كان الطلاب في جامعة الملك عبد العزيز يتواصون بأن من أراد النجاح في مادة (عرب 101) مع الدكتور عمر الطيب الساسي فعليه أن يحضر جواباً عن بابا طاهر، يقصدون طاهر زمخشري (1905 - 1987)، وللدكتور الساسي (رحمه الله) ذاكرة وفية وقوية في آن، فهو يحمل كل الصور الحميمة والخلاّقة عن أطفال كانوا تحت تأثير بابا طاهر كما هو اسم برنامجه الإذاعي من مكة المكرمة، وكان جمهوره على مستوى المملكة كلها ثم مجلة الروضة للأطفال (1959) وعبر برامجه كان يزخ الحكايات ويغذي الأخيلة لغة وشعراً وأناشيد وقصصاً وأحاجي، وكان الأطفال يستقبلون هذه المتعة الإذاعية ويصنعون ذائقتهم مع ذائقة رجل مثقف وشاعر وتربوي، يملك صوتاً حالماً كأنما هو مطر يتدفق سحا وهنيا، وكان الساسي من الجيل المباشر مع بابا طاهر ويحضر مع أطفال آخرين إلى الإذاعة في مكة لتسجيل الأناشيد، بينما نحن نتلقاه عبر الأثير، وحينما تزاملت مع د.الساسي في جدة كأساتذة جامعيين أدرك كل منا أننا زملاء طفولة بمجرد أن ننطق بكلمة بابا طاهر فتتدفق الصور وتحضر الذاكرة بثراء المحبة والعرفان لرجل أسهم في صناعة ذاكرة أجيال من بلدنا، تتكامل وتتسق مع ذاكرتنا لعمر عبد الجبار، وهما المكيان اللذان انطلقا من مكة المكرمة أحدهما بكتبه والآخر بصوت الأثير، ومنهما وبهما تشكّلت ذاكرة أدركها طلابنا في الجامعة لمجرد أن اكتشفوا قلب الطفل عمر الساسي الذي أحب بابا طاهر، وكلنا أطفال أحبت بابانا طاهر.