أدب اللغة الأردية أدب زاخر، ومن المؤسف حقاً ألا تكون هناك صلات ثقافية وثيقة بين الناطقين بها من شبه القارة الهندية وبين العرب؛ صلات تنتج أدباً عربياً مترجماً شعراً، ونثراً، ورواية..
***
حاولت قبل مدة أن أتخيَّر من الأدب الأردي مقتبسات عن الأم، بحثت ووجدت بعضها سائبة في العالم الشبكي، تتبعت مصدر ما وجدت ولم أفلح، ولقد قمت بترجمتها كونها مقاطع أدبية مؤثرة..
***
أمي كانت كاذبة
.. ماتت أمٌ لطفل لم يتجاوز الثامنة من عمره، فتزوج أبوه بثانية، وسألهُ ذات يوم: ما الفرق بين أمك القديمة، وأمك الجديدة؟ فرد عليه بكل براءة: كانت أمي الحقيقة تكذب عليّ، أما الثانية فهي صادقة فيما تقول، سأله أبوهُ والحيرة تملؤه: وكيف ذلك يا بني؟
قال: عندما كُنْتُ ألعب وأُغضب كانت أمي تقول لي: لو لم تنتهِ عن عصيانك لي، وطغيانك علي؛ لن أُطعمك، ولم أكن آبهاً لقولها، إذ كانت تخرج هائمة على وجهها باحثة عني في أزقة القرية، وتعيدني إلى البيت وتُطعمني، أما الآن عندما ألعبُ تقولُ لي الأم الجديدة: إن لم تنتهِ عن اللعب، لن أُطعمكَ، وها أنا جائع منذ يومين..
النشال
نزلتُ من الحافلة؛ فتشتُ جيوبي، تفاجأت بأن أحدهم قد سرقني، وما كان في جيبي حين نُهبت سوى تسع روبيات، ورسالة كنت كتبتها إلى أمي:..»أمِّي! فُصلتُ من عملي، لا أستطيعُ أن أرسل إليك هذا الشهر المبلغ المعتاد»..
كنت وضعت رسالتي هذه في جيبي منذ ثلاثة أيام على أمل أن أرسلها في وقت لاحق، وبالرغم من أن الروبيات التسع لا تساوي شيئاً؛ لكن الذي فصل من عمله؛ وسُرق ماله تساوي هذه الروبيات في نظره 900 روبية..
مضت أيام، وصلتني رسالة من أمي، توجست خوفاً، وقلت في نفسي: لا بد أنها طلبت المبلغ الذي اعتدت إرساله لها، لكنني عندما قرأت الرسالة احترت كونها تحمل شكرها لي، قائلة: «وصلتني منك 50 روبية عبر حوالتك المالية، كم أنت رائع يا بني، ترسل لي المبلغ في وقته، ولا تتأخر بتاتاً»..
عشت متذبذباً لأيام، مَنْ يا ترى أرسل هذا المبلغ إلى أمي؟ وصلتني بعد أيام رسالة أخرى بخط يكاد يُقرأ، كتب فيها صاحبها: «أضفتُ إلى روبياتك التسع، إحدى وأربعون روبية كنت قد جمعتها؛ وأرسلتها حوالة مالية إلى أمك، فكرت في أمي وأمك، فقلت في نفسي: لماذا تبيت أمك أيامها طاوية على الجوع... تحياتي».. أنا صاحبك الذي انتشلك..
أمي
كتب الباكستاني أديب مرزا في كتابه: المصباح الترابي:...كان أبي يضربني، وكانت أمي تنقذني منه، فقلت في نفسي: ما الذي سوف يفعله أبي إذا ضربتني أمي ذات يوم؟!
ولكي أرى ذلك عصيت أمي حين قالت لي: اجلب لي حليباً من السوق، فلم أذهب، وحين جلسنا للغداء وضعت في قصعتي إداماً قليلاً فطلبت منها أن تزيد، وأمرتني بأن أجلس على كرسي صغير وأتناول طعامي، ولكني فرشت على الأرض وجلست، أوسخت ملابسي عمداً، وتحدثت معها بلهجة فظّة..
كنت أتوقع أن أمي سوف تضربني لا محالة، لكن الذي حصل أنها حضنتني بقوة، وقالت: يا ولدي! ما بك؟ أمريض أنت؟ حينها انسابت دموع غزيرة من عيني لم أستطع أن أكفكفها..
راسخ الكشميري - مكة المكرمة
raasikh@gmail.com