاً للعمل المؤسسي الرسمي والحكومي الذي ينبغي أن نسعى جميعاً لتقديم زاد معرفي مناسب لكافة الشرائح المجتمعية.
وعن مواكبتها لوعي الفرد والمجتمع يقول المشوح: المواكبة النصية قد لا تحقق بالتأكيد هي هناك ملامسة وقرب من الوعي الواجب لتلك الصالونات.. وأجزم أنه لا مشاحة في ذلك الأهم هو العمل والإنجاز وتقديم ما ينفع ويفيد المجتمع والحضور بكافة توجهاتهم وشرائحهم.. ولا شك أن آراء الأفراد قد تتباين وتختلف لكن يجمعهم الهدف الأسمى وهو خدمة المشهد الثقافي.. ومن الضروري أن نعلم أن أصحاب الصالونات الأدبية يقومون بدور تطوعي وليس ثمة عوائق كبرى تُذكر.. فالمؤسسة الرسمية والحمد لله تشجع هذه الصالونات وتراها جناحاً مهماً للعمل الثقافي والمثاقفة المجتمعية.. يبقى من المهم في نطري هو تفاعل المجتمع بكافة مستوياته مع أصوات الصالونات ومناشطها بشكل جيد إضافة إلى أهمية مشاركة الشباب في تلك الحوارات المفيدة والبناءة.. لا ينقص الصالونات الأدبية سوى التفاعل الأكبر مع قضايا المجتمع والأطياف الثقافية عموماً إضافة إلى تفاعل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية معها.. كما أن على تلك الصالونات أن لا تقع في منزلق النخبوية فتنكفئ على نفسها وذاتها، بل يجب أن تكون أبوابها مشرعة للجميع ينهلون ويستفيدون منها.
استبداد ثقافي
كما أكدت الشاعرة سميرة عبيد أن الصالونات الأدبية تسهم في الكشف عن الملسوعين بلوثة الأدب بعيداً عن المؤسسات التي لا تهتم سوى بالأسماء الأدب بعيداً عن المؤسسات التي لا تهتم سوى بالأسماء الأدب بعيدًا عن المؤسسات التي لا تهتم سوى بالأسماء التي حققت تراكماً نوعياً في الإنتاج وفي الإبداع، وأرى أنها تضخ دماء جديدة في الأندية الأدبية التي تظل رافداً مهماً للحركة الثقافية بالمملكة وتتفيأ هذه الصالونات تقريب الأدب من المواطن البسيط وتكسير المقولات الجاهزة التي ظلت لعقود تتردد في طبول الحوارات والمقالات بوصفها شأناً نخبوياً، لكن التحولات الأخيرة باتت تقتضي أن ندعم كل صوت يحمل قلمه ليكتب أحلامه المؤجلة التي يمكنها أن تنمو مع إدمان القراءة والاستفادة من خبرات ورشات في القراءة وفي الكتابة والتعريف بالرواد وبرموز الحركات الثقافية في الوطن العربي عن طريق تخصيص جوائز ولقاءات مباشرة مع كتّاب لا يجاملون بقدر ما يرمون تحقيق التواصل الجمالي والأدبي والذود عن القيم الإنسانية الرفيعة، ولا يجب أن نربط هذه الصالونات بالشلة أو بالجماعات أو نخبة من الأفراد، بل يجب أن تتأسس على وعي جمالي، ولِمَ لا تتأسس على وعي أجناسي يمكن أن يخدم الأدب والثقافة.. إن الصالونات الثقافية تمثل حاجة ضرورية لسد فراغ حاصل في تأطير عشاق الأدب الكثر الذين تطردهم المؤسسة من دائرتها.. وعن دور الصالونات في إثراء الصحافة الثقافية تقول عبيد أعتقد إن التكوين يمكن أن يشكّل مدخلاً لفهم طبيعة العمل الذي يمكن أن تترجمه هذه الصالونات الثقافية في التفكير في أنشطة يمكن أن يكون لها صدى في الصحافة، وبالتالي يمكن أن تدخل الصحافة أيضاً في هذه الصالونات بوصفها إبداعًا مرادفًا للأنشطة الأخرى، فالتقاط الصورة الفوتوغرافية والمسجلة وكتابة التقرير وتصميم الملصقات الإشهارية وإنجاز الحوارات.. إن من شأن اكتشاف هذه المواهب وصقلها وتكوينها التكوين اللازم عن طريق إقامة ورشات حقيقية تكشف عن مكامن الخلل في إبداعها وإقامة ندوات جادة أن يفتح شهية الصحافة لتواكب وتتابع وتتواصل مع هذا المفهوم الجديد للصالون بوصفه رافداً لتنمية رأس المال البشري، وبالتالي حماية الوطن من كل أشكال العنف والتطرف واليأس.
