«قد أحكمت الروح الفاوستية قبضتها على عنق الإنسان. لقد باع روحه للشيطان، واستحال إلى كائن هش من طين قابل للكسار».
غوته
في هذا العماء المسمى حياة ما من تمايز في هباتها بين الذكر والأنثى، ولا في سياط الألم الذي توزعه بسخاء مفرط على مساحات الأرواح الهشة فينا، ولا في تبشيرها اليومي لنا بوعد الجحيم.. الجحيم لكل الذين يمتلكون الأرواح الكبيرة والمفرطة في البياض.. لكأنها تقول لهم: لِم كنتم صادقين في عالم متلون؟ وما هكذا أرادتكم الحياة.
وحتى تلك الرشاوى التي تقدمها أحياناً على شكل هبات صغيرة، لا تليق أبداً بالنفوس الكبيرة، ولا كل هذا الألم، ومن هذا الذي يبيع ذمة الروح مقابل وعد لن يصل..؟ مقابل فرح سريع ينطفئ، ومن هذا الذي يهب هذه الحياة الأمان؟
ونعرف اليوم أننا لسنا أمينين مع الأمل، ولا مع الضوء الذي يفض سواد الليل كل فجر، غير أننا لن ندعي امتلاك إيمان الملائكة المطلق، ولقد تيقنا أننا قد هرمنا من أجل لحظة لن تأتي، وأن كل الطرقات التي سلكنا مضت بنا للجحيم.
وسأدعي أنهم وحدهم العائدون من الجحيم، يعرفون طرقات الوحشة ومفازات الحنين الخالية التي عبروها دون عون عدا ما كانوا يتزودون به من العزاءات المستعملة ونصف التلويحات الفائضة التي استعاروها من أولئك الذين زرعوهم في مقاعد الانتظار ثم نسوهم.
والعائدون من الجحيم غالباً ما يكون رصيدهم من الأمل صفراً، وهم مقامرون بكل الذي معهم.. حتى بهذا الأمل الصفر وبكل مخزون الكذب الهائل الذي حاولوا الاحتماء به.. الكذب الذي لم يعد يليق إلا بعاشقَين أقسما يوماً حانثين على الخلود، وكلاهما يعرف منذ البدء أنه يكذب، وأن الحب لا ينمو إلا في سجل الأوهام.
القليل من الطيبين يطالبوننا بأن نصالح وأن نتصالح مع الحياة، وأنها هي هي بكل هذا اللاعدل..الطيبون وحدهم قادرون جداً على الغفران والتسامح، ولكن هل نفعل نحن؟
ومن يصالح في هذا العماء المسمى العالم، الذي لا سماوات فيه لطيران الحمام، ولا شرفات لبوح الياسمين، ولا حتى التبشير بغد.. الغد الذي يغني له كل الصغار كل مساء.
أنا لن أصالح، وما عاد من ثمن يستحق، ولا أمتلك سوى الحبر والصوت، وأعرف أن كل الأصوات لن تؤجل القيامة يوماً آخر.
ورغم ذلك لن أصالح.. أنا لن أفعل.
واغفروا اليوم فكل الطرقات إياب.
عمرو العامري - جدة