المرتاد لمواقع التواصل الاجتماعي لا يحتاج إلى المزيد من التفكير؛ لاكتشاف غياب مهارة التحليل، والتفكير الناقد عن مسرح التواصل هناك؛ مما يجعل تلقي المعلومات من مثل هذه المواقع؛ يمثل خطورة على أمن واستقرار المجتمعات.
في هذه المواقع يمكننا أن نتنبأ بأيّ ردة فعل ممن لا يجيدون فنون النقد للمطروح، وينظرون لهذه المواقع على أنها مواقع (دردشة) يبيح لهم الاختباء خلف أسماء مستعارة أو حتى حقيقة ليست لهم؛ لنفث السموم المجتمعية من تأجيج، وبالتالي يسهل عليهم قول ما يشاءون متى يشاءون، دون حسيب، ورقيب كما يظنون!
هذه المواقع أظهرت أخلاق القوم أيضًا من المثقفين الصابرين والمناقشين، وحتى أولئك الذين يلعبون على وتر التشويه، والتدليس ضاربين بالأخلاق الإنسانية عرض الحائط وطوله.
هناك نجد الرأي الانطباعي الأولي الذي لم يُبَن على أسس علميّة، مما يجعل لفظة (المدرعمين) تصدق على بعض المستخدمين لتلك التقنية.
نرى الرأي الحكيم الناقد؛ يُلتهم وسط زحام الغوغائية، والفوضوية، فالكل يتحدث في نفس الوقت دون أن ينصت أحدهم للآخر، ويتفهم ما يقول.
وحتى نكون في مأمن من خطورة تلك المواقع علينا أن نتعلم، ونُعلّم كيف نتسلح بمهارة التفكير الناقد؛ القائمة على مهارتي التحليل والتقييم.
فتحليل الأخبار، والمعلومات يقوم على تجزئة لخبر الواحد إلى مكونات صغيرة نبحث من خلالها عن قيمة، وعلاقة كلّ مُكوّن في الخبر بغيره، ثم نخضع هذا التحليل للتقييم؛ الذي يكون عبارة عن إصدار الحكم استنادًا إلى معايير قائمة على قياس أمر بأمر، أو توصيف واضح للأمر يسهل معه إصدار الحكم وبالتالي التقييم.
بعد هاتين المرحلتين (التحليل، والتقييم)، تأتي مرحلة التفكير الناقد للمعلومات المحلّلة، والمقيّمة، فيسهل علينا الاختيار، والترجيح بين الخطأ، والصواب، والصواب، والأصوب.
لتفكير الناقد للمعلومات- كما يصنفه الخبراء- هو نشاط عقلي مهم للفرد، يحميه من تقبل المعلومات الساذجة، والانحياز لها، كما يحميه من التأثر الذي يصل به إلى درجات متدنية من السطحية، يتعبه مجرد التفكير في التفكير.
هذا النمط من التفكير ليس وليد العصر، فهو ما كان عليه السلف الذين قدروا قيمة «أفلا يتفكرون» التي حثنا الخالق- عزّ وجلّ- عليها في محكم التنزيل.
هذه العملية تتضمن عدة عمليات عقلية في آن واحد، هي:
1- القدرة على التمييز.
2- القدرة على إصدار الأحكام.
3- توليد الأفكار الإبداعية التي تحد من التأثير السلبي للمعلومات الكاذبة.
هذه العمليات العقلية تسم أسلوب صاحبها بالرجاحة، وتصنع له جمهورا واعيًا نظير تميزه، فأبرز مميزات الأشخاص الذين اعتادوا على إعمال هذا النوع من التفكير كما يقول الخبراء:
1-التمييز بين الحقائق التي يمكن إثباتها.
2 ـ التمييز بين المعلومات والادعاءات.
3 ـ تحديد مستوى دقة العبارة.
4 ـ تحديد مصداقية مصدر المعلومات.
5 ـ التعرف على الادعاءات والحجج.
6 ـ التعرف على الافتراضات غير المصرح بها.
7 ـ تحديد قوة البرهان.
8 ـ التنبؤ بمرتبات القرار أو الحل.
هذا القارئ الواعي الذي يستثمر عقله بإعمال التفكير الناقد للمعلومة، والخبر؛ لا يسهل اختراقه؛ كونه يتسم بالوضوح، والدقة، والربط، والعمق، واتساع النظرة الشمولية للأمور والحياة.
هذه هي النتيجة التي نتمنى أن نصل لها جميعًا كلّما ارتدنا هذه الفضاءات المفتوحة، بنواياها العارية، وأساليبها المستترة.
إنّ مهارة التفكير الناقد ليست مهارة معقدة -كما يظن البعض-؛ فهي في أبسط صورها كما يقول جون ديوي: «التمهل في إعطاء الأحكام، وتعليقها لحين التحقق من الأمر».
التريث لحين التثبت قبل أن نطلق الشرر، والهجوم من مجرد (وسم)، أو خبر ملفق: هو منهج ديني؛ سار عليه أسلافنا الأوائل؛ الذين أورثونا كلّ هذه العلوم التي نباهي العالم بها.
فحري بنا أن نجعل منه منهجًا لحياتنا الراهنة، في وسط هذا السيل الجاري من الفتن، حتى لا يجرفنا إلى وادٍ سحيق، فنكون من الخاسرين.
د.زكية العتيبي - الرياض