عبدالوهاب التويجري
اللهم إنا نسألك «قولا موشحاً بالصواب، وحالا دائرة مع الحق «واعصمنا من الخطل، وأعذنا من قالة السوء..
اللهم عليك أتوكل، وبك أستعين.
لا أدري كيف أبدأ ! وفي القلب جمر لم ينطفئ،وحزن لم يتوقف..
إن شيخنا أبا سليمان الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين ليس ممن يرحل فيبُكى ثم يُنسى.. لقد أبقى آثاراً خالدة، وأعمالا عالية.. هذه القامة العلمية الكبيرة، والعَلم الشامخ الذي انقطع للعلم وأهله أزيد من أربعين سنة لا يمكن لي أن أختزل حياته في وريقات أو كراريس..
كروا الأحاديث عن ليلى إذا بعدت...
إن الأحاديث عن ليلى لتلهيني
إن الحديث عن شيخنا أبي سليمان حديث ذو شجون، وذو شعب، وهو حديث عن نفسي، والحديث عن الذات ثقيل..
عرفت شيخنا أبا سليمان بتحقيقاته العالية مذ قرأت تعليقة للعلامة أبي فهر محمود محمد شاكر في مقدمة كتابه المتنبي يشكر فيها تلميذه الدكتور عبدالرحمن العثيمين..ثم التمست تحقيقاته التي نشرها حسب جهدي وطاقتي.. قرأت لشيخنا قبل لقائي به فكنت أعجب من دقته، وسعة علمه، واستقصائه، واستدراكه على الكبار.. فأحببت لقاءه؛ فكان من قدر الله وتوفيقه لي أن رحل الشيخ من مكة إلى ملاعب صباه، وأول أرض مس جلده ترابها، أعني مدينة عنيزة..
اتصلت أسبابي بأسبابه بعد عودته من ألمانيا مستشفيا.. ولما رأته عيناي لأول مرة، عجبت من تواضعه، وهيئته ومكان جلوسه، وعفويته، وبساطته، فازدادت محبته في قلبي..لقد كان في تواضعه ينسيك أنه عالم..يحب أن تناديه بـ(أبوسليمان) يجيبك ويحدثك بالعامية حتى تظن أنه عامي، فإذا انطلق واستطرد عرفت أنك إمام عالم كبير؛ لكن ما به إلا البساطة والعفوية..
هو بصير باللغة وعلومها، والتراجم، والشعر، والقراءات، والمخطوطات، والكتب المطبوعة رديئها وجيدها.. يسأله أحدهم عن مخطوط أوكتاب؛ فيجيبه بما يبعث في السائل من غرابة.. فيطلب أبو سليمان من عامله أن يذهب به إلى المكتبة -مع ما يجده من نصب وتعب في التنقل بالكرسي المتحرك؛ ولكنها لذة المذاكرة- ويدخل متهللا وجهه فيضع الكتاب بين يدي السائل ويقول باللهجة العامية (هاااه - يمدها- وش تقول الحين!؟)
كان صبورا على هذا الشقاء، يلتذ به، ويسعى في خدمة العلم وأهله، وهوامشه في الكتب التي حققها شاهدة له. لقد كانت حياته بعجرها، وبجرها مشروعا للعلم وأهله.. قلب بصرك في تحقيقاته تراه يدلك على مخطوطة يتيمة، أو فائدة عالية ربما لا تجدها في كتاب مطبوع؛ نعم لم يكن ضنينا بالمعلومة الفاردة التي يغُمُّها بعض المحققين؛ ومع هذا كله فقد اقتات بعضهم من فوائده في الوصول إلى المخطوطات بوسائل متعددة ولم يذكروا فضله!
أفاد كثيراً من الباحثين والمحققين ومحضري الماجستير والدكتوراة.. بعضهم نشر فضله, وآخرون فيهم من لؤم النحائز أن نسبوا الفضل لأنفسهم.
وكأن أبا سليمان يقول:
زمان رأينا فيه كل العجائب
وأصبحت الأذناب فوق الذوائب
ذكرت له يوما أحد المحققين فرأيت في وجهه ما جعلني أشفق عليه.. قال لي: من تسأل عنه -ثم حلف بالله ثلاثاً- خدمته بمخطوطة نادرة وقفت عليها في إحدى مكتبات تركيا وكنت أريدها لأحد تلامذتي ليحققها في رسالة علمية؛ لكنه أصرّ إلا أن يحققها وكان ممن حضر الدكتور فلان وفلان -وسماهم- فقلت له لن أعطيك هذه المخطوطة لأنني وعدت بها تلميذي فلانا فقال لي: سأكلمه ليتنازل عن حقه فكلمه فأذن له فأعطيتها إياه فحققها ولم يذكرني بكلمة شكر في المقدمة!! قلت: وقد رأيت شيخنا تأثر كثيرا حين ذكر لنا هذا النكران؛ ثم قال لنا: ومثل هذا الموقف كثير! قلت: وقد طالعت المقدمة التي كتبها المحقق فلم أقرأ فيها كلمة شكر لشيخنا والله المستعان.
إذا كان الطباع طباع سوء
فليس بنافع أدب الأديب
ومع هذا لم يمنع شيخنا هذا الجحود أن يغم أخبار نوادر المخطوطات وأماكن وجودها..فتجد في تضاعيف كتبه التي نشرها فوائد عن وجود مخطوطة يتيمة في المكتبة السليمانية، ومخطوطة كذا بخط مؤلفها.
قال العلامة الطناحي مثنيا عليه: «والدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين يسارع لتلبية حاجاتي من مكتبته الغنية... ثم إن لعبدالرحمن فضلا علي آخر هو أجل عندي من كل شيء سواه هو ما يذاكرني به من نوادر ما يقع عليه من مخطوطات، ومن غوامض ما يقرأه من مطبوعات، فيردني إلى أيام هي أزكى الأيام وأطيبها , تلك أيامي في معهد المخطوطات بالقاهرة..»
آخر مقدمة كتاب الشعر لأبي علي الفارسي119 ص.
أرأيت هذا الثناء من عالم خبر الكبار وعرفهم جعل أيامه في مكة حين يذاكره أبو سليمان عبدالرحمن العثيمين كأيامه مع كبار المحققين في معهد المخطوطات...وكان ثناء الطناحي للعثيمين قبل ثلاثين سنة تقريبا، ولا يعرف الكبار إلا الكبار، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولقد رأيت شيخنا يعير بعض محبيه كتبا من ذوات الأجزاء وهذا يندر فعله.
ولما طبع قطعة من كتاب «تاريخ إربل» لابن المستوفي ؛أرسل محققه العلامة بشار عواد نسخة إلى شيخنا ممهورة بتوقيعه وأخبرني شيخنا بهذا الإهداء وقال في تواضع: «الدكتور بشار يبالغ» وهذا نصها: تقدمة الود والتقدير إلى شيخنا، وأستاذنا، علامة الديار السعودية الشيخ الدكتور أبي سليمان العثيمين حفظه الله تعالى ونفعنا الله بعلمه.
من محبكم: بشار عواد معروف 11-5-1435هـ
وحسبك هذا الإطراء؛ ولا يعرف الفضل إلا أهله.
وكأن العلامة بشار عواد ينشد:
مدحتُك بالحق الذي أنت أهلُه
ومِِن مدح الأقوامِ حقّ وباطلُ
لم يكن يستشرف الدنيا والجاه بتحقيقاته؛ لقد عاش في الظل، وتوارى عن الأضواء؛ ولولا تأثير أولاده وأصدقائه في جدوى الخروج في قناة دليل والمجد وأهميتها التاريخية، والأدبية، لخسرت الأوساط العلمية والأدبية الشخصية الأخرى للعثيمين؛ أعني بها البساطة. لقد كانت الصورة الذهنية عن العثيمين عند كثير من المثقفين وطلاب العلم خلاف ما شاهدوه! لقد جلّى اللقاء المتلفز الصورة الحقيقية للعثيمين وهي البساطة والتواضع.. فدهش الكثير.فأنا هنا أشكر قناة دليل وقناة المجد.
من تواضعه العلمي:
قوله في تضاعيف هوامش تحقيقاته حينما يستدرك، أو يفيد، أو يعقب: يقول الفقير إلى الله تعالى عبدالرحمن بن سليمان العثيمين عفا الله عنه؛ أو أقول وعلى الله أعتمد. وهذه لازمة كثيرا ما يردها. وحين يستطرد ويذكر كتابا نشرته جامعة أم القرى وكان له شرف التقدمة له؛ يقول في تواضع وأدب: وقدم له الفقير إلى الله (يعني نفسه).. وأحيانا يقول: وكنت أظن أن هذه النسخة الخطية لفلان ثم تبين لي أنها ليست له. تواضع واعتراف بهذا الضعف البشري؛ على أني حضرت له مجالس لا تعد فكان يفيد، ويجيب، ويستطرد أحيانا كأنه قرأ المعلومات للتو.. آتاه الله علما وفهما، وذاكرة تسعفه؛ يزوره كثير.. بعضهم مهتم بالمخطوطات فيسألونه فيجيب، وربما أسهب في الحديث إذا كان رائقا له المجلس؛ فيذكر من نوادر المخطوطات بأسمائها، وأماكن وجودها ما يذهلك..
