سنلحظ في هذا الصوت الصامت اعتماد حروف عربية متعددة استعملت لنقله ووضعه. فهذا الصامت ذو أصل لاتيني يُقابله في اللغة اليونانيّة الحرف الذي يُنطق بـ (غمّا). وقد عُرّب هذا الصوت قديماً في المصطلحات اليونانيّة واللاتينيّة بحرفي (غ) و(ج)، إلا أن تعريبه بالحرف الأول كان أغلب بالأمثلة من الحرف الثاني، ومن أمثلة هذه الغلبة في اليونانيّة: gagatês بـ(غاغاطيس) وgingidion بـ(غنغيديون) وgongylé بـ(غنغيلى)، أما في اللاتينيّة فمن هذه الأمثلة: galbus بـ(غابّس) وgallina بـ(غلينة) وgramen بـ(غرامن). وعليه فإن منهج النقل الصواتي عند العرب القدماء يجعلنا نشعر بأن محرك البحث google حري به أن يكتب بغوغل ومن ثم جوجل وفقا لتلك الأغلبية التراتبية.. (لمزيد من هذه التفاصيل: انظر إبراهيم مراد. منهجية في تعريب الأصوات الأعجميّة، مجلة المعجميّة، ع1، 1985، ص35).
وقد أشار مجمع اللغة العربية في أحد قراراته بأن الحرف (g) اللاتيني يُرسم في الكلمات التي يُعربها المجمع نفسه جيمًا أو غينًا. وفي ذلك نلحظ أن مجمع القاهرة قد عمد إلى تحديد أقرب صوتين عربيين للصوت g دون وضع قيد لتعريبه (انظر: محمد رشاد الحمزاوي. أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1988، ص219). وهناك من يدعو بكاف فوقها شرطة (گ) على منهاج الفارسيّة القديمة، وهو منهج غير علمي، ولا تحتاج العربية إلى ذلك نظرًا لغناها في الأصل بمخارج صوتية لهجية عربية قحّة تفوق المخارج الفصيحة المعروفة، وتتقارب ومعظمَ متغيرات الصوت لأصوات لغات العالم.
وإذا قبلنا الطريقة التونسيّة في تعريب هذا الحرف، وهو تدوينه بحرف (?) الفاء المثلّثة، لكان ذلك عسفًا لواقع الأصوات العربية في الأصل، وهو واقع لا يحتاج إلى زيادة حروف العربية من أجل تمثيل النطق الصوتي المحدد، لأن التغير الألوفوني الصوتي للصوت الواحد ظاهرة طبيعية في كل اللغات، وحرف v نفسه في الإنجليزية والفرنسية يتغير نطقا بعوامل لهجية ولغوية اجتماعية عديدة.
ويشير مصطفى الشهابي إلى أن حرف (g) قد نُقل إلى العربية بالجيم والغين والكاف الفارسيّة (گ) والجيم بثلاث نقط (چ). واستناداً إلى ما نلمسه من تعدد الحروف العربية مقابل الصوت الأعجمي (g) فإننا نستبعد أمر التوحيد فيها لأسباب تبدو متعلقة بنزعة التنوع الثقافي العربي داخل كل إقليم لهجي، له نزعته من ناحية المبدأ التواضعي الطبيعي الاعتباطي. وبما أنّ مجمع اللغة العربية يكرر أهمية الالتزام بنهج العرب في تعريبهم فإني أرى فيما وضعوه في نقل هذا الحرف، سواء بالجيم أو الغين، ما يخالف مبدأهم هذا، فنحن نعلم أن أغلب الحروف العربية المستخدمة في نقل الصوت (g) هو الغين وليس الجيم عند القدماء، فدعوى المجمع بالالتزام بما فعله العرب في النقل والترجمة والتعريب أمر مخالف بدعواهم نحو اختيار الغين أو الجيم تعريباً للصوت الأعجميّ (g).
وكان الصوت C اللاتيني يقابل الصوت اليوناني G، في النطق بـ (غمّا)، أي بالغين، وبعد دخول الصوت G من اليونانيّة إلى اللاتينيّة عوّض الصوت K بالصوت C لمقابلة النطق (كبّا) اليوناني. وعليه صدر قرار في الجلسة الرابعة والثلاثين في صباح يوم الأربعاء الموافق 3مارس 1937 في مجمع اللغة العربية بالقاهرة يتضمن الاتفاق على تعريب حرفي (c) و(k) قافاً في العربية من الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب ونلينو، غير أن الأب أنستاس ماري الكرملي قد اقترح حرف الكاف لأنه-في نظره-أخف من القاف. ورأى الشيخ أحمد على الإسكندري استخدام حرفي القاف والكاف معاً لأن العرب كانوا يعربون بهما فيقولون: قليوباطرة وكليوباترة (انظر: مجمع فؤاد الأول للغة العربية (مجمع اللغة العربية بالقاهرة حالياً). محاضر الجلسات، دور الانعقاد الرابع. القاهرة 1939، ص413،412).
ويذهب كل من محمد رشاد الحمزاوي وإبراهيم بن مراد مذهب مجمع اللغة العربية في تعريبهما بالقاف فقط (انظر إلى الملحق الأول الخاص بطرق تعريب الأصوات الأعجميّة الصامتة لمحمد رشاد الحمزاوي، في سبيل نظريّة مصطلحيّة عربية ممكنة، مجلّة المعجمية، ع8، 1992، ص39).
وفي اللغة العربية نجد حرفاً قد صنّفه سيبويه في كتابه «الكتاب» ضمن الحروف التي لا يُستحسن استعمالها في قراءة القرآن وفي الشعر، وليست ظاهرة في لغة من تُرتضى عربيّته، وهو الكاف التي بين الجيم والكاف. وفي صدد وصف سيبويه ندرك أننا أمام صوت غير موجود في اللغة العربية العليا والمستغرقة في النموذجية. وحول تعريب الصامت (g) نجد أنه قد وُضع له حرف (الغين) بناء على الأغلبية في منهج العرب القدماء-كما ذكرنا-في تعريب هذا الصوت في القديم. وتعريب الصامت (g) بالغين أدق من تعريبه بحرف الجيم؛ لأن النطق به في اللغة الإنجليزية شبيه بصوت الجيم القاهريّة.
وخلاصة كل ما قيل هو أن الصامت g غالبه الغين ومن ثمة الجيم، وليست ثمة منهج عربي في نقله بالقا ف، وهنا الخطأ الكبير في تعريب هذا الصامت كما في google بقوقل! ولم يستعمل القاف في منهج العرب القدماء في نقل الأصوات إلا لمقابلة الصوت K اليوناني والصوت C اللاتيني.
وبما أن صوت الغين أغلب من الجيم في منهج العرب القدامى، فإن إعمال الغين أولى، ومن ثمة الجيم، ولا غيرهما يعد مقبولا من الأصل في المناهج الأصولة والفرعية في تعريب الأصوات قديما وحديثا. وكذلك لابد من التنويه إلى أن الجيم القاهرية ليست لهجية محضة، بل هي فصيحة كونها قارة نطقا في العربية المصرية القديمة.
إذن: لا حاجة إلى أن نكتب القاف للصوت g ونقول قوقل أو بيرمنقهام أو أو بيرقهام يونج أو غيرها؛ كونه غير تابع لأي منهجية لغوية عربية في أدبيات التعريب الصوتي العربي في القديم والحديث.
د. سلطان المجيول - الرياض