إيران القوة الفاجرة و الحلم القاتل هكذا يراها البعض، والشيطان الأكبر ومحور الشر هكذا يراها البعض الآخر، المجوس الجدد و الفارسية الجديدة يراها طرف ثالث، و تلك الصفات هي التي شكّلت صورة إيران في الذهن الجمعي للعرب و المسلمين السنّة.
فهل تلك الصفات تحمل كفاية معرفية لموضوعية تشكل الصورة الذهنية لإيران؟، وما درجة السند الموضوعي لتلك الكفاية؟.
مع التأكيد على جانب له أهمية مساهمة لكن هذه المرة ليست فيما يتعلق بالذهنية الجمعية العربية، إنما الذهنية الجمعية الإيرانية؛ كونها المقابل التصوري للعملة المستهدفة.
و مما لاشك فيه أن الكفاية المعرفية القائمة على التوصيف الوجداني لهويتها له تأثير ليس على مستوى واقعية تلك التوصيفات إنما على مستوى التأثير المتحقق الذي تنبني من خلاله توصيفات مقابلة.
وبذلك فنحن أمام تصور مضاد له قيمته في تكوين الآخر بالنسبة للأنا، وهو أمر يؤكد خطورة تلك التوصيفات كسند للكفاية المعرفية.
ظل المثقفون العرب و خاصة المثقف السعودي بعيدين عن تفتيش إيران تاريخا و ثقافة وفكرا وسياسة و تفاصيل حلم الهيمنة القائمة على الإحيائية العرقية، وهذا ما ستكتشفه من خلال المكتبة العربية التي قلما تجد فيها مؤلفات لمثقفين عرب أو سعوديين إلا شذرات هنا وهنا لكن التعمق في العقل الإيراني و تحليله نادرا ما يوجد أو على الأقل وفق بحثي أنا الذي قد يعتريه القصور، وأنا هنا أستثني الدراسات السياسية، لأن التحليل السياسي يختلف عن التحليل الثقافي، كما أن التحليل السياسي لا يُعوض عن التحليل الثقافي الذي يملك القدرة على حفر ذات الشخصية الإيرانية وملامسة تاريخها الفكري ووجوه الشبه والاختلاف بينها و بين الشخصية العربية سواء السنية أو الشيعية.
إن التحليل السياسي عادة ما يقوم على غاية وظيفية مؤقتة ذات مقام تحليلي، في حين أن الثقافة هي أيضا غاية وظيفية لكنها مستمرة و ذات مقام معرفي.
لقد ركزت الدراسات السياسية العربية التي تناولت العلاقة بين العرب و إيران أو السعودية و إيران على الجانب التوسعي لإيران و المجادلات المذهبية بين السنّة العربية و الشيعة الإيرانية كما ركزّت على ورقة الضغط التي تتلاعب بها إيران وهي «الشيعة العرب».
وبذلك حصرت تلك الدراسات العلاقة بين إيران و العرب في إطار سياسي كأن علاقة العرب بإيران لا تخرج عن ذلك الإطار ذي البعد السياسي.
وهو الخطأ ذاته الذي وقع فيه مثقفو العرب بالنسبة لإسرائيل إذ تركوا شأنها محاطا بالتحليل السياسي و خرجت الثقافة من تلك الإحاطة، ولعل «فكرة حرمانية التطبيع» كانت المساهم الأكبر في عزوف الثقافة العربية حتى ثقافة الدول التي لها علاقات سياسية رسمية مع إسرائيل، والأمر يتطابق تمام مع الثقافة السعودية و الخليجية، وهو ما أبقى لنا الشخصية اليهودية في طي المجهول في حينما الشخصية العربية مكشوفة ذاتها للجميع.
أن هزيمة الشعوب تبدأ بالثقافة لا بالسياسة؛لأن الثقافة هي التي تتحكم في صناعة إيمان الأفراد و مواقفهم.
كما أننا لا نغفل في هذا الصدد «الدراسات الدينية المذهبية» لرجال الدين من العرب السنّة، فإيران بصفتها الفارسية و الصفوية ما يلبث أن يتكرر ذكرها عشرات المرات بصفات مختلفة ما بين الدولة المارقة و الدولة الشيطانية.