زاره صديقنا الدكتور أبوالحسن إياد أحمد الغوج وكان الحديث تلك الليلة ماتعا، وكانت زورته هذه الأولى في شهر ربيع الثاني من عام 1434هـ فشرقا وغربا في عالم الكتب والمخطوطات..ثم شكر الدكتورُ إياد الغوج شيخَنا العثيمين لدلالته وتعريفه بمعجم شيوخ التقى السبكي والمعروفة باسم «التراجم الجليلة».. وتعريفه بها في السحب الوابلة؛ حيث ذكر شيخنا في السحب الوابلة: أنّ من أنفس ما رأى في مكتبة آمد بماردين من ديار بكر جنوب تركيا معجم شيوخ التقى السبكي.. لكنه لم يظفر بصورة منها.ثم ذكر الدكتور إياد لشيخنا أنه يعمل على تحقيقه ففرح الشيخ وطلب منه صورة للمخطوط فلبى الدكتور إياد وأنجز ما وعد؛ ولما وصلت صورة المخطوط إلى شيخنا اتصل بالدكتور إياد شاكرا، واتصل بي يخبرني أنها بين يديه الآن وكان جذلان فرحا بالظفر بها؛ ثم اتصل بي بعد يوم يخبرني أنه قرأ ربع المخطوط. أي جلد هذا وصحته لا تساعده! إنها لذة العلم.
هذا الجلد والثراء المعرفي الذي يذكرنا بالأوائل ليس بغريب على أبي سليمان الذي أتهم وأنجد، وأبحر وأنهر في مطالعة التراث, وبصَر طرائق المتقدمين, وخبر تآليفهم وماز بين قدراتهم.
إذا نحن أثنينا عليك بصالح
فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
سعة علمه:
أكاد أجزم أن شيخنا أبا سليمان جمع ثلاثة علوم يندر اجتماعها إلا عند الكبار:
1- تخصص في علوم اللغة: لغة، ونحوا، وصرفا، وشعراً. إذ كان النحو تخصصه.
2- سعة علمه بالتراجم: ولعل هذا الفن غلب عليه، مع تخصصه في النحو. ومعرفته بالأعلام ووفياتهم فحديث ذو شجون.. والرجل آية في معرفة وفياتهم وأخبارهم؛ يذكرني بالعلامة العراقي مصطفى جواد فكان مع سعة علمه باللغة، والبصر بجذورها، وتراكيبها، ومدلولاتها؛ إلا أنه بصير بالأعلام ووفياتهم ما يذهل القارئ.
3- سعة معرفته بأحوال المخطوطات: فهو ليس مفهرسا وإنما يدري في غالب أمره عن أماكن وجودها؛ وعن مادتها.. وإنك واجد له في بعض تعليقاته ما يحيلك إلى مخطوط في المكتبة الفلانية؛ ثم يذكر أنه يكتب من ذاكرته ويعتذر أن دفاتره ليست في متناول يده. والشواهد على هذا كثيرة.
عنده من الفطنة، والحفظ، والذكاء، واللقانة ما يذهلك..
ومع كل هذا: فأبو سليمان باخع نفسه، عاش للعلم وأهله، يحب المذاكرة حتى وهو في مرض موته!
غيرته على التراث:
كان شيخنا غيورا على التراث، شديدا على المتسرعين في التحقيق، والمتسامحين في عدم جمع النسخ، واعتماد طبعة قديمة، أو نسخة مخرومة مع وجود نسخة أكمل منها.. ولقد انتقد أحمد بن عبدالغفور عطار محقق كتاب «ليس في كلام العرب» لابن خالويه، وانتقد محقق كتاب «الحجة في القراءات السبع» عبدالعال سالم مكرم وهذا الكتاب ينسب لابن خالويه وليس له ثم أبان شيخنا بالتحري مؤلف الكتاب، وهذان الانتقادان في مقدمة تحقيقه لكتاب «إعراب القراءات السبع وعللها» لابن خالويه.
- انتقد في مقدمة تحقيقه لكتاب «التبيين في مذاهب النحويين» كتاب «المحصل في شرح المفصل» وأن هذا الكتاب لا يصح نسبته لأبي البقاء العُكبري وإنما هو بعد التحري والمقارنة تبين أنه لعلم الدين اللورقي الأندلسي (ت661هـ) ثم طلب من القائمين على دار الكتب المصرية، ومعهد المخطوطات العربية تصحيح نسبته إلى اللورقي..ثم ذكر شيخنا في المقدمة أن لأبي البقاء العكبري شرح للمفصل لكنه مفقود.
- هذا ولشيخنا تعقيبات واستدراكات كثيرة ستجمع بإذن الله وفيها فوائد، وفرائد، وقد تعقب واستدرك على بعض المحققين كالدكتور بشار عواد، والمحققين العراقيين هلال ناجي والدكتور نوري حمُّودي القيسي وغيرهم مما يطول ذكرهم.
- وإني ذاكر ما لقفته منه في مجالسه عليه شآبيب الرحمة والغفران..لكنني أحاذر أن يكون الحديث عن هذه المجالس مطية للحديث عن نفسي..هذا وقد كنت أعتمد على الحافظة فأصبحت لافظة كما يقول أستاذنا الكبير الموسوعي الشيخ عبدالله الهدلق أمتعنا الله به، وبعوائده؛ ولما جئت هنا أكتب ما شففته من شيخنا رحمه الله نسيت كثيره وبقي قليله؛ فما أكتبه هنا أذكر منه ولا أذكره، وعلي تبعته فإن الذاكرة خوانة.
- قال لي شيخنا أبو سليمان: كنت مرة في بيت العلامة أبي فهر محمود محمد شاكر وكان الطناحي ثالث ثلاثة فاختلفتُ أنا والطناحي بوفاة عبد المؤمن بن خلف الدمياطي؛ فالطناحي يرى أن وفاته (710هـ) وأنا أقول: إن وفاته (705هـ) قائلا: لا تزيد ولا تنقص.. ثم قام الطناحي مستنجدا بكتاب الأعلام للزركلي فوجد أن الحق معي فوقف وقال: (واحد واحد) أي أن الحق معي. - قلت: وعرف عن الطناحي رحمه الله خفة روحه وحبه للملح- قال أبو سليمان: كنت خالفته في معلومة ذكرها قبل مدة فكان الحق معه. قلت: وقد نسيت أن أسأله عنها. وأنا أذكر هذه الحادثة للفائدة لا غضا من علم الطناحي؛ فالطناحي جبل في العلم. والطناحي هو الطناحي؛ وإن رغمت أنوف.رحم الله الطناحي وأبا سليمان ومن نحب.
- سألت شيخنا عن «سُكُرْدان الأخبار» لابن طولون الصالحي الحنفي -وهو أشبه بالكناش وكان ابن حميد ينقل منه كثيراً- هل وقفت عليه؟: فقال: لا؛ ولازلت أقول ربما هو الكناش الموجود في مكتبة الإسكوريال في مدريد... وشيخنا حاول أن يحصل على مصورته لكنه لم يظفر بذلك.
- سألت شيخنا عن معجم شيوخ والد ابن رجب أعني به: أحمد بن رجب والد الحافظ عبدالرحمن بن رجب - ما خبره؟ فقال: وقفت على نسخة مختصرة من معجمه وأرجح أنها للحافظ ابن قاضي شهبة لأن تاريخه مشابه له.. وسمعته مرة يجزم أنها لابن قاضي شهبة. وقد سألته عن تحقيقه. فقال : حققته وهو جاهز للنشر.. ثم قال: وليس للحافظ عبدالرحمن بن أحمد بن رجب صاحب الذيل مشيخة.
- سمعت شيخنا غير مرة يثني على كتاب «غاية الوسائل إلى معرفة الأوائل» لابن باطيش الموصلي (ت 655) ويذكر شيخنا أنه أوعب كتاب في بابه..حتى إنني سمعته مرة يقول باللهجة العامية: (به كتاب في الأوائل زين بااالحيل) ثم ذكر هذا الكتاب ؛ وشيخنا عنده نسخة بخط مؤلفه، والكتاب لم يطبع.
- سألت شيخنا عن معجم السَّفر للحافظ السِّلفي -والسفر بفتح السين وهو الارتحال - فقال له معجمان: معجم السَّفر، وهو أيضا معجم الشعر، -فهما مسميان لكتاب واحد- وأفضل نشراته الطبعة الباكستانية ؛وله المشيخة البغدادية الكبيرة موجودة مخطوطاتها في الإسكوريال.
ثم أنشد شيخنا شعرا للسِّلفي:
أنا من أهل الحديث وهم خير فئة
جُزْتُ تسعين وأَرْ جُو أن أجوزنَّ المِئة
قال شيخنا: وقد جاز المئة.أي تجاوز عمره مئة سنة.
- سمعت شيخنا يثني على كتاب رموز الكنوز للرسعني الحنبلي يقول: فيه علم كثير.
- رأيت شيخنا يثني على عبدالله السَّعد في اهتمامه بالتاريخ وهو من أهل الوشم؛ وهو غير الشيخ عبدالله السَّعد المحدث. فسألت شيخنا عنه. فقال لي: له اهتمام بالتاريخ المعاصر ومن رواته وهو إخباري.. ثم قال: ومات وليس له أثر مسطور. قلت: ومن أسفٍ أن كثيرا من الإخباريين المعاصرين الذين ذاقوا مرارة الحياة، وشظف العيش، وتقلبوا في البلاد، وعاصروا الوقائع الحربية، وربما شاركوا فيها؛ رحلوا ورحل معهم تاريخ لم يكتب.
- سألت شيخنا عن تغيير أسماء الأماكن القديمة فقال: لا ينبغي ثم ذكر شواهد على ذلك في التراث العربي القديم والحديث بقيت لم تغير..ثم قال: ومن الأخطاء تغيير أسماء الأماكن،والمعالم عندنا في البلاد ثم ذكر أمثلة.. نعرض عن ذكرها.