وتتساءل عبيد: من هو المثقف؟.. هل هو الذي يجلس في المكاتب المكيفة ويدير صفحة وجهه أنّى توجهت به ركائب الصورة؟.. أم هو الذي يحمل مشروعًا فكريًا يمكن أن يطور المجتمع ويدافع عن الحرية في التعبير والحق في الاختلاف والإبداع؟.. أعتقد أن المثقف يمارس الاستبداد في حق الثقافة، لأنه لا يزال يقيم في برجه العاجي، وينسى ويتناسى أن الزمن يحمل أسئلة جديدة وفق متطلبات جديدة، وأيضاً يحمل إحباطات كثيرة.. لذلك لم يعد الصمت أو البحث عن أماكن دافئة في الواجهات يخدم الثقافة والإبداع.. لا بد من التحلي بوعي جمالي مفارق حتى يتسنى لنا جميعاً خدمة أطفالنا وطفلاتنا الذين يتربون خلسة منا في ظل هذه الفورة الرقمية التي تهدد هوياتنا بالمحو إن لم تتحول إلى هويات قاتلة كما ينظر لذلك أمين معلوف، يمكن للصالونات أن تلعب هذا الدور إذا ما تحلى أصحابها بالشجاعة الأدبية، وبالتواضع وبالإصغاء إلى هذا الجيل المغترب بيننا، ويضيع مع فهمنا للجيد والرديء.. يمكن لهذا الأدب القبيح أن يصبح جميلاً إذا ما سقيناه بالرعاية والتكوين والمعرفة وإنسانية الإنسان.. عندما نشجع أحداً ليكتب فنحن نبني نرسم نغرس وردة قبل أن يفكر أحدهم في حرقها أو بترها.. الصالونات بحاجة ماسة إلى ثقافة الحب، وثقافة التواضع، وثقافة الاختلاف، وثقافة حب الوطن.. عندما نتعلم أن نطلق صالوناً من مالنا على أحد رموزنا الثقافية في الحياة أو الذين غادرونا في صمت، وأن نعرف الأجيال الجديدة على نبضاتهم، وأن تشجع وزارات الثقافة البرامج الجادة الحقيقية بعيداً عن منطق القرب منها أو البعد، عندما نعيد عقارب الشفافية إلى الثقافة نحمي الوطن ونقطف الحياة في أبهى صورها.. ينقص الصالونات ربما وجوه جديدة قوية وغير مكررة وصادقة.. المجاملات هي برعمة القتل التي شوهت كثيراً من التجارب، وغياب أفق وإستراتيجيات مستقبلية، وعدم الانفتاح على الكفاءات وتغييب السياسة الثقافية من داخلها.. ومع ذلك فالتواصل ضرورة ملحة وواسطة إنسانية.. في السعودية العديد من الصالونات الأدبية التي نتابع عطاءاتها ونتاجها.. أما في دولتي قطر فأشهرها الصالون الثقافي التابع لوزارة الثقافة بقطر وصالون نادي الجسرة الثقافي الذي يتناول فعاليات متنوعة باستمرار الصالونات الأدبية ثقافة إذا ما رعيناه بتمكينها من كل وسائل العمل بما فيه التكوين، ومدها بالخبرات اللازمة، سوف تكون رافداً مهماً لغرس بذرات في الثقافة العربية بيداً عن منطق المؤسسات، وقريباً من منطق الأدب والبحث عن دماء جديدة تواقة لعطر الوردة في حديقة الآداب والفنون.