والحقيقة أن الدراسات الدينية لرجال الدين العرب من السنّة عادة ما يغلب عليها التعصب الديني و تغيب عنها الحكمة و الموضوعية، كما أن تلك الدراسات عادة ما تجعل الشيعة العرب في دائرة الاتهام من خلال تنسيب ولاء تلك الطائفة إلى إيران بصفتها العرِقية و المذهبية وأنهم شوكة في خاصرة مجتمعاتهم وخطر يهدد تلك المجتمعات كثغرة لا يأمن أحد إخلاصها لوطنيتها أو مجتمعها، وتلك النظرة الشيطانية التي تروجها الدراسات الدينية لإيران أو للعرب الشيعة لا تختلف في مضمونها العام عن الدراسات السياسية التي تركز على المجادلات المذهبية وعلاقة العرب السنة بإيران القوة الفاسدة.
ولا أتجاوز المنطق إن قلت ان تلك الدراسات هي التي أسست البطاقة التوصيفية لإيران التي شكلت الذهنية الجمعية العربية.
ويمكن اعتبار الغاية التي سعت من خلالها الدراسات السياسية و الدينية من المسوغات التي أبعدت المثقف السعودي خاصة عن اقتحام أبعاد الشخصية الإيرانية .
فإيران مرتبطة في الذهن الجمعي السعودي بالشيعية و الفارسية، إضافة إلى تهديدات إيران للسعودية كانت خفية أو صورة العدو لم تكون واضحة الملامح وهذا الارتباط مع ما يُضاف إليه أخرج إيران من اهتمام المثقف العربي و السعودي، لكن المرحلة القادمة لاشك أن الوضع سيختلف بالنسبة للمثقف السعودي.
هل تكره إيران العرب؟ وحتى تكتمل الصورة بموضوعية لماذا يكره العرب أو الذهن الجمعي العربي إيران؟.
ومن فضل القول؛ فإن الكره هو «ردة فعل وجداني» حاصل معلومة أو مجموعة من المعلومات التي تتعارض مع العقل الجمعي لفرد أو مجموعة من الأفراد أو حاصل صفة أو مجموعة من الصفات التي تتعارض مع قيم فرد أو مجموعة من الأفراد، أو حاصل موقف أو مجموعة من المواقف التي تتعارض مع مبدأ أو مصلحة فرد أو مجموعة من الأفراد.
و بذلك فإن الكره هو شعور وجداني ذو طبيعة معرفية و غاية قصدية».
و فيما يتعلق بالسؤالين السابقين، لنبدأ بإجابة ما نعتقد أننا نعرفه أو على قيد المعرفة و نؤخر إجابة ما نحاول معرفته، وأقصد نبدأ بإجابة السؤال الثاني، لماذا يكره العرب إيران؟.
في البدء لا يمكن إغفال السلبية الحادة للتوصيفات التي تشكل البطاقة التعريفية لإيران التي تستمدها الذهنية الجمعية العربية من خلال الخطاب الديني السنيّ المتطرفة و التحليل السياسي التخويفي، وتلك السلبية الحادة التي تستمد منها الذهنية العربية معرفتها بإيران لاشك أنها تؤدي إلى اضطراب الموضوعية و التصنيف المحايد.
وبذلك يمكن تحديد حاصل موقف العرب الوجداني من إيران من خلال أربعة عوامل هي، العامل الديني و العامل السياسي و العامل التاريخي، والعامل الديني يكمن في أن إيران مصدر التشيع و المذهب الشيعي، و التاريخي يكمن في إن إيران لا تنتمي إلى ذاكرة التاريخ العربي مما يرفع عنها الغطاء الوجداني لقيمة القومية التي تعتبر مكونا رئيسا في بناء الشخصية العربية، بما يملكه من تقدير وولاء لتلك القومية، ثم يأتي العامل السياسي الذي يتبلور في حلم إيران للهيمنة على المنطقة لإحياء الإمبراطورية الفارسية الجديد، وتلك العوامل كما نرى تُدرج ضمن قضية صراع الثقافة و الحضارات.
و العامل الرابع هو «الغموض» الذي يعتري الشخصية الإيرانية، فصورة إيران في الاعلام العربي هي صورة الدولة الدين و السياسة، لكن الطبيعة الإنسانية للشخصية الإيرانية تظل بالنسبة للذهنية العربية غامضة، وهو غموض كما قلت سابقا حاصل غياب التحليل الثقافي العربي لتلك الشخصية، فقلما تجد روايات إيرانية أو دواوين شعرية لأدباء إيرانيين مترجمة إلى العربية، فالأدب هو الصورة الموازية لحيوية المجتمع.
أما هل تكره إيران العرب؟ فهذا حديث آخر.
- جدة