أحلام الفهمي - الدمام
يقول أمبرتو إيكو: «أن تترجم معناه أن تقول تقريباً نفس الشيء».
في عصرنا الحالي لم يعد فتح كتاب «مختار الصحاح» يجدي دائماً، أو الرجوع للشعر الجاهلي وهو ديوان العرب يجدي أيضاً، فمؤكد لن تجد بهما معنى واضحا لكلمة «سيلفي» مثلاً أو كلمة « تكنولوجيا».
لم نعد نعيش في هذا الكوكب بمعزل عن العالم، فالعولمة جعلت العالم يتخاطب بضغطة زر، وكلما تقدم الإنسان تقنياً وإنسانياً وفكرياً، تطورت اللغة فاللغة تسير بخط متواز مع حضارة الإنسان، وما تطّور شعب إلا تطورت لغته، وما تراجعت الشعوب للخلف إلا ظهر ذلك جلياً بلغتهم.
يذكر بعض اللغويين أن يكون نطق الكلمة كما جاء من المصدر أي مصدر الكلمة فحين أوجد العرب علم الجبر وقام الغربيون بنقلة إليهم نقلوه بنفس مسماة العربي الأصل «الجيبرا»، فكذلك كلمة تكنولوجيا يجب أن تبقى كما هي في أصلها التي وجدت فيه technology!
قد لا توجد إشكالية كبيرة في الترجمة بحد ذاتها لكنها تفقدها المعنى الحقيقي التي بالأصل وجدت من أجله، فكثير من الكلمات يظل جوهرها ومعناها الحقيقي هو أصل اللغة التي وجدت فيها لأول مرة واضرب مثالا لكلمة سلفي selfie وتعني أن تصور نفسك بنفسك (وبالمناسبة هي آخر كلمة تعتمد رسميا في قاموس اللغة الإنجليزية) إن أردنا أن نترجمها بكلمة «بنفسي» ستفقد معناها بل إن الكثير لن يفهم ماذا تعني بعد الترجمة لكن الأفضل أن تبقى كما وجدت وتنطق كما هي في لغتها الأم التي وجدت فيها.
لكن هل فعلاً اللغة العربية «عاجزة» أم «المترجم» هو العاجز عن استحداث اشتقاقات وترجمة تليق وتناسب الكلمات المعاصرة؟
يذكر المترجم والناقد المغربي «رشيد بن حدو» في إحدى مقابلاته أن: في حال تعذر وجود مصطلح عربي مكافئ، أنا أترجم مصطلحاً نقديّاً فرنسيّاً بجملة تفسّره وتسهّبه. لكنني بالمقابل لا أتساهل في كيفية الابتكار، بمعنى أنني أحرص كل الحرص، في مبتكراتي المصطلحية، على مراعاة قواعد الاصطلاح المتعارف عليها في اللغة العربية، تفادياً لأية رطانة محتملة. هذا إذا لم أعمد، بدون قيد ولا شرط هذه المرة، إلى إفراغ مصطلحات ذات معنى قارّ في النقد والبلاغة العربيين القديمين من حمولتها المفهومية، وتعبئتها بمفاهيم جديدة تعكس تماماً ما تنطوي عليه المصطلحات الفرنسية من مفهومات ومتصورات كما يمكن إدراك مضمونها بسهولة من خلال سياق الخطاب.
يظهر أن المترجم حريص على قيمة الكلمة وهذا شيء جيّد، لكن حرصه قد يفقر بالمصطلحات التي قد يحتاج إليها النص..
أما المترجم الكبير صالح علماني فيقول: «أترجم الرواية بعد أن أقرأها وأحبها، بعد الاستمتاع الأول للقراءة، ترافقني الرواية، أقرأ وأترجم، وخلال ترجمة الكتاب أحمله معي أينما ذهبت، وأعيد قراءة فصوله مرات ومرات، وإذا حدث وضاع مزاجي مع الكتاب أتوقف عن العمل، لأنني لا أستطيع مواصلة ترجمتي دون رغبة».. فالترجمة وخلق الكلمة فن ورغبة وإبداع تحتاج للحب والتأمل.
إذن هل نتفق أنه يجب ألا يظل تفكيرنا كعرب من بداية ما بدأ الآخرون بل يجب أن يكون من حيث انتهوا لا يجب التفكير وضياع جهد ووقت كبير في البحث عن لغة جديدة بل في كيفية احتراف والوصول إلى ثقافة وخلق بغض النظر عن مصدر الكلمة.