- سمعت شيخنا حين سئل عن مناوئي الدعوة الإصلاحية التي قام بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب وبعض المسائل الشائكة... فقال: اطلعت على نسخة خطية في إحدى المكتبات الأمريكية للكمال الغزي فيها تراجم لعلماء نجد كان طلبها من الشيخ محمد بن فيروز (1216هـ) فبعث بها إليه وهذه التراجم تخص علماء نجد وطلبة العلم فيها.. وقد أساء ابن فيروز في ترجمة بعضهم، ووصفهم بما لا يليق... ثم قال: وهذه النسخة في بعضها طمس.. قلت: وهذه معلومة عالية من شيخنا ذكرتها هنا، وقيدتها حال كتابة هذه السطور في نسختي «السحب الوابلة... عند ترجمة ابن فيروز حتى لا تثأها يد الغفلات. ولا أذكر أن شيخنا ذكر حينها كتاب الكمال الغزي «النعت الأكمل.. الذي ترجم فيه لعلماء المذهب الحنبلي؛ ومنهم علماء نجد الذين استمدهم من ابن فيروز. فهل هذه النسخة هي مؤلف مستقل أم قطعة من النعت؟ لست أدري.
- سألت الشيخ هل شارككم الشيخ بكر أبو زيد في تحقيق كتاب «السحب الوابلة... قال: لا؛ ولكن قرأه فقط وكان الشيخ ابن باز رغب أن يكون مشاركاً في العمل فحققت النص وعلقت عليه.
قلت: وقد ذكر هذا الشيخ بكر في مقدم السحب وذكر أنه علق على مواضع قليلة تمس العقيدة.
- سألت شيخنا عن معجم الذهبي المعروف «معجم الشيوخ» بتحقيق الدكتور محمد الحبيب الهيلة فقال: الذي حققه الهيلة في مجلدين هذا عليه سماع فقط، وأما الذي لم يطلع عليه ففيه سماع وإجازات وهو أكبر وهو الذي ينقل عنه ابن حميد في السحب الوابلة.
- سمعت شيخنا غير مرة في مجلسه رحمه الله يقول: إن الشيخ صالح العثيمين صاحب كتاب «تسهيل السابلة...» ينسب أقوالاً في التسهيل إلى مصادر ليست موجودة فيها، وقد علق شيخنا على نسخته من كتاب «تسهيل السابلة واستدرك ونبه.. ورأيت هذا الكتاب في غرفته الخاصة عند رأسه وكذا كتاب الطريقي الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرنا.
- سألت شيخنا في ضبط : سلك الدرر.. للمرادي وقلت له: إن بعض الفضلاء يذكر أن ضبط اسمه سَلْكُ الدرر.. بفتح السين لا بكسرها؛ أي نظم الدرر.. فقال من هو؟ قلت: الشيخ عبد الله الهدلق كان يحضر مجالس الشيخ حمد الجاسر فقال: معروف، ثم قال: لا هو بالكسر. فراجعته؛ ثم سكت قليلاً. فقال: هو بالكسر وهو السلك الذي ينظم فيه... أقول: والأمر واسع..
- سمعت شيخنا يثني على المحقق حسن كامل الصيرفي.. ثم ذكر أنه زاره في بيته وكان بدينا يكلفه القيام، وكانت عنده مكتبة ضخمة.. ثم قال: وتحقيقاته للدواوين جيدة جدا. قلت: وقرأت لشيخنا في هامش تحقيقه لكتاب الاقتضاب يثني على الصيرفي.
- سمعت شيخنا يثني كثيراً على العلامة حمد الجاسر، وكان الجاسر يجله ويدنيه.. قلت: وقد أثنى شيخنا أبو سليمان في تضاعيف هوامش تحقيقاته على الشيخ حمد الجاسر وذكر فضوله عليه وعلى غيره.. ويعده من شيوخه.
- سألت شيخنا عن عِلْمِيّة العلامة المغمور أحمد بن الشيخ محمد المانع. فقال: هو علامة.. لطيف المعشر؛ ليس له أثر علمي مكتوب. قلت: وكثير ما هم!
- سمعت شيخنا يثني كثيراً على الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة والدكتور محمد بن شريفة.. ومرة جرى ذكر أمثال العوام وانتشارها على ألسنتهم..
فقلت لشيخنا، كتَبَ د/عبد العزيز الأهواني بحثاً عن أمثال العوام في الأندلس وكان ضمن الدراسات التي أهديت لطه حسين..
فقال الشيخ: يوجد كتاب في أمثال العوام في الأندلس حققه الدكتور ابن شريفة وأهداني نسخة منه مهرها بتوقيعه.. فتعجبت لاتفاق العنوانين.. ولما رأى حرصي على مطالعة الكتاب جاءني بالجزء الثاني وقلبته فإذا بعض الأمثال كما هي اليوم سواء بسواء من حيث المعنى... حتى بعض الألفاظ!
ثم طالعت الجزء الأول من الكتاب نفسه «أمثال العوام في الأندلس» للزجالي القرطبي (ت 694هـ) فعرفت أن الكتاب رسالة دكتوراه تقدم بها محمد بن شريفة وأشرف عليها الدكتور عبد العزيز الأهواني. وابن شريفة أول مغربي يتقدم برسالة الدكتوراه عام 1969م. وكتاب الأمثال هذا يعد الآن من نوادر الكتب المطبوعة؛ وهو من مفاخر المكتبة العربية؛ وقد استخرجه المحقق من كتاب الزجالي القرطبي - المذكور آنفا والكتاب الأصل هو»ري الأوام، ومرعى السوام، في نكت الخواص والعوام» ولا أعلم أنه طبع.
- سألته عن المقصد الأرشد لابن مفلح لعلكم تعيدون نشره فقال لي: عثر على نسخة بخط مؤلفه، فقلت: هل أعدت فيه النظر؟ فقال: الأعمال كثيرة والحال كما ترى..
- ذكر لنا شيخنا أن عنده من الوافي بالوفيات تسعة أجزاء بخط مؤلفها الصفدي وهي ناقصة وفيها عند بعض التراجم رمز (ع) وأحياناً رمز (أ) يقول شيخنا: فأشكلت علي فسألت محمود شاكر فلم يهتد إلى معرفتها، وسألت أحمد راتب النفاخ فلم يدر معناها، وسألت السيد أحمد صقر فلم يعرفها، وسألت شاكر الفحام وإحسان عباس، وحمد الجاسر، كلهم حاروا في الاهتداء إلى معرفة هاذين الرمزين.. ثم أنعمت النظر فيها، وأدمت فكري وعقلي.. يقول بالعامية (شغلت مخي) حتى فتح الله علي واهتديت إلى معرفتها وهو أنني قارنت بين المترجم له الذي وضع بجانب ترجمته رمز (ع) أو رمز (أ) في كتابين من كتب الصفدي وهما «نَكْتُ الهميان في نُكَت العميان» وكتابه الآخر «الشعور بالعور» فوجدت رمز (ع) يعني أعمى حين قارنت الترجمة بكتابه «نكت الهميان...» ورمز (أ) يعني أعور حين قارنته بكتابه «الشعور بالعور» ولا أعرف أحدا نبّه إلى هذا أو سبقني إلى معرفته؛ ويدل أيضا على أن كتاب الوافي بدأه قبل هذين الكتابين. قلت: وهذه فاردة، ونادرة، ينبغي لطالب العلم أن يقيدها في نسخته من الوافي بالوفيات.
- قال لنا شيخنا مرة: ذكرت لأبي فهر محمود محمد شاكر أن عندي صورة من كتاب الصناعتين بخط مؤلفه أبي هلال العسكري؛ فقال أبو فهر: كذاب (قالها مستنكراً مستغرباً) فلما رجعت إلى مكة بعثت بصورة إليه ففرح بها وجاءني الطناحي شاكرا كما أوصاه محمود شاكر.. وتتمة القصة ذكرها الدكتور الفريح كما سمعناها من شيخنا. وقد راجعني أحد الفضلاء عن هذه المعلومة؛ فسألت شيخنا مرة أخرى قال: نعم هي بخط أبي هلال العسكري.
- قال لي مرة حين ذكر أحد المحققين ممن يُجِله سأذكر لك قصة بيني وبين فلان لكن لا تذكر اسمه لأحد... سمعته مرة يلمز ابن باز في علمه ويقول: «هذا أعمى لا يعرف كذا وكذا..» يقول شيخنا: فغضبت، وخرجت من المجلس وقلت: ابن باز عالم وإن رغمت أنوف... ثم اتصل بي هذا الرجل بعد يوم أو يومين واعتذر مني وعاد ما بيننا من وداد. رحم الله أبا سليمان على غيرته.
- حدثنا شيخنا أبو سليمان: أنه عثر على مخطوط لابن الأثير، وبعد مدة أقامت دولة العراق مهرجانا في جامعة الموصل، فدعي إليه فتأخر الجواب من الدولة ثم أذنت له الدولة قبل بدءِ المهرجان بيوم.. فسافر إلى بغداد في يوم المهرجان واستقبل في المطار وانطلقت به السيارة نحو الموصل وكان الطريق بين بغداد والموصل 600كم فدخل المهرجان آخر النهار فجلس في مقعده المخصص وبجانبه رجل كبير في السن فالتفت إليه أبو سليمان وقال: لمن يصفق الجمهور؟ فقال الرجل: يصفقون للدكتور عبدالرحمن العثيمين لأنه عثر على مخطوط البديع لابن الأثير (مو مثلك جالس عند حرمته) يقولها باللهجة العراقية-.
