فليغادر الشعراء من متردّم! وليسأل النابغة بعد أن يقف كيفما شاء ولو عيّت جواباً! هو وصاحبه امرؤ القيس؟! وما لنا وللوقوف معهم وقد أدلج الناس وقد مللناه وما بالربع من أحدٍ! وخيارنا المضي وأن نسير حتى على أقدامنا ونطوي الأرض ونجوب أقطارها لعلنّا نرى أمتاراً أو أشباراً نمد أرجلنا فيها ونستلقي بأجسادٍ أنهكها طول التجوال وأرواح أثقلتها الهموم وتكاليف الحياة! ولن نجد أحداً من ذاك الزمان خُلّد وطال به الأمد، وحتى مما أدرك مطلع نهضتنا العربية غير ما رأينا وسمعنا في سالف العصر والأوان حكايات جميلة شوهتها أطماع نتجت عنها حروب ما يزال مسلسلها المكسيكي مستمراً! وهذه الدنيا دول علينا أن نعيشها وأن أصبحنا فلا ننتظر المساء وإن أمسينا فلا ننتظر الصباح كالمستظل بشجرة بعض الوقت ثم يرحل غير مأسوف عنها سمعناها منذ الصغر وقيلت من قرون تزيد على الأربعة عشر، ثم نقول علمتنا التجارب والأحداث!! أنظرُ بإشفاق إلى صور الغلام في حداثة العمر ثم التفت مرة أخرى إلى صوره بعد عهد مضى كطرفة عين وإذا بأخاديد السنين قد ظهرت على صفحات الخدود وبدأت جفون العيون تستخشن بعد لين الغضاضة والشعر الغجري ينحسر لطرق بدأت تتشكل في الرأس إنذاراً بالإزالة شيئاً فشيئاً، وما نتعظ على انهمار الدموع السواكب! فإذا أصبحت حلقات العمر تضيق عندها تحس أن المرايا في جنبات المنزل كثيرة وهي هي لم تتغير من قبل! ولكنّه الإحساس بوتيرة السفر الطويل وقد توقفت? بمحطة تتفقد على أثرها كل شيء كنت من قبل لا تشعر به! وأنت تهرب منها وتغض الطرف عنها وإنذار الوسوسة يبدأ يُؤرجح كفة الميزان بأن القطار المزعوم بالمرور قد فات ثم تحدّثها وإن شابت الذوائب مني فالليالي تزينها الأقمار وهي بضع شُعيرات لا بأس وإن بدى ضيفاً غريباً يطرق الباب قد لا تحب أن ترحب به! وتبتهج حين تنظر إلى من هو أصغر منك وقد غطاه المشيب! وإثبات ذلك تسلّي النفس حين تأتي من الحلاق وقد صنع بوجهك ما يتنفّس به الصعداء قليلاً فترجع تحدّثها أن مازلت غضاً حتى ولو زُحزحت? شيئاً بسيطاً عن غرارة الشباب!! ولو جبت الأقطار كلها وتغير المكان فلن تتغير علامات بعينها وكأنها تنتظرنا في هذا العمر كإشارات المرور في الشوارع فمن لا يسمع الأخبار في أيامنا هذه؟! ولكن هناك من يتلقفها كحسو الطائر ولا يلقي لها بالاً ومالنا في أعمارنا المنتصفة نظل متسمرين أمام التلفاز من أول نشرة تُذاع حتى يجنّ? علينا الليلومع تكرارها إلا أن تفاصيلها تعطي إحساساً بتغير طفيف يشجع على الاستمرار والانتظار!! ثم تكون محللاً لا يُشقُ لك غبار! هكذا فجأة!! بعد أن زوّرت في خلوتك كلاماً كثيراً! وهذه الخلوات ليست غريبة فبعضها لا فائدة منها وبعضها تلزمك الحاجة إليها! ولا أعتقد في شرّة الشباب تستمتع بذلك! ولا تحدّث النفس الأمارة بالسوء إلا أن تكون شياطينها حاضرة ولكنني اليوم أخلو بها كثيراً بهدوء الطمأنينة وبحسابات قد يكون بعضها أثقل من بعض! واسترجع أياماً خوالي ما أسرع انقضاءها! هكذا بين عشية وضحاها!
ما أسرع الأيام في طيّنا
تمضي علينا ثم تمضي بنا
في كل يومٍ أمل قد نأى
مرامه عن أجل قد دنا
كلما تقدّم العمر بنا ازددنا نضوجاً في إصابة القرارات بحكمة ودراية وهدوءاً ليس بعده عاصفة، والقناعة كنز لا يفنى وهي ليست قناعة المال هنا ولكنها قناعة العمر!! تحكي لي والدتي حفظها الله عن امرأة قبل ستين سنة بأنها إذا قيل لها: أمهل الله لكِ في العمر! قالت: قد أمهل ولم يقصّر! وهي بعد في صحة وعافية والله ما وجدت قناعة تزهد بالعمر وفيه بحبوحة من العيش أجمل من ذلك! وهذا غاية الحمد والشكر الذي نفتقده في أيامنا على تلك البساطة وضيق ما في اليد وكأنها قد اكتفت من أيامها واستقر في نفسها زوال هذه الدنيا الفانية وليس من أغناه الله من المال والولد ومع ذلك يقول هل من مزيد!!
إذا نظرت إلى الهرج والمرج في هذا العالم ثم تحسست نفسك وقد أنعم الله عليك بالصحة والعافية فقل: الحمد لله وكل شيء بعد ذلك جلل!!
زياد بن حمد السبيت - الأحساء