الثقافية - محمد هليل الرويلي:
من يعرف الأديب والصحفي الجماهيري السعودي محمد الرطيان لا يستغرب إطلاقه بهذا الوقت بالذات لسلسلة من أعماله الإبداعية الخلاقة العميقة والمنتسبة لعالم الضوء المتدفق والمتجدد بين محبرة وقلم وقلب وشرايين الرطيان على شبكة اليوتيوب العالمية حيث يحظى الرطيان بجماهيرية قل نظيرها بين المثقفين العرب. الغالبية صفق للتجربة وعلق عن إعجابه بها عبر تويتر وفي موقع اليوتيوب بعد أن غاص في أعماقها ومكنوناتها العقلية والفلسفية لما تحمله من المفاهيم والقيم الإنسانية.
وكان الرطيان قد بدأ الحلقة الأولى من برنامجه «روبورت» الذي قدمه بنفسه بمشاركة عدد من الممثلين الشباب حيث يدور حوار على شكل تساؤلات وإشارات حسية وعقلية في كل حلقة. «هل أنت روبوت؟ هل يوجد بينك وبين الإنسان الآلي الروبوت أي اختلاف؟ لا تغضب من السؤال وتظن أنه محاولة لاستفزازك. فكّر قليلاً قبل الإجابة. أعلم أنك كائن بشري من لحم ودم وهو آلة تحركه المعلومات الموجودة في شريحة إلكترونية لديك الكثير من الأحكام الجاهزة التي تمت برمجتها منذ سنوات لديك ردات فعل واضحة ومحددة تجاه أفعال معينة لديك قرارات غير قابلة للتراجع أو المراجعة تتعامل بآلية مع بعض المواقف متى يتعطّل هذا النظام الموجود في رأسك؟ في حالة واحدة عندما تغضب».
ولم يتوقف هنا «متى تتحكم في هذا النظام الموجود في رأسك وتسيره كما تشاء؟ في حالة واحدة عندما تفكّر. حاول أن تراجع نفسك وتكتشف الفرق بينك وبين الروبوت. زرعت الكثير من الأوامر في شريحة الروبوت وزرعت الكثير من الأفكار في رأسك وكلاكما لا يستطيع التمرد على النظام... النظام العام يحدد لك مواصفات زوجتك وتظن أنك حر في الاختيار النظام العام يمنح القداسة لبعض الأعراف والعادات وتقدسها دون أن تشعر النظام العام يختار لك ملابسك ونوع وجبة الغداء وعلى أي مقاس ستقص شواربك».
واختتم الرطيان كلامه قائلاً: «أنت ترس صغير جدًا في آلة اجتماعية وثقافية كبرى. الروبوت لا يشعر أنه مبرمج وأنت كذلك تحرر وانزع هذه الشريحة المزروعة في رأسك اقرأ ما كتب فيها على مدى عقود شارك في كتابة ما يجب أن يكتب. أنت إنسان أنت لست آلة».
الجدير بالذكر أن الحلقة أعادت خريطة ترتيب أوليات مشاهدات برامج اليوتيوب بين الجماهير والمثقفين العرب ولفتت الأنظار من جديد لهذه الطريقة الحرفية لتقديم الفكرة الإبداعية خارج أسوار الزاوية الصحيفية بقالب تمثيلي هذا وقد حصدت الحلقة الأولى مشاهدات تجاوزت 120 ألفًا. فيما حققت الحلقة الثانية التي حظيت هي أيضًا على أكثر من 160 ألف مشاهد التي يواصل من خلالها الرطيان أن يبدد بعض العتمة حين طرح عدة أسئلة من خلالها سنتعرف على أنفسنا هل نحن شعب متحضر راقٍ ا متسائلاً بعد ذلك هل نحن حقًا الشخصية المثالية التي نظهرها بتويتر والفيس بوك وما موقفنا من العنصرية والابتسامة والخلاف في الحوار والملابس الفاخرة والنظارة الراقية والساعة الثمينة هل نعتبرها جزءًا مهمًا من الرقي وكيف تعاملنا مع امرأة وكم اسم مستعار لدينا. وإذا ذكرت أمامنا كلمة حرية هل تكفهر وجوهنا وننظر لقائلها بريبة وامتعاض وكأنه قال «انحلال» ثم طالب الرطيان بالنظر حولنا والبحث عن إجابة للأسئلة السابقة التي ستمنحنا إجابة السؤال الأول.
