إن إنتاج فيلم وثائقي عن الباحثة والدبلوماسية التي شغلت العالم في عشرينات القرن العشرين «جيرترود بيل» والمعروفة باسم «مسز بيل» يدلل ليس فقط على أهمية هذه الشخصية الأسطورية، لكنه يحمل دلالات أخرى تتعلق بنمط تفكير القوى العالمية المهيمنة على الكثير من بلدان العالم الثالث بتاريخ تلك المنطقة وشعوبها بالرغم من كل ما حصل وما حدث وما يحدث من أعمال درامية يشار فيها بأصبع الاتهام نحو ما يسمى بالبلدان الإستعمارية. فإن الرسالة التي وردت إلى وزارة الثقافة العراقية من شركة LLC الأمريكية لها دلالات ثقافية وحضارية كبيرة.
جاء في رسالة الشركة الموجهة لوزارة الثقافة العراقية «مؤخرا كانت لنا فرصة لوصف الفيلم لـ جوكين كراج مدير ANSTEA يعتقد بأن وزارة الثقافة العراقية قد تكون مهتمة في المشاركة في الفيلم وتزويدنا بالمواد المحفوظة في العراق وإغناء المشروع كاملا بإضافة نظرة عراقية لهذه الشخصية ولتلك الحقبة الزمنية من تاريخ العراق. ويقترح «كراج» بتقديم نبذة مختصرة عن «رسائل من بغداد» وخططنا لها لبلورة هذه الفكرة. ونتشرف بأن السيد «كراج» قدم عرضاً لتقديمها، ونحن نؤمن بأن التعاون مع الوزارة سيكون له مصالح مشتركة آنية وعلى المدى الطويل وتتضمن وليست مقتصرة للفرص التالية:
• نرغب بالسماح لفريقنا (رسائل من بغداد) لإتاحة الوصول للمواد التاريخية في أرشيف العراق التي لا نستطيع الحصول عليها وذلك لتضمينها في الفيلم بالإضافة إلى ذلك نود أن ننتهز الفرصة إذا كنتم تعتبرونها مناسبة وإعطاء الإذن لتقديمكم ببرنامج شامل للتعاون في مجال حفظ وصيانة المواد التاريخية والتي من الممكن إنجازها بالشراكة مع كل المؤسسات الأمريكية والإسبانية دائما لصالح موظفي وزارة الثقافة.
• لموظفي الأرشيف العراقي العامل على حفظ أرشفة الفيلم الفرصة للإستفادة من الخبراء الأمريكان المتدربين في هذا المجال من خلال فريقنا ومنظمتنا المشاركة (مؤسسة السينما العالمية) التي تم إنشاؤها من قبل مارتن سكورسيس لغرض صيانة مواد الفيلم الأرشيفية في جميع أنحاء العالم وخاصة في البلدان التي تفتقد الخبرة الفنية لعمل ذلك. إن مؤسسة السينما العالمية متحمسة جداً لهذا الجماعي والفرصة التدريبية وعلى هذا الأساس باستطاعتنا تقديم سلسلة من الورش أما في بغداد وأسبانيا أو في الولايات المتحدة لتدريب موظفي الأرشفة العراقية.
• لعرض «رسائل من بغداد» سوية مرفقا بنقاط المناقشة والمنهاج للجمهور العراقي. العراق بلد يحب ويحترم الآخر. ونتشرف اللقاء والتعلم من باحثيكم المنظور العراقي بصيغة قرارات «بيل» وزملائها المعمول بها في بداية القرن العشرين خلال الإحتلال البريطاني «على إفتراض النقاشات والمناظرات التي قد تبين وجهة نظركم للمشروع» وتبعات هذه القرارات في الحياة اليومية، حيث تحدد مرحلة لمستقبل الثورات السياسية (رسائل من بغداد) تعيد خلق هامش أرشيفي للبلد خلال الحكم الملكي. إن الفيلم يلقي الضوء على حقبة زمنية مهمة وملموسة في تاريخ البلد، ونعتقد بأهمية المنظور العراقي للاحتلال والمهتمين بشأن القوات المستعمرة في ذلك الوقت في اكتمال هذه الفترة الزمنية من تاريخ العراق.
(إنتهت الفقرات المتعلقة بالمصالح المشتركة ذات البعد الآني والمستقبلي).
من يقرأ كل ما جاء بهذه الرسالة ويتمعن في الأبعاد الفكرية والفنية ما تتضمنه الرسالة، لا يجد اية فقرات إنشائية كما في الرسائل والكتابات العربية المألوفة. إن كل فقرة وكل جملة وكل مفردة ينبغي التوقف إزاءها. وما يكتب صناع السينما ومنتجو الثقافة في الغرب يلقي الضوء على الجدية في التعاون الثقافي الذي لو قرأناه بدقة لاتضح لنا المعادلة العادلة بين المنفعة التي تصب في الفيلم الوثائقي والتصرف الحضاري من إنتاج هذا الفيلم في توثيق شخصية ومرحلة هامة في التاريخ الإنساني المعاصر وتصب أيضا في الفائدة التي يجنيها الجانب العراقي المتمثل في توثيق شخصية لعبت دوراً في تاريخ العراق فيه من الإيجاب ومن السلب الذي أيضا ينبغي دراسته ضمن ظروفه الموضوعية ومنه ما يتعلق بنقل كم من الآثار العراقية إلى المتحف البريطاني. وفي جانب آخر فإن الجهة المنتجة عرضت تدريب عراقيين على طبيعة الأرشفة والحفاظ على الوثيقة المصورة في العراق وفي أسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
لم أكن أعرف أنا أن تاريخ العراق مطمور تحت الأنقاض. كنت أعرف فحسب بأن تاريخ العراق محفوظ بطريقة غير نظامية. وهذا كان شأنا مؤكدا عندي لما أعرفه من واقع سياسي واجتماعي وسيكولوجي! تعيشه الشخصية العراقية ما بعد الحقبة الملكية في العراق والتي انتهت يوم الاثنين الرابع عشر من شهر يوليو\ تموز عام 1958 فعاشت الشخصية العراقية ممثلة بالمسؤولين الحاكمين على مدى حقب من الزمن العراقي في سلوك اللا أبالية بكل ما يتعلق بحضارة الوطن وتاريخ الوطن وبناء الوطن فعاش العراق تراجعا على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
أول ما وصلت العراق ذهبت بصدد البحث عن أفلامي المفقودة في العراق عسى أجدها في مكتبة السينما فوجدت الأرشيف والتاريخ مطموراً تحت الأنقاض فعملت على انتشاله من بين الصخور وتعاونت مع مدير دائرة السينما ونقلناه جريحا إلى بناية ثانية فيها سقف فحسب وخالية من كل المعدات الطبية الخاصة بغرفة الشفاء ممثلة بدرجة الحرارة والرطوبة والغبار وطبيعة علب حفظ الأفلام.
ماذا لو وافقت وزارة الثقافة على ما جاء في رسالة شركة LLC وزار منتجها ومخرجها العراق لكي يطلع على المواد الأرشيفية المحتوية على تاريخ العراق، ويجدها تحت الأنقاض الكونكريتية والطين والماء والغبار؟!
الرسالة مترجمة من قبل قسم المراسم – زهراء عبد الستار
- هولندا
k.h.sununu@gmail.com