فوجئت بخبر وفاة الأستاذ خالد بن حمد البسام الكاتب والباحث والمحقق والمترجم والروائي وذي الأخلاق الفاضلة.
قبل عشر سنوات وكنت في زيارة عزاء ومواساة أحد الأصدقاء وإذا بالأخ محمد الحمد البسام يهمس لي برقم هاتف قريبه الأستاذ خالد بالبحرين طالباً مني الاتصال به فهو يسأل عني..
كنت والحق يقال معجباً بكتاباته التوثيقية وترجماته لبعض الرواد وبالذات في مجال الصحافة المبكرة في البحرين ومنهم: علي سيار، وعبدالله الزائد، ومحمود المردي، وحسن الجشي، وتقي البحارنة، وعبدالعزيز الشملان.
وقبلها ما كتبه عن الذكريات الجميلة والصور التي ينقلها للقارئ بشكل جميل ومحبب مثل كتاباته عن: مرفأ الذكريات، وتلك الأيام، ورجال في جزائر اللؤلؤ، وقوافل التي تسجل لرحلات الإرسالية الأمريكية إلى مدن وقرى الخليج، وخليج الحكايات، وحكايات من البحرين، ونسوان زمان، وياز من الخليج وغيرها كثير.
وكنت أتشوق للقائه لكوني بدأت الكتابة متأخراً عن الجوانب التي يهتم بها ويكتب عنها وبالذات ما يتعلق بالصحافة القديمة والرواد، وبعض الجوانب الاجتماعية والثقافية المهمشة. سافرت للبحرين مع الصديق عبدالله محمد حسين واتصلت بالبسام الذي جاء مسرعاً وأخذنا إلى مكتبته التي تشغل شقة كاملة وبلمحة سريعة رأيت مجلدات مجلة (صوت البحرين) بشكلها المميز فأخذت اتصفحها وقلت له إنني منذ سنوات وأنا أبحث عنها وقد سألت المؤسسة التي أعادت طبعها ومركز إبراهيم الخليفة الثقافي الذي نشرها ولم أجد منهم أي إجابة فطمأنني بأنه يبحث لي عن نسخة منها. وفعلاً بعد بضع ساعات عاد يحمل لي أجمل هدية. والتي استفدت منها وجمعت كتابات أبناء المملكة الذين كانوا ينشرون بها مشاركاتهم من مقالات وبحوث وقصائد وأخبار قبل صدور أي جريدة أو مجلة في المنطقتين الوسطى والشرقية، وأعددت كتاباً قبل سبع سنوات يحمل اسم (الكتاب السعوديون في مجلة صوت البحرين 69 – 1373هـ)، واستمرت علاقتنا، وكان يأتي للمملكة لزيارة أقاربه أو المشاركة في إحدى المناسبات الثقافية. وكذا لقائي به قبل ثلاث أو أربع سنوات في معرض القاهرة الدولي للكتاب وبعد سنة كنت في زيارة للبحرين فاتصلت به فقال: إنه يرقد في المستشفى العسكري فذهبت له مع الدكتور يعقوب الجناحي واطمأنت على صحته.
وآخر لقاء معه كان قبل أربعة أشهر في منزل الدكتور عادل العلي بالمنامة, حيث قضينا وقتاً جميلاً أمتعنا فيه بالذكريات والقصص، وكان قبلها بأشهر في ضيافة الأستاذ عبدالمقصود خوجة بجدة لتكريمه في إثنينيته، ففرحت عند سماعي بتكريمه وكتبت شيئاً مما في الذاكرة عنه وأرسلته لمسؤول الملتقى كمشاركة متواضعة عنه وعن سيرته العطرة.
لقد كتب ووثق وأنصف الكثير من الرواد، وحكى باستفاضة عن جده (النجدي الطيب) سيرة التاجر والمثقف سليمان الحمد البسام، الذي لم يعرفه إلا في المدرسة عندما تكرر اسمه فسأل والدته عنه فقالت: إنه جدك.. جدك الشهير.. لا تنس اسمه منذ الآن.. أنت حفيده!
ورغم أن ولادة خالد كانت في عنيزة لدى أخواله عام 1956م ولكنه عاش حياته بالبحرين وتلقى علومه الأولى بها ثم انتقل للدراسة الجامعية بالقاهرة. وكانت المشاعر والحماس القومي على أشدها بين الشباب مما جعله يشارك بحمل السلاح تاركاً دراسته ومتخذاً اسماً رمزياً (فهد) ليخوض أولى تجاربه الثورية الحقيقية، وعلى أرض الواقع في ثورة ظفار عام 1977م لم يكن في باله أن تدريس تلاميذ الثورة وحمل السلاح هو أقل بل وأسهل مهمة قام بها. وقد بقي في مدينة (الغيظة) أقصى شمال اليمن وهي من أسعد أيامه كما يقول. وقال: «.. لقد كانت ظفار حلما، ثم كابوساً، وبعدها أسطورة في الذاكرة لا تنسى أبداً» وقد سجل هذه التجربة في رواية (مدرِّس ظفار) التي صورت من بيروت عام 2010م، وقبلها أصدر أولى رواياته (لا يوجد مصور في عنيزة) متتبعاً سيرة ثلاثة من أبناء عنيزة تغربوا وتفرقوا، أحدهم في الهند والآخر في الشام والثالث بالبحرين. وحين التقوا في آخر حياتهم أخذ كل منهم يقص قصته، وسبب التسمية أن أحدهم ذهب لإدارة الجوازات في بريدة لاستخراج جواز سفر وعندما طلب منه صور شمسية قال له: لا يوجد مصور في عنيزة. كان رحمه الله في آخر لقاء معه بالبحرين يحكي عن آخر أعماله التي يكتبها وقصة تجارة الرقيق في الخليج العربي. وذكر أن لديه مشاريع ثقافية كثيرة لم تكتمل وأنه حريص على إنهائها بعد إنجاز عمله عن الرقيق. فأرجو من أبنائه وأهله إنجاز ما لم ينجز أو إعطاءها أحد المهتمين أو إحدى المؤسسات المعنية لنشرها وفاءاً وتقديراً واعترافاً بما قدّمه للساحة الثقافية.
وقبل أن أختم قبل سنوات أسر لي أنه قد قدّم طلباً للسفير السعودي بالبحرين لاستعادة الجنسية السعودية.. وقال ليس لي بل لأولادي.. وبعد أشهر كنت مع الحبيب الدكتور عبدالرحمن الشبيلي في رحلة في عنيزة فذكرت له الموضوع، فقال إن سمو الأمير سلمان - الملك - سبق أن سأله عن باقي مؤلفات البسام لأنه معجب بكتابه (يا زمان الخليج) وأنه لو يتيسر وزار المملكة يمكنه زيارة الأمير وسوف ينال ما يريد.. ولا أدري ماذا تم بعد ذلك.
رحم الله أبا حمد رحمة واسعة وألهم أهله الصبر والسلوان.
- الرياض