يبدو كل شيء مهتزًا، الحبل الذي تتدلى منه الثريا بسلك ملتف مثل أفعى شعار الصيدليات، حبل؟ ربما تحاول الثريا شنق نفسها أو الانتقام من الضوء الذي يشتت العتمة المباركة، عبر أشعته المتسللة من زجاج المصباح الرديء!
يتحرك السقف بطريقة تشبه تمايل طبق حلوى الجيلاتين، لكنه ذو لون غريب، لم يسبق لي أن رأيت جيلاتين باللون الأبيض! لا يبدو أن في ذلك مشكلة بالنسبة له، يتابع ابتهاجه مرددًا «مانترا» أغنية ظلت في ذهنه من بقايا حفلة الليلة الماضية الصاخبة، مبددًا بها صداع لحظات النهار الأولى، دافعًا الرغبة بالبكاء حتى نهاية اليوم.
الأرض ببلاطها البارد المتعب من قرع الأحذية النتنة ترتج أيضًا وتدور حول نفسها محاولة العثور على الفرق بين رأسها وقدميها، لو كانت ترتدي حذاء - ليس نتنًا بالضرورة رياضيًا في الغالب - لكان الأمر أسهل فيما يبدو! لكن هل هناك فرق حقًا بين الرأس والأقدام بالنسبة للأرض؟ هي في النهاية كرة، والكرة بطريقة ما دائرة ملتفة، الكرة أكثر انتفاخًا من دائرة، وأقل ضياعًا من مثلث!!
يدور المجداف الوحيد هو الآخر بحثًا لنفسه عن موجة لا تصيبه بدوار البحر، عبثًا! يتخيل نفسه في حياة أخرى مثل مستقيم متطاول ممتد بلا نهاية ولا بداية، ذراعاه قادران على احتضان الأرض، لولا أنهما من خشب. تعيده إلى الماء موجة عجولة، تريد إيصال المتسابق سريعًا إلى خط النهاية استعدادًا لجولة أخرى، دون أن يتسنى لقطرات العرق المنسابة منه أن تجف!
يستلقي قلم التخطيط الفوسفوري اللون بين صفحات الكتاب المنتفخ بأوراق الملاحظات والتعليقات بألوانها المتعدّدة، كلها تمنح الصفحات بهجة المهرجان وروح الاحتفال، تبدو مثل لون ثوب العروسة في مدينة الملاهي، تمد ذراعيها وسع الأفق وتتمايل حتى نهاية الجولة، صامدة ومتينة لا يمكنها أن تصاب بالغثيان ولا برهاب المرتفعات، لكن الكلمات لا تتحلّى بروح العيد هذه، تترنح برتابة مثل صفوف نمل عنيد!
لا يمكن ترتيب الوقت كما ترتب الملفات في خزانة ذات واجهة شفافة، تهجم اللحظات – معضلتي اللدود - بشراسة مظهرة براعة في الاهتزاز والفرار دون أن يتسنى لي عدّها على الأقل! فلا نجد - الوقت واللحظات والكتاب والسقف والمجداف والأرض والمصباح وأنا- حلاً سوى أن نطفو في فضاء يرتجّ على نحو مدهش!
يقين: وجه أمي؛ الثابت الوحيد في عالمي المترنح!
بثينة الإبراهيم - الكويت