شمس علي - الدمام
لم تعد معارض الكتب الدولية التي ينتظر قدومها عدد غير قليل من محبي القراءة سنويا تمثل فرصة سانحة لاقتناء ما تصبو إليه النفس من كتب ومؤلفات كما كان الأمر في السابق، إذ مع حلول موسم معارض الكتب الدولية في الوطن العربي والذي يبدأ عادة في شهر أكتوبر ويستمر حتى شهر مايو كانت توضع القوائم ويتوجه عشاق المعرفة لاقتناء ما يودون، أما في السنوات الأخيرة فقد بات من الصعب أن يقتني المرء الكثير مما يتمنى دون أن يصطدم بأسعار كتب تفوق قدرته المادية على الشراء، الأمر الذي يدفع للاقتصار على اقتناء القليل مما تسمح به الميزانية وهو ما يورث الشعور بالغبن وقد يدفع للحنق على القائمين على صناعة الكتب وعلى القائمين على هذه المعارض أيضا ممن يتسببون في الحرمان من حق الإنسان في المعرفة.
فلم يعد من اليسير مثلا أن يقتني أب مجموعة من قصص الأطفال لأولاده وسعر القصة الواحدة في بعض الأحيان يفوق السبعين والثمانين ريالا أو يشتري قارئ رواية يتجاوز سعرها 140 و 170 ريالا وهو قد لا يقرأها أكثر من مرة، كما أنه يمني النفس أيضا باقتناء أكثر من عمل لنفس المؤلف أو غيره بخاصة والناس باتت تعاني من الغلاء وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وقد لا تجد في كثير من الأحيان ما تشتري به كتبا للمطالعة، لا تمثل لدى البعض حاجة ملحة مثل الحاجة للغذاء والدواء والملبس.
وقد تبرر ثلة هذا الغلاء في معارض الكتب بتلاعب أصحاب دور النشر بالأسعار مؤكدين وجود اختلاف في أسعار بيع الكتب في بداية انطلاق المعرض عنه في ختامه وهنا يأتي السؤال: أين إذا دور الرقابة المفروض توافره من قبل اللجنة المنظمة للمعرض، وكيف تترك للناشرين الفرصة لرفع الأسعار؟
فيما قد يرجعه أصحاب الدور إلى ارتفاع تكلفة الطباعة وغلاء سعر الورق وارتفاع إيجار أماكن العرض في هذه المعارض، الأمر الذي يدفع في النهاية ضريبته الإنسان الذي لا ذنب له سوى التوق للمعرفة.
ولأن الشعوب العربية متهمة دائما بضعف الإقبال على الكتب والقراءة، ويرجع السبب غالبا إلى عدم الوعي بقيمة القراءة ولانشغالهم بتوفير الاحتياجات الأساسية للحياة. فنحن والحالة هذه لا يكفي أن ننظّر لشريحة واسعة من الكادحين بأهمية القراءة ونحثهم على توفير الكتب لأبنائهم و ذويهم كما يوفرون لهم القوت وتعويد أنفسهم على المطالعة دون أن ندعمهم ونساندهم في ذلك، بوسائل عملية تجعل من الكتب أمرا في متناول الجميع بأسعار مشجعة على فعل المعرفة وإشاعة ثقافة القراءة وتحويلها إلى سلوك مجتمعي عام.
وقد يكون توفير طبعات شعبية من بعض الكتب المنتقاة وسيلة جيدة وفاعلة للترويج لثقافة القراءة، وهي تجربة أثبتت نجاحها بعد تبنيها من قبل بعض الدول، وقد تبنتها مصر من خلال مشروع (مكتبة الأسرة)، كما أن بعض الدور العربية مؤخرا خاضت تجربتها أيضا مثل «دار أطلس للنشر والتوزيع»، التي قامت بتوفير نسخة شعبية مُخفضة من المجموعة القصصية «طريق التوابل»، للكاتب الساخر عمر طاهر.
وقد سبقتها إلى ذلك الدار المصرية اللبنانية التي أصدرت في عام 2013 رائعة الروائي الليبي إبراهيم الكوني «نزيف الحجر»، من خلال مشروع كبير، تحاول به الدار وضع كبار الأدباء العرب والشعراء والمفكرين، ضمن المناخ المصري بحيث لا يقتصر قراءة هؤلاء الكبار على النخب. وكان كتاب الكوني قد صدرت طبعته الأولى عام 1990، ولم تعد متاحة للقراء العرب.
وتعد فكرة «الطبعات الشعبية»، ممتازة لمواجهة موجة غلاء أسعار الكتاب الورقي، خاصة مع وجود من لا يهمه أن يقتني نسخة فاخرة من كتاب بقدر ما يهمه أن يتوافر لديه ويقرأه بدليل توجه الكثيرون خلال السنوات الأخيرة لقراءة النسخ الإلكترونية المتوفرة عبر شبكة الإنترنت.
وفي ظل غياب آليات فعالة تحد من غلاء أهم صناعة بشرية وهي صناعة المعرفة ، حري بدور النشر جميعا أن تدعم صناعة الكتاب وتسهم في انتشارها عبر تبني مشروع «الطبعات الشعبية» ذات التكلفة الأقل إلى جانب الطبعات الغالية التي يهتم باقتنائها البعض، كما حري بوزارة الثقافة لدينا تبني مثل هذا المشروع أيضا وجعله من أولوياتها للمساعدة في انتشار عادة القراءة والإسهام في التنمية المعرفية. وكانت وزارة الثقافة ممثلة بوكيل الوزارة للثقافة والإعلام والمشرف العام على معرض الرياض الدولي للكتاب الدكتور ناصر بن صالح الحجيلان وعدت عام 2013في تصريح صحفي بمحاربة موجة غلاء الكتب بالقول: «أن هناك إضافات جديدة لخدمة المعرض والرقي بمستواه، مثل اعتماد آلية التسجيل الإلكتروني للكتب، بحيث يكون البيع آلياً، وتكون الحسومات محددة، بهدف الحد من غلاء الأسعار، وضبط حركة المبيعات، وأعداد الكتب وأنواعها»، ومع ذلك فأسعار بعض الكتب في الدورة السابقة للمعرض2014 بلغت الـ300 ريال وهو ما يجعل العديد ممن يترقبون المعرض في دورته الجديدة يساورهم القلق من أن يحول ارتفاع الأسعار هذا العام أيضا دون اقتناء ما يرغبون في اقتنائه.