ملاحظة: وقع سهوا خطأ غير مقصود في الحلقة السابقة في الفقرة الرابعة من العمود الرابع، حيث جرى دمج عنوان الفقرة مع النص والأصل أن تقرأ الفقرة هكذا:
النتائج
تشير محاولة الدولة تنظيم المجال الديني في مصر المعاصرة إلى أن قادة الدولة يمكنهم؛ إما محاولة الهيمنة على المؤسسات الوسيطة أو السعي إلى خلق علاقة تعاونية معها. اختار قادة مصر، في أعقاب انقلاب عام 1952، إستراتيجية الهيمنة واخترقوا المؤسسات الدينية في صراع من أجل السيطرة عليها. ا. هـ.
والآن نواصل مع الحلقة الثامنة من ترجمتنا لدراسة البروفيسور تامر مصطفى المنشورة في فبراير 2000 والتي ستشكل أحد فصول كتابي المترجم «الأزهر والسياسة» الذي لا يزال تحت الترجمة:
مع مرور الوقت، بدت سياسة الحكومة المصرية تجاه المؤسسات الدينية وكأنها تعاني شيزوفرينيا (انفصام الشخصية)؛ فقد تأرجحت سياستها تجاه كل من الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين بين إستراتيجيتي الهيمنة والتعاون. هذه التحولات التي تأرجحت فيها المواقف مثل عقرب الساعة هي نتيجة للعلاقة المتناقضة بين سلطة الدولة والسيطرة الاجتماعية. الهدف الأساسي للعديد من الدول النامية هو الحفاظ على السيطرة الاجتماعية ومنع بروز أي تحديات للدولة. تحقيق هذا الهدف يدفع الحكومة باتجاه سياسة الهيمنة. وعندما تملك الحكومة القدرة على السيطرة على مؤسسات وسيطة (وخاصة تلك التي تشكل تهديدات محتملة للدولة)، فمن المرجح أن تمارس هذه الهيمنة. ومن المفارقة أن هيمنة الدولة ينتج عنها تأثير معاكس على هذه المؤسسات ومكانة الدولة في المجتمع. هذه الديناميات تجبر الحكومة على عكس اتجاه سياستها، والدخول في علاقات تعاونية مع القوى الاجتماعية التي تشاركها في بعض أهدافها؛ ولكن، وكما تثبت حالة الأزهر، غالبا ما تكون العلاقات التعاونية محفوفة بالتوتر والمخاطرة، لأن المؤسسات الوسيطة تبدأ في الضغط على الحكومة لتحقيق أجندتها الخاصة. ومع تزايد هذا الضغط، تميل الحكومة إلى قطع علاقاتها التعاونية والعودة إلى إستراتيجية الهيمنة.
هذا التحليل يشكك في صحة أساليب الدولة السياسية التي تبنى على افتراض تبسيطي بأن توطيد سلطة الدولة على المجتمع سيؤدي حتما إلى إعطائها القدرة على تشكيل المجتمع كما تريد. وتشير الحالة المصرية لتنظيم الدين إلى أن المستويات العالية لفرض سلطة الدولة قسرا على الدين يمكن أن تقوّض – في مفارقة عجيبة - سيطرة الدولة على المجتمع. المشكلة الشائعة لعدم الاستقرار السياسي في العالم النامي ليست، في كثير من الحالات، نتيجة لمؤسسات سياسية ضعيفة، كما يؤكد كثيرون؛ بل إن العديد من الدول النامية هي، ببساطة، قوية جدا مقابل المؤسسات الوسيطة؛ وهو ما يغري الدولة القوية باعتماد سياسات هيمنة ذات فوائد قصيرة المدى والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى تنشيط المعارضة وإنعاشها وتقويض سيطرة الدولة على المجتمع.
هوامش المؤلف:
ملاحظة: عُرضت نسخة سابقة من هذه الدراسة في مؤتمر عام 1997 لجمعية العلوم السياسية الأمريكية، واشنطن دي سي. أود أن أشكر كل من إليس غولدبرغ وجويل مجدال وأنتوني جيل وأرانغ كشاورزيان وبن سميث وجولي تايلور وأربعة مراجعين مجهولين على تعليقاتهم المفيدة على مسودات سابقة من هذه المادة. أي أخطاء هي من مسؤولية المؤلف.
(1) لمعرفة المزيد عن التنظيم الحكومي المتزايد للأزهر والمؤسسات الدينية الأخرى في مصر، انظر عاصم الدسوقي، مجتمع علماء الأزهر في مصر (القاهرة: دار الثقافة الجديدة، 1980). وانظر أيضا: دانيال كريسيليس، العلماء والدولة في مصر الحديثة (أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة برينستون، برينستون، ولاية نيو جيرسي، 1967). وانظر أيضا: دانيال كريسيليس، بحث «الأزهر في الثورة»، مجلة الشرق الأوسط (شتاء 1996): ص ص 31-49. وانظر أيضا: بايارد دودج، الأزهر: ألف عام من التعليم الإسلامي (واشنطن، دي. سي.: معهد الشرق الأوسط، 1961)؛ وانظر أيضا: ماجدة علي صلاح ربيع، دراسة بعنوان «الدور السياسي للأزهر، 1952-1981» (القاهرة: مركز الدراسات والبحوث السياسية، جامعة القاهرة، 1992)؛ وانظر أيضا: آرثر كريس إكسل، «مصر والإسلام والتغيير الاجتماعي: الأزهر في الصراع والاستيعاب» (برلين: كلاوس شوارتز للنشر، 1984).
