بثينة الإبراهيم - الرياض
يبدو أننا نتخلى عن ذكرياتنا مثلما يتساقط جلد المجذوم، مرغمين، تبهت كل تفاصيلنا التي كانت ملونة، وتحل محلها أخرى كالحة، يومية أكثر، تتعلق باللحظة -الزمن الأطول في سنوات ضياعنا- تنتابنا حالة من ذاكرة السمك الذي يقال إنه يمتلك ذاكرةً تصل إلى ستة أشهر، وأستغرب كيف يمكنه أن يشعر بالزمن، في حين أشعر -أنا الكائنة التي تعيش على اليابسة- أنني تائهةٌ في درب التبانة، محاطةٌ بكثيرٍ من الأشياء التي ليس لها قيمة! حتى نكاتنا لم تعد تثير ضحكنا حين اقتُطعت من سياقها وصارت غريبةً مثلنا تمامًا! ينقضي أسبوعٌ بعد أسبوع وحيلتنا الوحيدة في معرفة بداية أحدها أو نهايته، هو يوم الجمعة حين لا ينطلق الأذان من المصلى الصغير المجاور، نكتفي باقتلاع أوراق الرزنامة ونكرّر لبعضنا أن الأيام تمضي بسرعةٍ لكنها طويلة بما فيه الكفاية!
نتشبث بأمورٍ صغيرةٍ نؤثّث بها ما نريد له أن يكون ذاكرةً كحلوى القرفة أو رنة الجرس المقيتة، أو رسائل شركة الاتصالات النصية التي تعدنا بالسعادة والفوز بالملايين، أو حتى الأضواء التي تحترق سريعًا، ونتكئ على تلك الذاكرة المستحدثة لنؤسس عليها مفهومنا الجديد للزمن، أو نستعيد المفهوم القديم قبل اختراع الساعة، نكتب تاريخنا بين «الما قبل» و»الما بعد» دون اكتراثٍ بتسميات الأشهر والأيام التي لا تعدو أكثر من كونها تفاصيلَ مترفة! نكثر من الأصدقاء الذين سرعان ما ينفضّون بعد حفلة الشاي، تاركين عند المصطبة ابتسامةً رثة، ليصبحوا مثل فقاعات خميرة الخبز بلا ألوان قوس قزح، ولا يمكن لفقاعةٍ -حتى في قانون داروين- أن تتطوّر لتصبحَ بالونةً، الأمرُ الذي لا يمكنك أن تراه إلا لدى كائنٍ كارتونيٍ «كالبوكيمون»!
«نشحذ» معاولنا لنبدأ رحلة تنقيبٍ عن لحظة فرح (اللحظة مرةً أخرى هذا الشيءُ المبهمُ الهلامي الذي لا تبدو له أبعاد)، يشبّهونها بأزهار الربيع رغم أنّ الثلج أسرعُ ذوبانًا وفناءً منها، فلمَ لا تكونُ بعمر الثلجة؟! على الأقل سنتمكن أخيرًا من قياسها -تبعًا لحجم قطعة الثلج وبشرط ألا تتلوث بدم أحدهم- فيكون لدينا «فيمتو ثلجة»، كلاهما مرتبطٌ بلحظاتٍ سعيدة، على ذمةِ الإعلان التلفزيوني، فهل نبدأ؟!