قال أبو سليمان ولم يعلم أني صاحبه فسألته عن العثيمين هذا أن يعمل؟ فقال: في إحدى الجامعات السعودية أو قال في جامعة أم القرى-!! فأخرجت له بطاقتي فذهل واعتذر! ثم عرفت أنه عبدالحميد العلوجي صاحب مجلة المورد فاجتمعنا بعد المهرجان مع بعض صحبه وقص علينا بعض طرائفه مما يطوى ولا يروى. ثم قال أبو سليمان: ولقد اجتمعت بالعلوجي مرارا وهو شيعي معتدل يهمه الأدب واللغة.
- سألته عن مذكراته التي يذكرها أحيانا في تحقيقاته فقال: هي في أربعة عشر دفترا كتبت فيها ما شاهدته من نوادر المخطوطات، وما أريد الرجوع إليه، واصفا حالها.. ولم أعنونها حتى الآن وأرجو أن أنشرها... قلت: وقد رأيت مذكرات شيخنا في دفاتر ذات شريط، ومقاس الورق أكبر من المتوسط والدفتر في مئة وخمسين ورقة تقريبا، وكان يعتمد قلم الرصاص في كتابتها.. وهذه المذكرات أشبه ما تكون بمذكرات العلامة الميمني التي ينقل منها الزركلي.. وشيخنا في مذكراته كان يقيد ما يراه من سماعات وإجازات على المخطوط وسنة كتابته وناسخه.. وعند شيخنا مادة صوتية كان يلجأ إليها إذا لم يتيسر له التصوير فيطلب ما يستطيعه من المخطوطات ثم يبدأ يسجل صوته قائلاً: هذا مخطوط كذا وكذا أوله كذا.. ويصف المخطوط حسب طاقته ثم يفرغ هذه المادة الصوتي. ولست أدري هل فرغ المادة الصوتية كاملة أم لا؟ وأرجو أن تكون هذه المذكرات والمادة الصوتية مما يرتب وينشر قريبا وهذا أقل واجب يقوم به محبو الشيخ.
- سألته عن معنى قول بعض المترجِمين لبعض العلماء: «وتكسب بالشهادة». فقال لي: هو منصب يجعلونه للرجل يحضر مع الخصوم عند القاضي حتى إذا قال القاضي شيئا فإن هذا الرجل مهمته يشهد بما قاله القاضي وبما يقوله الخصوم؛ وفي هذا العمل زيادة توثيق لكلام الجميع؛ وأما الآن فلا وجود له.
- سمعته غير مرة ينقد كتاب «معجم المؤلفين» لعمر رضا كحالة ويقول: ينبغي ألا يعول عليه الباحث ففيه أوهام. وأظنه قال: وكتاب هدية العارفين.
- قرأ أحد أصدقائنا من طلاب الشيخ على شيخنا في كتاب السحب أو الذيل على الطبقات -الشك مني-: فلان بن فلان العمرَوِي. فقرأها بالواو؛ فقال له الشيخ: هذه الواو تكتب ولا تنطق وهي نسبة إلى من اسمه عَمْرو فتقول عند نطقها: العَمْرِي؛ هكذا تنطق وأما رسمها الإملائي فتكتب الواو «العمروي» للتفرقة حتى لا يظن أنها عمر. قلت: والنسبة لعمر:عُمَرِي.. وما زلت أسمع كثيرا من الناس حتى الجامعيين من ينطق «عمرو» بالواو وهذه من الأخطاء.
- رأيت شيخنا أبا سليمان يحتفي بالدكتور سليمان بن وائل التويجري لما زاره.. ثم رأيته حين يذكره يطريه ويجله، ويذكره بالخير.. فسألت شيخنا عن سبب هذا الإجلال والاحتفاء بالدكتور سليمان؟ فقال: أما رأيته يقبل رأسي وهو أفضل مني، وأنا لا أستحق! هذا صديق، وجار، وزميل عمل، وبيني وبينه رفقة طويلة، ما رأيت منه ما ساءني.. ألا يستحق أن نذكره بالخير!؟. قلت: وقد قرأت لشيخنا في السحب الوابلة والذيل على الطبقات -إن لم أهم- فإذا جاء ذكر سليمان بن وائل التويجري قال: هو صديقنا، وهو ممن نحبه في الله.
- سمعته غير مرة يقول: عندي نسخة خطية في غريب الحديث لمؤلف أندلسي مجهول من أهل القرن السابع.. يقول باللهجة العامية: (زينة باااالحيل) وهي أوعب من غريب الحديث لابن الأثير وفيها نوادر، وفرائد لا توجد في غيره، لكن يعيبها أنها ناقصة.. قلت: وشيخنا رحمه الله نقل منها في تحقيقه لكتب غريب حديث الموطأ وهي: كتاب ابن حبيب السلمي «تفسير غريب الموطأ» وكتاب الوقَّشي «التعليق على الموطأ» وكتاب «الاقتضاب» لليَفُرَني. ونقل منه صفحة كاملة نثرها في هامش تفسير غريب الموطأ.
- كان شيخنا حفيا بقصيدة ابن الخشاب البغدادي اللغوي المحدث (ت 567هـ) التي أورد جزءً منها في هامش ترجمة ابن الخشاب في الذيل على الطبقات 2 - 256 وهي المسماة بـ»القصيدة البديعة الجامعة لأشتات الفضائل» وهي في الألغاز وعويص الفنون؛ وقد وجّهها ابن الخشاب إلى عبدالرحمن بن الأنباري فيما يرجحه شيخنا، وسماه عبد الرحيم للتعمية، وكان بينهما نفرة، وإحنة؛ ومطلعها في النسيب كعادة الشعراء الأوائل:
سلا صاحبيّ الجزع من أيمن الحمى..
عن الظبيات الخرّد البيض كالدمى
وعوجا على أهل الخيام بحاجر..
ورامة من أرض العراق فسلما
ثم يقول بعد أبيات النسيب ويوجه ألغازه إلى عبد الرحيم الأنباري:
فإن كنت ممن يدعي عربية
وتحقر في النحو الامام المقدما
فما لفظة إن أعربت أصبحت لقاً.. يُعاق بها المرء البليغ التكلما
ثم يأتي على أكثر الفنون ويسأله مُلغزا في كل فن..ويحسن مطالعتها في طبقات الشافعية للسبكي تحقيق الحلو والطناحي رحمهما الله. 116/9
وكنت قرأتها مرتين على شيخنا وهو يطرب لها كثيرا، ويحدث بها بعض زواره؛ حتى إن شيخنا يتفاعل بعفويته ويقول (أحد يقول مثل ها الشعر..) ويقصد به مطلع القصيدة ثم لا يزال متفاعلاً فإذا أنهيت القصيدة من كتاب الذيل وهي ليست كاملة قال لنا الشيخ: شيخ الإسلام ابن تيمية اطلع عليها ولم يحل عويصها لأن ابن تيمية كما يقول: تحتاج إلى فراغ للإجابة عنها. تراجع لأهميتها.
- كان شيخنا أحب أعماله إليه من كتب التراجم كتاب ابن رجب «الذيل على طبقات الحنابلة» وهذا الكتاب كثيرا ما يكون قريبا منه؛ ولا أذكر أنني رأيت في مجلسه كتاب «طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى» على كثرة زيارتي له.. وأكثر الكتب التي قريبة منه وربما قرأنا منها حسب ما رأيته هي:
- الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب.
- أنساب الرشاطي.
- إثبات المحصل في نسبة أبيات المفصل للإربلي.
- نظم الجمان في تراجم أصحاب امامنا النعمان لابن دقماق المصري الحنفي.
وكان شيخنا يقول مازحا بعفويته (قضيت من أصحابكم الحنابلة نبي نحقق هالمخطوط) وطلب من أحدنا أن يقرأ عليه آخر هذا المخطوط وفيه بيتان قالهما ابن المبارك يمدح بهما أبا حنيفة رحمه الله وهما:
رأيت أبا حنيفة كل يوم..
يزيد نبالة ويزيد خُبرا
وينطق بالصواب ويصطفيه..
إذا ما قال أهل الهَجر هُجرا
فسألنا شيخنا عن معنى كلمتيْ «الهجر» في عجز البيت الأخير..؟
فشرقنا وغربنا ثم قال: الهجر الأولى هو الهجر المعروف، والأخرى هو الهذيان.
- قلت لشيخنا: في المشيخات ومعاجم الشيوخ والبرامج ترجمات فاتت كثيرا من المؤلفين في التراجم لذا رأيتك تهتم بها كثيرا ورأيت أثره في مستدركك على الذيل والسحب وغيرهما.. قال لي: هذا صحيح.. فالعالم يصنع معجما لشيوخه وهؤلاء الشيوخ في كثيرٍ من المذاهب الأربعة.. لذا استفدت من هذه المعاجم.
أقول: ولعل من طالع الذيل على طبقات الحنابلة يرى أن من استدكهم شيخنا بعضهم إن لم يكن أكثرهم من معاجم الشيوخ؛ وأكثرها نسخ خطية.
- سمعت الشيخ يقول: معجم البلدان فيه إشارة لبعض الأعلام تغيب عن بعض المهتمين والمحققين.. والتراجم ليست من مظانه.