التوثيق والإصدارات
فيما تؤكد الكاتبة والقاصة والمحررة الصحفية مسعدة اليامي - نجران قائلة:
أيضًا على أن الصالونات الثقافية تشكّل شرياناً مهماً من شرايين الثقافة رغم أن مدينة نجران لا يوجد بها مثل تلك الصالونات التي قرأت عنها وعن فوائدها التي تعود على المبدعين والمثقفين.. فإن ذلك بحاجة إلى أهم عملية تقوم بها اللجان التابعة للأندية الأدبية من إنشاء قاعدة بيانات صحيحة للمثقفين بشقيهم.. حتى يكون هناك صالونات ثقافية صحيحة تخدم التباين الثقافي، وأن يكون ذلك العمل قائماً على تأسيس الثقافة.. التي يُستفاد منها فعلياً.. فعلينا أن نهجر نهج ثقافة العبور كما يعرف بالدارجة سوي عمل و (مشي) حالك، وبالتأكيد في حال كانت الصالونات تُثرى بالبحوث، والقراءات والدارسات المختلفة في طرح شتى المواضيع.. التي تحتاج إليها صروح الثقافة، فإن ذلك العمل لا بد من أن يُوثق من خلال الإصدارات المطبوعة حتى تكون الفائدة الثقافية نهراً جارياً، وكوننا أصبحنا بيئة واحدة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي التي أسهمت، وبشكل كبير في إنجاز الأعمال في أوقات قياسية.. أصبح من الضروري أن يكون لكل جهة موقع خاص على النت، وذلك هو النهج المفروض أن تتبعهُ الصالونات الثقافية من أجل سد ثغرة البعد، وتوسيع ثقافة الصالونات في المجتمع السعودي حتى تكون عملية الإثراء سهلة الوصول، ولا يوجد عمل كامل ولكن من الأجمل أن تكون الصالونات الثقافية مثل: النحلة تمتص الطيب وتخرج الطيب، وإن وقعت على عود لم تكسرهُ.
مزج الثقافة بالأدب
أما سعد الغريببي فيقول: لا يرى للصالونات الأدبية علاقة بالصحافة إلا حين طرح موضوعات صحفية، فالصحافة لا تزال - مع الأسف - بعيدة عن المجتمع، ولم تعد كما كنا نعرف منذ القدم (مرآة المجتمع).. فالصحف بين أيدينا لا نرى فيها إلا أخبار الأندية الأدبية وما يدور فيها وحتى في هذا الجانب نرى الصحف تنحى منحى الناحية الخبرية أكثر من نقل ما يدور في الأروقة من حديث ونقاش.. مؤكدًا في الوقت نفسه على أن معظم الصالونات التي يعرفها لا نستطيع أن نعطيها صفة الصالون الأدبي، بل هي للصالون الثقافي أقرب كما هو الحال مع الأندية الأدبية، فليس كل ما يقدم فيها أدباً.. ولو كانت الصالونات أدبية بحتة فليس شرطاً ولا مطلوباً أن تكون الموضوعات تعبّر عن الواقع، لكن لأن معظم هذه الصالونات ثقافية اجتماعية أصبحنا نتطلع لأن تكون الموضوعات المطروحة نابعة من واقع المجتمع وحال الأمة.
الصالونات تمزج بين الثقافة والأدب والفكر.. وأتمنى أن تزداد هذه الصالونات وتتخصص بحيث نجد الصالون الأدبي والصالون الثقافي والصالون المهتم بالمجتمع وتنميته وكذلك الصالون العلمي.. كذلك أشير في الختام إلى تجربة وقفت عليها في المملكة المغربية وأتمنى وجودها لدينا، وهي أن المؤسسات الثقافية الحكومية تفتح صالاتها ومسارحها للصالونات والجمعيات الثقافية لتقيم أنشطتها ومهرجاناتها في مقراتها، وهذا يخفف العبء عن كاهل هذه المؤسسات الخاصة.
