الدراما القصصية التاريخية هي مشاهدة حية أكثر أبعاداً حقيقية تكمن في الواقع المجرد من الخيال كالذي نعيشه الآن بثلاثي الأبعاد!
فتجسيد الشخصية وتقمصها في الزمان والمكان يضفي مشهداً تكاملياً للصورة النمطية التي تعيش في عقلية القارئ من كتاب تاريخ الطبري أو ابن كثير أو أي من كتب التاريخ وكأنّ آلة الزمن قد أرجعتك إلى كان يا ما كان! ولا شك أن الدراما التاريخية قد حصدت متابعين بالملايين وعرّفت الناس بشخصيات لم يكن بوسع الكتاب المقروء أن يصل إليهم بأي طريقة ما لم تكن بحجم الإعلام المرئي، وهو نجاح منقطع النظير للدراما لكن ليس في كل الأوقات فتارة تتضافر جهود فريق العمل فيكون النجاح والتميز حليفهم وتارة يخفق الفريق أو أحد أعضاءه فيفشل فشلاً ذريعاً !!
ومن أهم نجاح العمل :
- كتابة القصة بالحوار والسيناريو بدقة وبأسلوب متميز وللأسف في العمل الدرامي الموجود لا يهم صدق الحدث بقدر إخراجه بصورة جميلة حتى ولو كان غير صحيح، وثمة أمر آخر وهو تعدد الروايات للحدث الواحد فتجده يأخذ أضعفها، إِذْ كان يوافق السيناريو ويترك الأقوى في سبيل نجاح النهايات أو إظهار البطل بمظهر الوقار خوفاً من القيل والقال ! وهذا أيضاً ليس في مجمل الأحداث كيوم ذي قار، فإنَّ الذي بارز المسوّر الأعجمي يزيد بن حارثة أخو بني عمرو بن يشكر في جميع المصادر وليس شيبان بن مسعود بن هانئ! فلا تدري من أين جاء بشيبان !! ولكن حتى يضفي شجاعة قرار وعزيمة للنزال وقد حمي الوطيس لدى المشاهد أكثر من الكاتب وهو في بطن المعركة فأولى أن يأمر هانئ بن مسعود ابنه ولا يخيب ظن من وراء الشاشة! وكحادثة الأصمعي وجارية أبي جعفر المنصور في قصيدة صوت صفير البلبل! وهذا معروف بعدم صحتها ومع ذلك يستحضرها وليد سيف في حلقات أبي جعفر المنصور!! وقس على ذلك الكثير! والمشاهد يحفظ كل ذا بيقين أنها الحقيقة إن كان غير مطّلع أو متخصص!
- الشخصيات : وهذا عنصر قد يكون الأهم حيث أداء الشخصية بشكل صحيح بهيئتها وأسلوبها إنما يذهب بك إلى محاكاتها كواقع مختزل في الذاكرة وكأنّ الصورة التي رسمتها في الزمان والمكان إن لم تكن من تشاهدها فما بلغ عشر النجاح واختيار الشخصيات في الدراما التاريخية عسيرة جداً، لأن مخارج الحروف والتحدث بالفصحى بطلاقة لا تتأتّى إلا لبعض الممثلين من دول معينة أو من يملك موهبة أو توارث بالسليقة! ثم تأتي اختيار الشخصية الدقيقة التاريخية فعبد الملك بن مروان ليس الحجاج بن يوسف وهذا أيضاً ليس سعيد بن المسيّب وأبو جعفر المنصور يختلف عن أبي مسلم الخراساني، والآخر غير الحاجب والوزير!
فإنَّ الشخصية بملامحها وتقاطيعها وحدّتها وحركاتها ولغتها إن لم تكن مطابقة فأنت خارج الزمن الجميل!! وإنما هو تصنّع وتكلّف باهت لا طعم فيه ولا رائحة ولا لون.
الإخراج : وهو ثالثة الأثافي فإنَّ القِدر لا يكون على اثنتين وإلا سقط بسهولة ويسر والإخراج فن وموهبة كالأداء لأنك إن لم تحسن اقتناص اللحظات والمواقف وتصوير الخيال كواقع ثلاثي الأبعاد كما ظننته في مخيّلتك، فعندئذ يحق للمشاهد أن ينصرف إلى ما هو غير ذلك! فإخراج المكان أولاً يكون بطبيعة ذاك الزمان وأن لا يشوبه خلل الحاضر بكل خاماته!! فهما توأمان لا ينفصلان حتى بجراحة! وإخراج الشخصية بهيبتها وسمتها ووقارها يبلور العمل بنجاح متميز فنياً حتى يدخلك في أجواء السرد القصصي التاريخي بإحساس الواقع المتمثل في عباءة الدراما الحقيقية، فتعيش زمناً قد سرح بك خيالك يوماً وأنت تتصفح تاريخ الطبري وأن تعيش أيَّامه ولو يوماً واحداً بكل سماته وألوانه بحلوه ومرّه وأن تعرف تاريخ الأمة على حقيقتها الرائعة.
زياد بن حمد السبيت - الأحساء