- ذكر شيخنا في مجلسه ما أُلِّف في الخمر.. ثم قال: أحصيت خمسة وأربعين كتابا صنف فيها.. ثم قال ومنها كتاب مطبوع اسمه «قطب السرور في أوصاف الخمور» حققه أحمد الجندي. ثم أثنى على عمله.
قلت: نذكر مثل هذا من باب المثاقفة وما أفدناه من شيخنا..
- سمعت شيخنا يقول: نسب أبو علي الفارسي وابن جني أبياتا أنشدها الفراء وراوي هذه الأبيات هو أبو زيد في نوادره؛ ولو خطرت ببالهما لم يعدلا عنه إلى الفراء لغرامهما في النقل عن أبي زيد.. ثم قال شيخنا: وكان ابن جني يقول عن شيخه أبي علي الفارسي: وكان شيخنا أبو علي يكاد يصلي بنوادر أبي زيد إعظاما لها.
قلت: وهذه الأبيات في شرح أبيات الشافية لابن الحاجب. والشارح هو العلامة عبد القادر البغدادي صاحب الخزانة. ص 216 الجزء الرابع وهو ذيل على شرح شافية ابن الحاجب للاستراباذي؛ حققه محمد محيي الدين عبدالحميد واثنين من زملائه.
قال لنا شيخنا أبو سليمان: المحققون الكبار: محمود محمد شاكر، والسيد أحمد صقر، وأحمد راتب النفاخ، والميمني.. رحم الله الجميع. قلت: وقد سكت شيخنا عن بعض المحققين الكبار إما نسيانا أو لأمر ما.
- شيخنا لم يكن راضيا عن أعمال بعض المحققين حتى الكبار وكان شديدا عليهم.. يحدثنا عن كثير منهم مما يطوى ولا يروى هنا... سألته مرة عن تحقيق العلامة عبدالسلام هارون للخزانة. فقال: ليته اعتمد نسخة المؤلف البغدادي وهي موجودة في -دار الكتب المصرية- أو قال: في الأزهرية. أو غيرهما من خزائن القاهرة. الوهم مني.
قال لي: عنوان كتاب «تاريخ إربل» لابن المستوفي يوهم أنه نسخة كاملة، ليت الدكتور بشار سماه «قطعة من تاريخ إربل» ثم قال: وليته كتب مقدمة طويلة عن الكتاب فإنه يستحق دراسة مستفيضة من جميع الجوانب.. قلت: وليت إحدى الدور تعيد نشر «تاريخ إربل» القطعة التي حققها سامي الصقار فهي نادرة.
- سمعته في مجلسه يقول: في الغالب أن كل مشرقي «مَعْمَر» بفتح الميم وسكون العين، وكل مغربي «مُعَمَّر» بضم الميم الأولى وتشديد الميم الثانية مع فتحها.
- وسمعته يقول: جرى الحديث يوما عن المذاهب الأربعة في بيت أبي فهر محمود محمد شاكر، فقال الطناحي: أبو فهر شافعي المذهب وأبو فهر ساكتاً لا يتكلم فقلت: هو حنبلي المذهب ولا زال أبو فهر ساكت، ثم تكلم وقال: أدخلني والدي الرواق الحنبلي في الأزهر وقال لي: نحن على مذهب أبي حنيفة، ونريد أن تدرس مذهب الحنابلة، فدخلته ودرست المذهب الحنبلي في الأزهر.. قلت: وهذه معلومة عالية ربما لا تجدها في من ترجم لأبي فهر، أو تعرض لحياته، أو كتب عنه.. وهذه فائدة مجالس ِالكبار، فكم فاتت على كثير من طلاب العلم والمثقفين.
- وسمعته يقول: ستة شعراء شعرهم متداخل:كثيّر عزة، وقيس بن الملوح، وابن الدمينة، وليلى الأخيلية، وأظنه قال: وجميل بثينة.. قلت: ونسيت السادس ولعله توبة صاحب الأخيلية. ثم قال: وأفضلهم ابن الدمينة. ثم قال: وأما الأخيلية فهي أفضل من كثير من الشعراء ثم أنشد لها:
تعيرني داء بأمك مثله
وأيُّ جواد لا يقال له هلا
ثم قال لنا: راجعوا قصته!
رحم الله أبا سليمان يفاتحه أحدهم بالشعر والشعراء الفصحاء فيفيض علينا من محفوظه، ويفاتَحُ بالشعر العامي فينشد له قصائد.. سمعته ينشد قصيدة حميدان الشويعر حين خرج من الزبير إلى نجد يصف القرى التي مرّ بها.. ثم يقف شيخنا عند كل بيت أو بيتين يشرحهما، ومطلعها:
ظَهَرْتْ من الحزْم اللّي به
سيّد السادات من العشْر
• يقول شيخنا: دخلت على السيد أحمد صقر وبيده مخطوط وإذ به يعالج كلمة أغلقت عليه.. وهي «فبحرها وكبّها» فقال لي باللهجة المصرية: (بُصْ إيه الحكايه دِهْ!!) فنظرت في الكلمة فتأملتها ثم طلبت منه المخطوط فأدمت النظر فيها فعرفت أن صواب قراءتها «فَبَخَّرَها وكَبَّاها» وبها يستقيم سياق الكلام؛ فقلت للسيد أحمد صقر: هذه الكلمة معروفة عندنا في نجد -أو قال في القصيم -البخور والكَُبو- فالبخور معروف هو دخان العود الهندي وغيره ورائحته طيبة، والكبو هو: ورق ونسميه هدب شجر الأثل يستخدم دخانه للشَّمَم.. فَسُرَّ بذلك السيد أحمد صقر.. قلت: ونسيت أسأله عن اسم المخطوط.
- دخلت عليه يوما وبجواره كتاب «الذيل على طبقات الحنابلة» تحقيق الشيخ حامد الفقي فقال لي: افتح الكتاب وانظر.. فرأيت تعليقاته بقلم الرصاص وبخطه الجميل ملأت هامش الصفحات، ثم قال لي: هذه النسخة أحبُّ إليّ من من نسختي المحققة؛ فقلت له: لأنك يا أبا سليمان أودعت فيها ثمرة جهدك، واستدراكاتك، وفيها بعضك.. فهز رأسه أي نعم. وكان من عادته إذا أراد أن يجيب بنعم -أحيانا- هز رأسه مع إغماض عينيه.
- وسمعته غير مرة يقول: كتاب ابن مضاء في الرد على النحاة هو نفسه كتاب «المُشرق في الرد على نحاة المَشرق» وقد وهم الدكتور شوقي ضيف في مقدمة تحقيقه لكتاب «الرد على النحاة» فجعل المُشرق... كتابا آخر لابن مضاء وهما عنوانان لكتاب واحد. ثم قال: «ولابن مضاء كتاب «تنزيه القران عما لا يليق بالبيان» ورد عليه ابن خروف بكتاب «تنزيه أئمة النحو عما نسب إليهم من السهو» فلما بلغ ابن مضاء ذلك قال: نحن لا نبالي بالكباش النطّاحة وتعارضنا أبناء الخرفان!
ثم قال شيخنا: وقد جاءني اثنان من دولة الجزائر في مركز البحوث وذكر أحدهما لي أن نسخة من «تنزيه القران...» لابن مضاء موجودة في إحدى الخزائن الجنوبية في الجزائر التي لم تفهرس ووعدا بتصويرها لي ولم أرهما حتى ساعتي هذه.. وقالا لي: توجد خزانتان في جنوب الجزائر لم تفهرسا..! ثم استطرد شيخنا وذكر مثل هذه النسخة النادرة التي لم ترَ النور بعد قائلاً: جاءني رجل من الشام وأنا في مركز البحوث فعرض عليّ مخطوطات وكتباً نادرة بمئتي ألف ريال فقلت له دعها هنا، وغدا تأتي لأعطيك الخبر هل تناسبنا أم لا. ثم قلبتها فوجدت فيها مخطوطة نادرة «المختار في علل النحو» لابن كيسان ففرحت فيها ولم أرَ في بقية المخطوطات شيئا ذا بال ولما جاءني من الغد قلت له نريد مخطوطة «المختار في علل النحو» لابن كيسان بعشرين ألف ريال؛ فقال: لا؛ أريد بيعها جميعا. فقلت له: الجامعة لا تريد إلا هذا المخطوط لكنه رفض إلا أن يبيعها جميعا بمئتي ألف ريال.. ثم خرج ولم يعد.
فقلت للشيخ: لِمَ لمَمْ تصور هذه النسخة النادرة؟ فرد عليّ غاضبا: تريد أن أخون الأمانة، رجل استأمنني على أشيائه ثم أقوم بتصويرها هذا لا يمكن أن أفعله.. رحم الله شيخنا. قلت: وأظن أن كتاب ابن كيسان «المختار في علل النحو» وكتاب ابن مضاء «تنزيه القرآن عما لا يليق بالبيان» موجودان مفقودان.
- سئل مرة وأنا أسمع عن شروح الحماسة لأبي تمام وكأنّ السائل خالفه في اسم أحدها فقال أبو سليمان: لو أردتني أن أعد عليك الآن من شروح الحماسة أربعين شرحا لعددتها.. ثم حلف يمينا بالله إنه يستطيع ذلك.. ثم رأيته يشير إلى رأسه ويقول: شروح الحماسة كلها في هذا الرأس. قلت: وقد فهمت من كلامه بعد ذلك أنه أراد أن ينبه السائل إلى أن إعاقته ليست في ذاكرته.. ومقصود شيخنا بشروح الحماسة مطبوعها ومخطوطها ومفقودها.. وما قرأناه في إحدى المقالات أنه يحصي مئة شرح من شروح الحماسة! فلعل ناقله نسي أو وهم. والله أعلم.