التكرار لا يجدي
أما الروائي عبد الله النصر فله رأي مختلف حول انتشارها إذ يصف بأنه من الملاحظ بأن الساحة الثقافية أصبحت في الآونة الأخيرة، مثقلة بالصالونات الأدبية، حتى بدأنا نرى أنه على مستوى قرية، فضلاً عن مدينة، ينشأ فيها أكثر من ثلاثة أو أربعة صوالين، وبنحو متشابه في تناول الموضوعات الثقافية وطريقتها، واستضافة الشخصيات نفسها بشكل متكرر، وتضاربها في زمن الوقت، وتكرار الأعضاء أيضاً فيما بينها.. والأمر المؤسف أيضاً أنها بين عشية وضحاها بعد إثارة تلك الزوبعات الإيجابية منها أو السلبية تموت فلا أثر لها، وهذا أمر حقيقة يقهقر عجلة الثقافة ويفقد المثقف الأمل أو الثقة فيها مما ينفره من أن يكون عضواً فاعلاً فيها.. لذا نهيب بأفراد هذا المجتمع الثقافي الواعي، بأن يمتنع عن هذا التكرار غير المجدي الذي أصبح ينظر إليه وكأنه غيرة لتجار محلات الحلاقة أو المطاعم أو الخضار، التي تتعدد في الشارع الواحد بالعشرات فلا تجد من يرتادها ويحقق لها مأمولها وأهدافها.. ويقول النصر: لا أعرف أي الصوالين أقوى، لكنني أرى أن أكثرها شهرة هي: في جدة (منتدى الشيخ عبد المقصود خوجة) وفي جازان صالون المتوكلي.. وفي القطيف منتدى حوار الحضارات وملتقى الثلاثاء الثقافي، وفي (منطقة الأحساء) منتدى الشيخ باقر بوخمسين الثقافي (وفي الدمام) (ملتقى ابن المقرب الأدبي).. ويؤكد النصر على أن معظم ما تتناوله تلك الصالونات من برامج وموضوعات تلامس الواقع، وإذا لم تلامسه من الناحية الثقافية والأدبية والفنية خصوصاً فتثري بعضها وتفعل بعضها، كما يحصل مع تشجيع الموهوبين في شتى الفنون، فإنها تثريها وتفعلها في مجمل موضوعاتها المختلفة التي تحصل أو تقوم بنحو ملموس ومحسوس، إذ أن مجمل الحضور فيها على الأغلب هم أبناء الوطن والبيئة والزمن الذي نشأت تلك الصالونات فيها، فهم لا يتحدثون في الأمور الثقافية فحسب، بل يتحدثون في مجمل الشئون العامة ويناقشونها، ويستدعون لها الشخصيات المناسبة لتعزيز الوحدة الوطنية واللُحمة بين أفراد الشعب وأطيافه ويقترحون لها البرامج والحلول، بل ويقومون بأنفسهم بالعمل على تنفيذها مباشرة، كما حصل على سبيل المثال، لدى ملتقى ابن المقرب الأدبي بالدمام، حيث فاعل أيما تفاعل مع حادثة الدالوة الأحسائية، وناقشها في حينها، ووضع الترتيبات اللازمة لإدارة تشييع الشهداء ورعاية المصابين ومواساة الأهالي، كذلك منتدى الثلاثاء بالقطيف الذي ساهم فيإحياء دور النقاشات والحوارات مع كبار الشخصيات السياسية والاجتماعية حول هذه الحادثة وغيرها من الحوادث والأزمات، وقدموا لها المقترحات والحلول بل وسعت شخوصها للمطالبة بها وتفعيلها جنباً إلى جنب مع الجهات المعنية.
رؤية وأهداف
فيما ترى سما اليوسف الكاتبة في صحيفة الشرق أن المنتديات الأدبية - المعروفة بصوالين الأدب الخاصة - ملتقيات الثقافة النخبوية التي تشارك (الأندية الأدبية) في الدور الأدبي الثقافي الذي يأتلف عقد الأدباء والمفكرين وأهل وشُداة الثقافة.. ولكي تؤدي هذه المنتديات الخاصة دورها - بوصفها ملتقيات ثقافية - فإنها يجدر أن تتطلع إلى بناء أهداف ورؤية ومنهج تنظيمي يوائم متطلبات العصر، وجذب روادها عبر برامج تطويرية تشبع رغباتهم وتطلعاتهم.. ولن يتحقق المأمول إلا إذا توافرت ووظفت خدمات التقنية الحديثة واعتمادها على إنشاء مواقع إلكترونية تستعرض فيها معطيات نشاط ومنجز الفكر والإبداع في المشهد المنبري كما تنشط لتوفير خدمة المشاركة الفورية..
وهنا يتاح لهذه (المنتديات الخاصة) أن تلحق بحراك (الأندية الأندية) الرسمية التي تمتلك الفرص المتهيئة لها. لقد شاركت هذه المنتديات - في منظومات البيئات والجماعات الثقافية المتهيئة - بأدوار قيِّمة جليلة في نشر الوعي المعرفي والفكري والإعلامي بما يدعو إلى أن تحظى بتواصل ودعم المجتمع الثقافي، وهذا ما شهدته في الواقع.