وفي ثالث حلقاته «تحسس أنفك» يواصل الرطيان إسقاطاته بمشاهد مدهشة تجري بها الفكرة والمعنى بخطين سهلين ممتنعين ويحصل البرنامج على 86 ألف مشاهد من قصة تحكي عن قطع أنف حاكم لأحد البلاد البعيدة بعد إصابته بمرض خطير ولرفع الحرج عنه بعدما رأى «الحاكم» وجهه البشع بالمرأة أمر بقطع أنف طبيبة وأمر وزيره وحاشيته بقطع أنوفهم وهكذا حتى قطع أنوف كل موظفي الدولة حتى أصبح هذا الأمر عادة بحكم السلطة والعادة في هذه البلدة النائية. وبعد زمن مر رجل بهذه القرية فكانوا ينظرون له ببشاعة لأن له أنف يتدلى على وجهه ثم طالب الرطيان المشاهدين بتحسس عقولهم وأنوفهم بحثًا عن الأشياء التي تم قطعتها العادات والتقاليد بعد أن توارثناها من الأسلاف كإرث عائلي يجب المحافظة عليه واختتم الرطيان الفيديو بدعوة لتفكيك الأشياء وإخراجها من دولاب العادة والمألوف ووضعها على طاولة العقل الناقد.
نديم حرف الرطيان وقطبه الآخر في رفحا صالح الشيحي كاتب العمود اليومي الأكثر تأثيرًا بصحيفة الوطن يلحق بركب نديمه بعد ثلاثة أشهر من إطلاق الرطيان لأولى «برامجه اليوتيوبية «وكعادة الشيحي في ملامسة قيم المجتمع السعودي واحتياجاته الخدمية والإنسانية والاجتماعية التي يتناولها في الصحيفة التي تقرب من الفضيلة والعيش الكريم النبيل يتوقع أن تسير بقية حلقات برنامجه اليوتيوبي على هذا المنوال فاستعرض بدقيقتين وعشر ثوانٍ فلمًا قصيرًا توعويًا بعنوان «افعلها ولا تتردد « حصد أكثر من 45 ألف مشاهد منوهًا إلى أن هذه الممارسة سلوك اجتماعي اقتصادي يغفل عنه الجميع وذلك للتوعية بأهمية حفظ الفائض من الطعام في المطاعم مشددًا على أهمية حمله وتقديمه للمحتاجين واستخدامه في المنازل وتناول الشيحي مراحل دخول الأسرة للمطعم وإسرافها في طلب أنواع مشكلة من المقبلات وصنوف زائدة من الطعام حتى المغادرة وترك خلفها نصف الأكل لم تمسه الأيدي مشددًا على عدم ترك الفائض حتى لا يقدم مرة أخرى لزبون آخر أو يرمى في حاوية النفايات واضعًا عدة حلول للاستفادة منه من جديد من خلال جلبه للمنزل أو إعطائه للعاملة المنزلية أو سائق الأسرة أو عامل النظافة أو عامل محطة البنزين واختتم الشيحي رسالته قائلاً في دول أخرى يتكرر السيناريو نفسه ولكن جوهر الخلاف في النقطة الأخيرة ولو فعلت هذه الليلة وطلبت من مسؤولي المطعم تغليف المتبقي والخروج به وتقديمه إلى المحتاجين فلن يبقى فقير في بلادكم.