هل الحياة خطة؟!
سأحبّ فلانا وأحببه بي، وسأكره فلانا وأكرّهه بالحياة! وكأن فلانا الذي سيُحَبّ و يُكْرَه تحت إمرة هذا الأفدغ - لأننا ببساطة لا نتفاعل مع حب ليس عفويا ولا نقاء في من أمامنا وإنما سيطرة وحسب -، وسيمشيان على خطته بكل حب وتقدير لجلاله وعظمته!
سأمتطي خيل القوّة، وأبيد من يقف في وجهي! وكأن أفدغنا السالف ضامن أن من أمامه لا يتقنون إلا الضعف!
سأتظاهر بالضعف والخنوع، وأخفي في داخلي الشرّ الغضوب! وكأن من أمامه ناقصي العقول والإدراك والإحساس، عداه المتربّع على عرش العقل والوعي والتحكّم!
سأحيا سيدا، وسيكون من حولي أدوات في يدي - سيدهم الأعظم - وكأن من أمامه بلها عبيدا لا يفقهون أمر ظمئه للتسيّد والظلم!
سـ و سـ ... إلخ من جنونيّات المجانين الجشعين وليس المجانين غير الجشعين إذ هؤلاء نفعهم متعدّ إلى الإنسانية وليس لأنفسهم وحسب.
النهم للإمرة، والتخطيط لجعل الحياة والأحياء خدم لنا على الدوام - دون أن نعطي بل بالأخذ فقط - ليس إلا جشعا منا، وأحلام يقظة تعاكس الفطرة وسنن الحياة التي لا تسير وتستقيم الحياة إلا بها، ونفوسا خبيثة طبعت وتشكّلت على أنانية فظيعة - تؤمن بما لها لا بما لغيرها، وكأن الحياة وهبت لها الحقوق وأوجبت على غيرها الواجبات - وورّثت هذه الأنانية الحقد في تلك النفوس البذيئة؛ فمن يحق الحق ويرى بعين طبيعية وفطرية وقانونية وباختصار من لم يكن عبدا لها ولشبقها الحقدي التحكميّ، تراه مجحفا في حقها، ومن ثم تقيم الحرب عليه، لا لفائدة تجنيها بل خسارة تتعنى بها، وما أحوجها إلى الخسارة الشعواء إلا الحقد وهوس الإمرة دون أدنى داع غيرهما.
الجشع يفوّت عليك الحاضر والمستقبل، ويجعل منك إنسانا بماضٍ تعسٍ، ملؤه الاستغلال - الذي يجعل كل من حولك كارهين لك أعداءك في السر والعلن - والإساءات إلى عباد الله من أجل السير في خطتك التي رسمتها بمداد من طمع وكيل من غباء سببه مرض نفسك لا غباء عقلك.
إن التخطيط السليم، وشيئا من الأهداف التي تناسب القدرات وتتناسب مع الظروف والأحوال شيء مطلوب، بل محبّذ، والتخطيط لكسب قلوب بشر اضطرتنا الحياة للعيش معهم ولابد من مفارقتهم لهو من سويداء الحكمة والذوق، بيد أن الخيال الجهنمي، وحلم الخلافة، والتحكم في حيوات الناس ورغباتهم بل حتى قسرهم على أن يحبوك ويقتنعوا بك، ليس من ذلك في شيء. فلنفصل بين الأشياء بشجاعة، ولنعي أننا مجرمون إذا كنا مجرمين، ولا نلبس عدوانيتنا، وخللنا النفسي والخُلقي، وشبقنا للسطو، بمسوح الخير وحسن الإدارة والتخطيط والتعامل الذكي مع الحياة والناس... إلخ.
لقد كان المتنبي الشاعر، ثيمة تاريخية وثقافية في عالم الجشع والتخطيط الغبيّ للحياة، الذي كل يعي غباءه ويضحك عليه عدا صاحبه! والذي جعل من حياة متنبي المديح والتملق عبدا لرغبته مفوّتا ما من شأنه أن يصفّ به في مصافّ العظماء المخلصين النافعين للإنسانية وليس عظماء الشهرة ومرضى السلطة الخافتين في القلوب بأسرع ما يكون !.
الحياة إحساس وجمال قبل أن تكون نهبا وتحسبا وتخطيطا، فهل رأيت الإحساس يسطيعه تخطيط أو يقدر عليه جَشِع؟!.
خاتمة.. الحياة خليط معقّد، أصعب بكثير من خليط عقار طبّي معقد أرهق باحثيه بحثا وتجارب قبل أن يخرج في حلته الأخيرة، وبسلبياته ومضارّه التي لا يستطيع الانعتاق منها..!
** ** **
1) أمل دنقل
ميمونة الربيش - الرياض