حميمية وإلفة
ويرى الشاعر والروائي حمد الرشيدي أن الصالونات الثقافية تتسم في كثير من الأحيان بالطابع الحميمي، وفي أجوائها ومناخها نوع من الألفة أو الخصوصية المألوفة، بعكس النادية الأدبية التي تغلب الرسمية والجدية على طابعها العام. وهذا ما جعل كثيراً من الناس يميلون إليها، ويحرصون على حضور أنشطتها، لاتسامها بهذا الجانب النفسي. وهذا يأتي من منطلق إيمان القائمين على مثل هذه الصالونات بأنها عبارة عن مؤسسات اجتماعية أو أهلية لها دورها الهام في بناء شخصية المجتمع، وتوسيع مدارك أفراده، وتنمية الوعي في نفوسهم، وأهميته في حياتهم.
دور الصحافة
من جانبها، وصفت إحدى صاحبات الصالونات الأدبية بالمنطقة الشرقية الأستاذة نازك الخنيزي سبب ازدياد ظهور الصالونات الأدبية في العصر الأندلسي, يعزى ذلك من مبدأ الحاجة الماسة إلى تلك الأمكنة بشكل هادف ومنظم عبر مساري المكان والزمان. اتسعت وازدهرت ظاهرة المنتديات الثقافية والأدبية في السنوات الأخيرة عند الفئة التي تحمل هموم المجتمع فبرزت مجموعة من الصالونات التي تسعى إلى تحريك الأفكار الراكدة بخلق حراك ثقافي واجتماعي في تلك المؤسسات من خلال المبادرات والتشجيع والتعاون المشترك, وكان هذا انعكاساً صحياً سليماً لواقع الحركة الأدبية في المجتمع, بإثراء الحركة الفكرية عبر استضافة أشخاص متمكنين في المجالات، بما يتناسب مع متطلبات المجتمع, ومد جسور التواصل الأدبية وتعزيز العلاقات الإنسانية وفتح نوافذ للحوار مع مختلف الأطياف لامتداد الروافد الثقافية النابضة بالرسالة المراد توجيهها والنهل من ينابيعها.
كما أشارت إلى أن دور الصحافة ليس مغيباً ولكنه ليس قوياً لأنه لا يخدم الأنشطة رغم وجود الكثير من الإعلاميين والصحف الورقية والإلكترونية في المنطقة،
قالت أحدهن ماذا أكتب الموضوعات مكررة لا أجد شيئاً جديداً؟
قلت لها ما اقتراحاتك...؟
وما الذي تعتقدين أنه مميز أو جديد!!
هذا يأتي من ابتعاد الكثير من الناس عما يدور في المجتمع.
وعن ملامسة المطروح بالصالونات للواقع قالت الخنيزي غالباً ما تناقش الموضوعات الملتقيات الموضوعات الثقافية، وتكرّس مبدأ الحوار الفكري والاجتماعي باستثناء الموضوعات المثيرة للجدل وتلبية الحاجات النفسية كتعميق الذات والثقة بالنفس الصالونات تجمع شتات المثقفين وتتيح لهم الفرصة للبوح والتعرف على موضوعات قد تغيب عن البعض تفاصيلها فتتلاقح الأفكار من النقاش الدائر والمداخلات في مناخ خصب للاستفادة من التجارب والخبرات المتنوعة.
وذكرت أن أهم العوائق التي تحول دون تسارع عجلة الصالونات, ضعف التواصل, طرق البحث عمّن يقدم المادة الأفضل والأنفع حيث لا يوجد منهجية مدروسة لتسهيل البحث, عدم رعاية وزارة الثقافة والإعلام لهذه المنتديات التي نطل ونتنفس منها, كما أن موضوع المادة يكون عائقاً عند البعض.
نحن في حاجة ماسة إلى الكثير من هذه الصالونات لنزيح حالة الجمود الفكري وغمامة الركود التي نعاني منها، فإحياء هذه الثقافة الجميلة عمل جليل وعظيم يُشاد به، وبوابة واسعة أتت في الوقت المناسب، آملين تصحيح المسار والارتقاء بأدب الحوار الذي يقوم على احترام الآخر, ليبزغ فجر جديد للحوار وآدابه والنقد الموضوعي بين المثقفين الذين هم طليعة الأمة في التنوير والإصلاح الاجتماعي والأخلاقي, ليتحرر المجتمع من بعض الشوائب والرواسب في الواقع الذي نعيشه, من واجبنا الترحيب بكل الصالونات الجديدة لأنها حتماً ستفتح أفقاً مختلفاً يستحق التشجيع لتعود الروح للحياة الأدبية والثقافية وتشع في المنطقة ومن ثم المناطق كلها.