- هذه حُسْوةٌ من بحر علمه، وفضائله رحمه الله.. وأعرضت عن أشياء مما تطوى ولا تروى، وأخرى أنسيتها.
إنسانيته:
تأخرت يوما في زيارته فعاتبني فقلت له: أصابني ألم في ظهري ولزمت الفراش مدة وما زال أثره باقيا فدعا الله لي ثم بدأ يسأل عن سبب الألم، ثم وصف لي علاجا وقال هو عندي.. ولما انفض أكثر من في المجلس وقمت لأودعه قال لي: انتظر قليلا فجلست حتى خرج آخرهم فقال لي: (تعال أوريك العلاج بغرفتي) فاستحييت منه وذهبت معه بكرسيه المتحرك حتى دخل البيت وقال: أدخل لا يوجد أحد، ثم دخل غرفته وأخبرني أنه ينام هنا وعنده هذه الكتب يطالعها وهي: معجم مصنفات الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرنا للطريقي -وقد تعقبه واستدرك عليه في نسخته هذه ليتها تجرد وتنشر-، ورأيت تسهيل السابلة لصالح العثيمين وهو ممن تعقبه.. ثم قال لي: هذا كتابك؛ ويعني به «تاريخ إربل» الذي حققه الدكتور بشار عواد وزميله وكان شيخنا طلب نسختي هذه فجئته بها قبل أن تصله نسخته من المحقق العلامة بشار عواد وقد علق عليها.. ثم قال لي: وهذا هو العلاج وهو عصار لآلام المفاصل والعضلات فخرجنا من البيت وقال لي: لنذهب إلى الصيدلية فقلت: (الله يسلمك ويجزاك عني خيرا يا أبا سليمان عرفت اسم العلاج وأنا أشتريه) فرفض إلا أن يشتريه لي، فركب السيارة مع ما يجده من مشقة وخرجنا للصيدلية واشتراه لي وأنا متحرج من صنيعه بي.. أسأل الله أن يحرم جسده على النار.. وهذا التفصيل ممل على بعض القراء لكن قصدته لأركز على جانب ربما يستغربه كثير ممن يسمع عن طبع شيخنا رحمه الله.
- وذكر لي الشيخ عبدالرحمن الرحمة في سبتية حمد الجاسر أن محمود المغربي ذكر له وهو طالب في جامعة أم القرى وحضّر الماجستير وأظن الدكتوراه، إن الدكتور عبدالرحمن العثيمين رآه مهموما مغموما فقال له: ما بك يا محمود؟ فقلت: الوالدة مريضة، فدخل ثم خرج وأعطاني عشرة آلاف ريال.. يقول محمود: فطرت فرحا بها وما زلت أدعو له والوالدة كذلك.. وله قصص مثل هذه رحمه الله.
- قصته مع عامله عبدالودود التي ذكرها صديقنا الشيخ محمد المحيميد في مقاله وهي أنه أعطاه ألف ريال قبيل دخوله في الغيبوبة.
- وأخيراً كنت ذهبت معه مرة «للتمشية» في مدينة عنيزة فمرّ بمحل لأولاده ووقف السائق عنده وجاء العامل وهو من الجنسية الفلبينية إلى أبي سليمان وهو يضحك وأبو سليمان يمازحه ويداعبه فقال أبو سليمان: قل هو الله أحد.... حتى قرأ العامل منها آيتين أو ثلاثا ولم يتم السورة فلما انصرفنا قال لي: هذا نعلمه السور القصيرة ليسلم.. فتعجبت لهمته ودعوته.. وبعد مدة أسلم هذا الفلبيني وأسلم سائق أبي سليمان على يديه فهنيئا له.. ولقد رأيته وهو يتعامل معهم يضاحكهم ويمازحهم رحمه الله.
الكتب التي حققها
وهي مقسمة كما يلي:
- كتب اللغة العربية وعلومها التي حققها شيخنا:
أولاً:
تحقيقاته التي نشرها تسلسلاً حسب ما وقفت عليه من كتب النحو:
1- التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين لأبي البقاء العكبري الحنبلي (ت 616هـ) وهي رسالة ماجستير نوقشت عام 1397هـ ولم ينشرها إلا عام 1406هـ طبعت في مجلد واحد. وأبو البقاء هذا له شرح على ديوان المتنبي وهو مفقود والمتداول الآن في أربعة أجزاء ينسب إليه وليس له؛ وإنما هو لتلميذه ابن عدلان. وقد بدد هذا النسبة العلامة العراقي الكبير مصطفى جواد.. وشيخنا أبو سليمان العثيمين يرى رأي مصطفى جواد. وكتاب التبيين هذا هو الذي دفع أبا سليمان للالتفات إلى خدمة تراجم الحنابلة حيث لم يجد عند ترجمة أبي البقاء وهو حنبلي ما يشفي غليله.. فلم يطبع من كتب تراجم الحنابلة -آنذاك- إلا الطبقات وذيله.
2- شرح المفصل في صنعة الإعراب المسوم «بالتخمير» لصدر الأفاضل الخوارزمي (ت 617هـ) وهو من تلاميذ فخر الدين الرازي صاحب التفسير؛ والتخمير شرح لمفصل الزمخشري في النحو؛ والمفصل للزمخشري لقي عناية كبيرة من شروح العلماء.. وهذا التحقيق كان رسالة للدكتوراه، وقد أبدع فيه وأبان عن منهج المؤلف، وتتبع شروح المفصل؛ فأحصى أربعة وتسعين شرحاً عدا مختصراته والردود عليه ومن نحى منحاه.
وأما مصادر شيخنا في هذا التحقيق فكانت جملة منها مصادر مخطوطة وهي في أربعة وخمسين مخطوطا؛ سوى المصادر المطبوعة التي أربت على الثلاثمئة.
وحسبك أن تعلم أن رسالته هذه قبل توفر المصادر في المكتبة العربية؛ لذا كانت مصادره المخطوطة لافتة للنظر؛ وكانت رسالته للدكتوراة عام 1402هـ. وقد أبان في عمله هذا عن مقدرة فائقة في التحقيق والتدقيق وهو لم يبلغ الخامسة والثلاثين من عمره رحمه الله، وجعل الفردوس مثواه. وعدد صفحاتها 1960 صفحة في أربعة أجلاد. ولم يطبع الرسالة إلا عام 1410هـ ثم أعادت نشره مكتبة العبيكان. نبهني صديقنا الشيخ علي الصويان إلى أن طبعته الأولى عام 1410هـ وعندي الطبعة الثانية.
3- نظم الفرائد وحصر الشرائد - لمهلب بن حسن بن بركات المهلبي توفي سنة 583هـ طبع عام 1406 هـ وقد كان له عناية به منذ تسع سنوات وهو يتتبع نسخ الكتاب من عام 1395هـ إلى عام 1404هـ حتى ظفر بنسختين أخريين من الكتاب فنشره على ثلاث نسخ في مجلد واحد.
فانظر هذه الهمة لشاب في السابعة والعشرين يبحث عن مظان نُسخ هذا الكتاب الخطية مدة أربت على ثماني سنوات؛ حتى اطمأن لأن يكون عمله متقنا.
4- «الفريدة في شرح القصيدة» والقصيدة لابن الدهان النحوي توفي سنة 569هـ وهي في عويص الإعراب فشرحها ابن الخباز النحوي الموصلي المتوفى سنة 637هـ ووسمها بـ»الفريدة...» وقد ذيل شيخنا هذا الكتاب بمنظومة اسمها: «المقدمة اللؤلؤة في النحو» ليوسف بن محمد السُّرَّمَرِّي الحنبلي - نسبة إلى «سر من رأى» = سامراء- توفي سنة 776هـ وطبع الكتاب سنة 1410هـ في مجلد لطيف. وللسرمري كتاب في الانتصار لمذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وهو مطبوع.
5 - «إثبات المحصل من نسبة أبيات المفصل» لابن المستوفي الإربلي صاحب كتاب «تاريخ إربل» (ت 637هـ) وهذا الكتاب: تكلم فيه ابن المستوفي على الأبيات التي استشهد بها الزمخشري في مفصله- وإثبات المحصل في أربعة مجلدات قد صفه شيخنا وهو جاهز للنشر؛ وكنت مرة قرأت فيه على شيخنا ترجمة الراعي النميري. وقد وشاه شيخنا أبو سليمان وحشاه بملح، ولطائف، ونوادر عالية عن الراعي النميري وأبي نواس وغيرهما مما لا تجده في مصدر مطبوع. وكان يقول لنا بعفويته (هاااه وش تقولوون بها لمعلومات؟ وهو يتهلل وجهه عليه رحمة الله) وبعض إحالاته في هذا الكتاب إلى مخطوطات لم تر النور بعد؛ ولعل هذا الكتاب يحضى بالنشر قريباً..
6- الغرة في شرح اللمع لابن الدهان النحوي (ت 569هـ) وقد أنجز جزءًا منه؛ ولم تسمح أحواله الصحية بإتمامه ونشره. فأكمل جزءًا منه -وهو رسالة دكتوراه- تلميذه الدكتور فريد بن عبدالعزيز الزامل رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة القصيم.