(2) كريس إكسل، «مصر والإسلام والتغيير الاجتماعي: الأزهر في الصراع والاستيعاب»، ص ص 73-74.
(3) باتريك دي. غافني، «الأصوات المتغيرة في الإسلام: الدعاة المحترفون في مصر المعاصرة»، مجلة العالم المسلم، مج-81 (1991): ص 30.
(4) اعتمدت سياسات مماثلة جدا في إيران من قبل رضا شاه، وفي تركيا من قبل أتاتورك. وبالرغم من أن هناك مجموعة من الكتابات عن هذه الحالات، إلا أن هناك حاجة ضرورية لدراسة مقارنة لتجارب البلدان الثلاثة. ويمكن أن تركز هذه الدراسة على مختلف الدوافع لقادة الدولة والمعوقات أمامهم، ومختلف الإستراتيجيات الدفاعية التي يستخدمها العلماء، وكيف أثرت هذه الإستراتيجيات البديلة للعلاقة بين الدولة والعلماء على عملية بناء الدولة.
(5) باتريك دي. غافني، «الأصوات المتغيرة في الإسلام: الدعاة المحترفون في مصر المعاصرة»، ص 29.
(6) مدير الأزهر.
(7) قبل إعادة التنظيم، كان الأزهر «لا مركزيا» للغاية. وكُلف شيخ الأزهر بإدارة المؤسسة بأكملها (بما في ذلك الصيانة، وتعيين مختلف المشايخ لقيادة الصلاة، والتصرف كرمز للإسلام). ولكن جرى تفويض الأدوار الرئيسة إلى مسؤولي الأزهر الآخرين. فعلى سبيل المثال، كان الشيخ القائد لكل رواق مسؤولاً عن توجيه وتأديب الطلاب الذين تحت إمرته، وكان قائد كل مذهب مسؤولاً عن الفصول التي تتعلق بمذهبه. ولمعرفة المزيد عن الهيكل اللامركزي للأزهر في البدايات، انظر دودج، الأزهر: ألف عام من التعليم الإسلامي.
(8) روبرت بيانكي، النقابوية المتصلبة: الجمعيات المهنية في مصر بالقرن العشرين (نيويورك: قسم النشر بجامعة أكسفورد، 1989)، ص 180.
(9) باتريك دي. غافني، «الأصوات المتغيرة في الإسلام: الدعاة المحترفون في مصر المعاصرة»، ص 30.
(10) مورو برغر، «الإسلام في مصر اليوم: الجوانب الاجتماعية والسياسية للتدين الشعبي» (كامبردج: قسم النشر بجامعة كامبردج، 1970)، ص 45.
(11) يمكن العثور على القانون رقم 103 لعام 1961 في كتاب «الأزهر: تاريخه وتطوره» (القاهرة، وزارة الأوقاف، 1964)، ص ص 447-503.
(12) كريس إكسل، «مصر والإسلام والتغيير الاجتماعي»، ص ص 499-500.
(13) دانيال كريسيليس، «العلماء والدولة في مصر الحديثة»، ص 346. المديرون العسكريون المؤقتون كانوا: كمال الدين رفعت (11 فبراير 1959-23 أكتوبر 1959)؛ وأحمد عبد الله طعيمة (24 أكتوبر 1959-17 أكتوبر 1961)؛ وحسين الشافعي (18 أكتوبر 1961-23 أكتوبر 1962). هؤلاء الثلاثة كانوا من الضباط الأحرار ومسؤولين مهمين خلال عهد عبد الناصر. طعيمة، على وجه الخصوص، كان عبد الناصر قد كلفه، في وقت سابق، بتأسيس «هيئة التحرير» والحصول على دعم النقابات بعد انقلاب 1952. نجاح طعيمة في تنظيم هيئة التحرير وتعيينه لاحقا مديرا عسكريا للأزهر يشير إلى أن ناصر كان جادا بشأن الحاجة لمراقبة الأزهر والهيمنة عليه.
(14) كريس إكسل، «مصر والإسلام والتغيير الاجتماعي: الأزهر في الصراع والاستيعاب»، ص 509.
(15) يلاحظ إكسل أن معدل هذا الاستنزاف لا يمكن أن يُعزى إلى تقاعد علماء الأزهر؛ لأن العديد من أقدم علماء الأزهر لم تتم إزالتهم، خلال هذه الفترة.
(16) كانت هذه إستراتيجية قادة الدولة حتى قبل انقلاب 1952. انظر: دانيال كريسيليس، «العلماء والدولة في مصر الحديثة»، ص ص 290-327، لمناقشة عن التنافس بين الشيخين محمد مصطفى المراغي ومحمد الظواهري.
(17) المرجع نفسه، ص ص 441-47.
(18) جون إسبوزيتو، «الإسلام والسياسة» (سيراكيوز، نيويورك: قسم النشر بجامعة سيراكيوز، 1984)، ص 130.
...........................................يتبع
ترجمة وتعليق: د.حمد العيسى - المغرب
hamad.aleisa@gmail.com