ما يكل ساندل أستاذ الفلسفة في جامعة هارفرد في إحدى محاضراته قام بطرح قصة حقيقية لجريمة قتل حدثت في بريطانيا في القرن التاسع عشر، وقد عرضت على القضاء آنذاك، ولأن القصة شائكة ومبرراتها قوية ومنطقية انقسم الشارع البريطاني بين مؤيد للقتل الاضطراري وبين رافض للقتل مهما كانت الأسباب.. وأثناء محاضرته لطلاب الجامعة قام بأخذ آراء الطلاب حول مشروعية الجريمة من الناحية الأخلاقية للإنسان، وهل هنالك مبررات لأن يُسلب الإنسان حياته، وهل نستطيع تبرير القتل مهما بدت الأسباب منطقية. تقول القصّة (القصة تحكي عن نجاة ركاّب سفينة «ميجنونيت»، السفينة وجدت في جنوب المحيط الأطلسي على بعد 1300 ميل من منطقة «كيب»، كان طاقم السفينة المكون من أربعة أشخاص، الكابتن «ديدلي» والمساعد «ستيفنز» والبحار «بروكز»، وتم وصف جميع الرجال بسمعتهم الطيبة وأخلاقهم العالية، والفرد الرابع في السفينة هو الخادم ويدعى «باركر» يبلغ من العمر 17 عاماً وهو يتيم وبلا عائلة، وكانت تلك رحلته الأولى). وبحسب القصة ضربت عاصفة قوية السفينة، وبذلك غرقت وقام أفراد الطاقم الأربعة بركوب قارب النجاة، كان الطعام المتوفر لديهم في عرض البحر اثنتان من المعلبات وبدون ماء، في الثلاثة الأيام الأولى لم يأكلوا شيئاً، وفي اليوم الرابع قاموا بفتح إحدى العلبتين وأكلوها، وفي اليوم التالي فتحوا العلبة الثانية والأخيرة وأكلوها وذلك مكنهم من الصمود أياماً عدّة، ثم باتوا ثمانية أيام بلا طعام أو ماء، في اليوم التاسع عشر لهم في عرض البحر اقترح الكابتن «دادلي» عليهم جميعاً بأن يقوموا بعمل قرعة ومن يقع عليه الاختيار «يُقتل» حتى ينقذ الآخرين، رفض الجميع الفكرة في البداية لأن ذلك يبدو وحشياً وغير أخلاقي، ولكن مع مرور الوقت مرض الخادم «باركر» وقرر القبطان ومساعده أن هذه هي اللحظة المناسبة لقتله، وبذلك شاركهم البحار «بروكز» رغم تحفظه في البداية، وفعلاً قتلوه واعتاشوا على جسده لأيام، وبعد ذلك حصلت المعجزة، تم انقاذ الطاقم المكون من أفراده الثلاثة من خلال سفينة ألمانية قامت بإعادتهم إلى «فالماوث» في إنجلترا، حيث تم إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم، عند استجوابهم لم يجادلوا في الحقائق أو ينكروها، وادّعوا أن تصّرفهم كان بداعي الضرورة القصوى، واستندوا إلى فرضية أن موت شخص كان ضرورة ليعيش الباقون، القاضي لم تقنعة الحجة، وقال إن القتل هو القتل مهما كانت الأسباب. هذهلقصة المثيرة تدّرس في جامعات هارفرد للقانون والفلسفة لاكتشاف البعد الأخلاقي للجريمة. المثير أنه عند طرح هذه القصة لقاعة مليئة بالطلاب يتم الانقسام بين من يؤيد هذه الجريمة وأن الإنسان مضطّر أحياناً لاتخاذ قرارات من أجل البقاء ولو لم تكن أخلاقية، والنصف الآخر يرفض القتل ويرى أنه ليس من حق أي إنسان كان أن يقرر سلب آخر حياته، فذلك ليس من سلطة البشر. وأنا أظن أن معضلة تبرير القتل سيبقى ما بقيت الحياة، فمهما اختلفت المجتمعات والثقافات والمعتقدات، سترى من يبرر القتل بيننا، إمَّا بداعي الضرورة والبقاء كما ذكرت القصة السابقة، أو بداعي الانتقام أو بداعي الكره أو فرض السيطرة، أو باختلاف المذهب أو الدين. اختلفت الأسباب لكن هل القتل مبرر!؟ كان هذا هو السؤال، وحتماً ستختلف الأجابة من شخص لآخر حتى بداخل مجتمعنا المعروف أنه مجتمع ديني، ذلك أن هنالك من يراه مبرراً ومشروعاً ,»والقاتل» لم ولن يدرك الحكمة من أن الله سبحانه خلقنا مختلفين، وأن التنوع هو سنة الحياة.
أحلام الفهمي - الدمام