7- «المقاصد الشافية في شرح خلاصة الكافية» للإمام الفقيه الأصولي النحوي الشاطبي صاحب الموافقات في أصول الفقه (ت 790هـ) والخلاصة هي: المشهورة بالألفية؛ ألفية ابن مالك. وسميت بالخلاصة: لأن ابن مالك استخلصها من أرجوزته الكبرى المسماة بـ»الكافية الشافية» وهي من أوسع شروح الألفية؛ وقد حقق شيخنا الجزء الأول من تسعة أجزاء، وتأخر نشرها لأسباب ذكرت في المقدمة وقد تم العمل على هذه المعلمة الكبيرة وخرجت في عشرة مجلدات مع الفهرس الذي صنعه صديق شيخنا وزميله الدكتور عياد بن عيد الثبيتي أجزل الله له المثوبة. وقد حقق الدكتور الثبيتي الجزء الثالث من هذه المعلمة. طبعت عام 1428هـ.
8- الدرر المنظومة بالبيان في تقويم اللسان -لابن يعيش الصنعاني المتوفى 680هـ وهي على نسق قصيدة ابن الدهان.. وهذه القصيدة وعد الشيخ بنشرها قبل خمس وعشرين سنة؛ ولم تنشر حسب علمي.
9- المسائل الخلافية لابن إياز البغدادي توفي 681هـ وقد استلها شيخنا من كتاب ابن إياز (المحصول في شرح الفصول) وهذه المسائل ذكرها ابن إياز في كتابه الذي مازال مفقودا حسب علمي «الإسعاف في مسائل الخلاف» وقد أخرجها شيخنا قبل أكثر من سبع وعشرين سنة ووعد بنشرها؛ ولا أعلم أنه نشرها. وهي أربع وثلاثون مسألة؛ وقد تتبعها الشيخ أيضا في بعض تآليف ابن إياز البغدادي.
10- إعراب القراءات السبع وعللها لابن خالويه (ت370هـ) وهذا الكتاب واضح من عنوانه -وقد أدرجته هنا لشبه مادته من النحو إعراباً وتعليلاً- وقد قدم له بتقدمة حافلة، وأحصى مؤلفات ابن خالويه ما استطاع سبيلا، مطبوعها، ومخطوطها، ومفقودها؛ ودل الباحثين إلى أماكن وجود مخطوطات ابن خالويه؛ وعد كتابا ليس في كلام العرب أهم تآليفه لكن محققه قصر في تحقيقه، وتتبع نسخه؛ ويحسن الرجوع إلى نقد شيخنا له. كذلك نفى نسبة كتاب الحجة في القراءات السبع لابن خالويه تحقيق الدكتور عبدالعال سالم مكرم؛ وقد نقد كتاب الحجة غير واحد من الأفاضل. ويميل شيخنا إلى أن كتاب الحجة في القراءات السبع لأحمد بن الصقر المنبجي (ت 366هـ) وقد توقف شيخنا في قراءة بعض كلمات ساعده على قراءتها شيخه أبو فهر محمود محمد شاكر رحم الله الجميع. انتهى من تحقيقه في رمضان من عام 1410هـ وطبع الكتاب سنة 1413هـ.
- هذا ما أعرفه من كتب النحو التي نشرها أوعد بنشرها.
- ومن كتب اللغة وعلومها:
• كتب غريب الموطأ:
- «التعليق عل الموطأ» في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه للوقّشي الأندلسي (ت 489 هـ) وهذا الكتاب أول أعمال شيخنا في كتب غريب الموطأ؛ وتعود صلته به إلى عام 1405هـ وقد حققه في خدود عام 1415هـ ولم يطبعه إلا عام 1421هـ.
- تفسير غريب الموطأ لابن حبيب الأندلسي (ت 238هـ) وهو من ذرية الصحابي العباس بن مرداس السلمي ابن الشاعرة الصحابية الخنساء. وهذا الكتاب هو العمل الثاني الذي أنجزه الشيخ من كتب الغريب على الموطأ وقد بذل فيه جهدا تجده في مقدمته فقد أحصى من شروح الموطأ على اختلاف فنونها ثلاثين ومئة شرح مطبوعها ومخطوطها ومفقودها؛ مفيدا -كعادته- الباحثين عن أماكن وجود مخطوطات شروح الموطأ.. ويذكر الشيخ أنه لا يعرف كتابا من الكتب الشرعية وجد العناية التي وجدها كتاب الموطأ عدا الجامع الصحيح للبخاري رحمه. أتم تحقيقه عام 1417هـ وطبعه عام 1421هـ.
- «الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب» لليَفُرَني التلمساني (ت 625هـ) وهو مقتضب من كتابه الكبير: «المختار الجامع بين المنتقى والاستذكار» ومن مصادره اللغوية كتاب الوقّشي «التعليق على الموطأ» وغيره. انتهى من تحقيقه سنة 1420هـ وطبعه سنة 1421هـ، وهذا الكتاب هو خاتمة كتب الغريب التي حققها شيخنا رحمه الله.
ومن كتب اللغة وعلومها وآدابها:
• كتاب: ما اتفق لفظه واختلف معناه لإبراهيم بن يحيى المبارك اليزيدي (ت 225هـ) وهو في المشترك اللفظي. قال الخطيب البغدادي في تاريخه: ومصنفه هذا يفتخر به اليزيديون. وقد حقق شيخنا قطعة منه عام 1407هـ قال ابن خلكان: «... وهو في أربعة مجلدات وهو من الكتب النفيسة يدل على غزارة علم مؤلفه وسعة اطلاعه». ووعد أن يعود إلى نشره مرة أخرى مع إضافات إن تيسر له ذلك؛ ولست أدري خبره. ولم أطالع هذا الكتاب لندرة طبعاته حسب علمي. وقد نبهني صديقنا الشيخ علي الصويان -وهو من ملازمي شيخنا أبي سليمان وفي جعبته كثير من فرائد مجالسه- إلى أن الموجود من الكتاب قطعة منه؛ وكنت أحسب أن النسخة الخطية موجودة كاملة عند شيخنا فأسجل له هنا شكري وفضل التنبيه إلى ما وهمت فيه.
- الديباج لأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت 209هـ) وهذا الكتاب في أخبار العرب وأيامها وقد شارك شيخنا في التحقيق الدكتور عبدالله بن سليمان الجربوع. طبع الكتاب عام 1411هـ وقد نقد الكتاب الدكتور محمد الدالي في مجلة معهد المخطوطات العربية عام 1412هـ ثم ضمه لكتابه الحصائل... وهو مجموعة مقالات وبحوث نقدية لنشرات التراث العربي. وشيخنا يجل الدكتور الدالي.
• جواهر القران لأبي الحسن الباقولي الأصبهاني المشهو بـ»جامع العلوم» من علماء اللغة (ت 543هـ) وقد حققه شيخنا وهو جاهز للنشر؛ وكنت عزمت حين انتشرت صورته عبر قنوات التواصل الاجتماعي أن أسأله عنه؛ لكنني أنسيته كغيره والله الموفِّق.
كتب التراجم التي حققها؛ نذكرها مسلسلة حسب نشره لها:
1- «الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد» لابن عبدالهادي الملقب بابن المَبْرِد-والمَبْرِد لقب جده وسبب تلقيبه قيل لقوته وقيل لخشونة يده- توفي عام 909هـ وهو غير شمس الدين ابن عبدالهادي؛ وهذا الكتاب ذيل على طبقات ابن رجب، ورتبه مؤلفه على حروف المعجم. وهو أول كتاب في تراجم الحنابلة يحققه شيخنا؛ وهو أول نشرة للكتاب، فلم يسبق نشره؛ وقد حققه عام 1406هـ وطبع عام 1407هـ في مجلد.
2- المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لابن مفلح توفي 884هـ.
وجد والده صاحب الفروع شمس الدين محمد بن مفلح.. والمقصد الأرشد هو الكتاب الثاني الذي نشره شيخنا من كتب تراجم الحنابلة. وقد بدأه مؤلفه بالإمام أحمد إلى قرب وفاته عام 884هـ ورتبه على حروف المعجم؛ طبع عام 1410هـ في ثلاثة مجلدات.
3- الدر المنضد في ذكر أصحاب الإمام أحمد للعليمي (ت 928هـ) وهو مختصر كتابه: المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد. وقد طبع شيخنا الدر المنضد عام 1412هـ وقد بدأ العمل عليه مطلع عام 1409هـ بمدينة عنيزة وانتهى منه 12 ربيع الأول عام1411هـ، وهو ثالث كتاب ينشره شيخنا في تراجم الحنابلة افتتحه بترجمة الإمام أحمد بن حنبل وختمه بترجمة شيخه محمد بن محمد السعدي المصري (ت902) ومجموع تراجمه هي: ألف وستمئة وتسعون ترجمة؛ ورتبه على الطبقات في كل طبقة مرتبتين، وكل مرتبة عشر سنين. طبع عام 1412هـ في مجلدين.
4- السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لمحمد بن عبدالله بن حميد النجدي (ت1295) وأصله من عنيزة وفيها ولد؛ وهو من تلاميذ علامة الديار النجدية عبدالله بن بطين. وكتاب السحب الوابلة.. رابع كتاب ينشره شيخنا من كتب تراجم الحنابلة وهو ذيل على كتاب ابن رجب: الذيل على طبقات الحنابلة. وتحقيق شيخنا لهذا الكتاب أبان فيه عن قدرة فائقة في تتبع من أغفلهم المؤلف من علماء الدعوة وتتبع مؤلفاتهم؛ وإنك واجد في تضاعيف حواشيه لهذا الكتاب وكتاب الذيل لابن رجب علما وافرا، ومقدرة عجيبة في المقارنات، والاستدراكات، والتنبيهات، ولمّ شتات الأسر العلمية الحنبلية، وذكر النسخ الخطية، وتصحيح نسبتها. طبع الكتاب عام 1416هـ وتحقيقه لهذا الكتاب خاص به لم يشاركه أحد وقد أبان ذلك الشيخ بكر أبو زيد رحم الله الجميع.
5- طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (ت 526) وهو ابن القاضي أبي يعلى؛ بدأها بإمام المذهب أحمد بن حنبل وختمها بوفيات (513 هـ) وكان كتاب طبقات الحنابلة طبع بأمر الملك عبدالعزيز عام 1371هـ فطلبت اللجنة التحضيرية للاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة من شيخنا أن يحققه؛ لأن للكتاب علاقة بالمؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، ولأنه أول كتاب في طبقات الحنابلة وصل إلينا؛ فتوقف عن العمل على الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب؛ وكان قد أنجز نصفه.. ثم شرع في تحقيق طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى وكان الوقت ضيقا فلم يستدرك إلا القليل وهم: اثنان وثمانون حنبليا. والكتاب في ثلاثة أجلاد في 1708صفحات ووضع له فهارس فنية وقد بذل جهده مع ضيق الوقت. طبع عام 1419هـ
6- وهو آخر أعمال شيخنا في التراجم: الذيل على طبقات الحنابلة للحافظ ابن رجب (ت 795هـ) وهو ذيل على طبقات ابن أبي يعلى وبدأه بالطبقة السادسة التي ختم بها ابن أبي يعلى طبقاته وهم أصحابه؛ لكن الحافظ ابن رجب استدرك عليه فجاءت أوعب مما ذكره ابن أبي يعلى، ورتبه على الوفيات لا على الطبقات، وختمه بشيخه ابن قيم الجوزية (ت 751هـ) ومجموع تراجمه ستمئة ترجمة. وقد نثر شيخنا في هذا الكتاب كنانته، وبلغ النهاية في تحقيقه، والتعليق على ما يحتاج إليه؛ وقد وشاه بحلل من الفوائد، والنوادر، واللطائف؛ ولم يضن بمعلومة في الدلالة إليها كقوله وتوجد منه نسخة خطية في المكتبة الفلانية بخط جميل.غير أن بعض المحققين يغمون أحوال هذه النسخ وأماكن وجودها وقمن ألا يبارك في أعمالهم.
وقد بلغت عدة استدراكاته على ابن رجب -وناهيك به- ألفاً وأربعمئة وتسعا وأربعين ترجمة! (1449). وشيخنا حفي بهذا الكتاب، قريب منه؛ وقد طلب مني مرات لأقرأ عليه ترجمة علمٍ من علماء الحنابلة حين يأتي ذكره في المجلس ويريد أن يسمع الحاضرون شيئا من خبره.. وهذا الذيل في خمسة أجزاء؛ وفي هوامشه من الفوائد العلمية العالية التي نسأل الله أن يعيننا على جمعها مع سواها. وقد ختمه بفهارس فنية رائعة جاءت في ثلاثمئة وخمسين صفحة (350صـ) ليت المحققين يعنون بالفهارس فهي مفتاح الكتاب. وطبع عام 1425هـ
• فهذه ستة عناوين من كتب تراجم الحنابلة جاءت في سبعة عشر مجلدا حققها شيخنا أنزل الله على قبره شآبيب الرحمة والغفران.
• هذه كتب في التراجم حققها ولم ينشرها:
- «مختصرمعجم شيوخ ابن رجب» لابن قاضي شهبة. وابن رجب هذا هو والد الحافظ عبدالرحمن بن أحمد بن رجب. وقد سألت شيخنا عنه فقال جاهز للنشر.
- «غاية العجب في تتمة طبقات ابن رجب» لابن حميد صاحب السحب الوابلة.. وهذا الكتاب غايته أن استدرك ما أغفله ابن رجب في ذيله أو فاته من مبتدئه من الطبقة السادسة لابن أبي يعلى من سنة 460 هـ إلى منتهاه سنة 751هـ لكن ابن حميد لم يجمع هذه التراجم في كتاب وإنما استدركها في نسخته الخطية من الذيل على طبقات ابن رجب؛ وقد وقف عليها شيخنا بخط ابن حميد ورتبها على المعجم وحققها، وعلق عليها؛ وبلغت مئة واثنين وخمسين ترجمة. لكنه لم ينشرها. وهي جاهزة للنشر كما أخبرني.
• ويدخل في كتب التراجم والأنساب:
كتاب: أنساب الرُّشاطي الأندلسي (ت 542هـ) واسم كتابه كاملا: «اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار» كان للأندلسيين تعويل عليه كبير؛ وهو لأهل المغرب ككتاب السمعاني لأهل المشرق. قال عنه شيخنا: من أجود ما صنف في بابه، مليء بالفوائد جدا، وقد اهتم به العلماء فاختصروه وزادوا عليه ونهجوا على منواله. وكتاب الرشاطي المخطوط معظم أوراقه ممزقة، وقد أصابته الأرضة؛ لذا حقق شيخنا مختصره لعبدالحق الإشبيلي (ت 581هـ) وأنجز منه نصف الكتاب في ثلاثة أجزاء وبقي نصفه الآخر؛ لو أتمه لعُد مشروع العمر. ويذكر شيخنا أن الأصل للرشاطي ليس فيه زيادة على المختصر للإشبيلي. هذا وقد طالعت أنساب الرشاطي بمختصره وكان عمل شيخنا فيه كالتالي:
• جعل نص الإشبيلي في الأعلى لأنه هو الكتاب المحقق؛ ونص الرشاطي في الهامش مبتدئا له بقوله: وفي الكبير؛ ويعني به كتاب الرشاطي. وشيخنا بذل جهده في هذا الكتاب وحاول أن يوافق نص الرشاطي نص الإشبيلي مع نقص الأصل الكبير( أنساب الرشاطي). وقد فقد حرف الهمزة من كتاب الإشبيلي فألحقها من مختصر الفاسي لكتاب الرشاطي.. والكتب التي اختصرت كتاب الرشاطي واستطاع شيخنا أن يظفر بها، وهي: مختصر الإشبيلي الأندلسي (ت581هـ)، ومختصر البلبيسي الحنفي (ت802هـ) الموسوم بـ»قبس الأنوار تلخيص اقتباس الأنوار» -وله أسماء أخرى- ومختصر الفاسي (ت1143هـ)، وهناك كتاب مستقل وهو: «الاكتساب في الأنساب» للخيضري (ت894 هـ) ومصورته عند شيخنا وهي بخط الخيضري نفسه لكنها ناقصة.
- تاريخ البِرزالي ويسمى كذلك: المقتفي لتاريخ أبي شامة للحافظ البِرزالي (ت739هـ) وهو ذيل على كتاب الروضتين لأبي شامة.. وهذا الكتاب سألت شيخنا عنه فقال لي: يعمل عليه الآن الدكتور تركي بن فهد آل سعود والعمل مشترك بيني وبينه. قلت: وقد أنجز منه الشيخ جزأين كما نبهني إلى ذلك صديقنا الشيخ علي الصويان وقد ذكر الأمير تركي بن فهد، ذلك في سبتية الشيخ حمد الجاسر وكنت حاضرا. والأمير الدكتور له أعمال تشهد له بالإتقان.
الزورةُ ما قبل الأخيرة:
كان شيخنا يحب المذاكرة حتى في مرض موته، وبقي مع اشتداد العلة، وتفاقم الداء متيقظ الحس، حاضر الذاكرة، حتى دخل في الغيبوبة رحمه الله..
زرت شيخنا في مرضه الأخير في مشفى الملك سعود بمدينة عنيزة وسألته عن الشيخ حسن بن محمد المشاط، فقال بصوت خفيض مبحوح وكلمات متقطعة: حدثني الشيخ عبدالوهاب أبو سليمان أنه كان في حلقة الشيخ حسن المشاط في الحرم المكي فأقبل رجل وصلى قريبا منهم وكانت صلاته يغمرها الخشوع، والاطمئنان، وكان الشيخ حسن يرمق هذا المصلي متعجبا من خشوعه وطمأنينته، فلما سلم الرجل من صلاته قام وأتى بركعتين أخريين في خشوع، وطمأنينة، والشيخ ما زال مشغولا بمتابعته، فلما سلم قام الرجل لينصرف؛ قام إليه الشيخ حسن وسلم عليه، وتعرف به، فإذا هو الشيخ عبدالرحمن السعدي فعانقه الشيخ حسن ودعاه إلى منزله فأجاب الشيخ السعدي الدعوة وسمرا حتى كاد أن يطلع الفجر.. ثم توقف شيخنا العثيمين عن الحديث ولم يستطع أن يكمل ثم رأيت عبرات كتمها، لكن الدموع ما استطاع حبسها فتساقطت على خده الأيمن حتى بلت كتفه! ثم قال بصوت شجي متقطع: لم يمنع السعدي من إجابة الدعوة وهو يعرف أن الشيخ المشاط عنده نزعة صوفية. فقلت لشيخنا: السعدي جمع بين العلم والعقل.. فأغمض عينيه وفتحهما وأومأ برأسه أي نعم.
قلت: وهذه القصة صورة حية لأخلاق الكبار..
اللهم اغفر ذنبه، ومهد عذره، ونور قبره، وكما ابتليته بحكمتك، فاغمره برحمتك، وأدخله جنتك.. آمين.
- Ooolll1424@gmail.com