الطرح الفقهي في مجتمعنا المحلي يعتمد اتجاها أحاديا اختفت على إثره ألوان من الأقوال الفقهية والتوجهات المذهبية المعتبرة والتي جرى تهميشها والتقليل من مستوى حضورها إلى حد جعل المخيال الشعبي يصاب بقدركبير من النفور بل والاشمئزاز إبان سماعه لأقوال مغايرة للمألوف الفقهي!
كثيرا ماتنتابنا حالة من الاحتقان ومن ثم الوان من الاصطفافات المؤدلجة حينما يطرح أحدهم فتوى مباينة للسائد حيث نتعاطى مع تلك الفتوى وكما لو كانت تشكل تهديدا للذاتية الثقافية نتعاطى معها وكما لوكانت تشكل تهديدا سيلغي الخصوصية وسيحطم المقومات الحضارية للمجتمع!
إن طرح مثل هذا الرأي المخالف للسائد والمألوف حتى ولوكان طرحا تأصيليا يستصحب مقتضيات الشرط العلمي إلاأنه مع ذلك كفيل باستنفار المجتمع من اقصاه إلى اقصاه ومن ثم نجدانفسناامام حالة صراعية محتدمة وانتفاضة انترنتية عارمة قوامها القصف والقصف المضاد فالجميع يصارع الجميع على نحوتبيت جراءه الرؤية المذهبية المجردة عبارة عن تشريع ذا محددات مقدسة لايجوز المساس به بحال من الأحوال.
كثيرا مايقفز الى الذهن تساؤل مفاده: كيف لوعاش أولئك في القرون الأولى حينما كان الجوالعام يعج بالمتنوع ويزخربالمتعدد والحضورالمكثف لألوان من المدارس الفقهية حتى إن المسجد الواحد يحتوي على عدد من الحلقات العلمية المتباينة في نزعتها المذهبية ومشربها الفقهي بل وحتى طبيعة التوجه الأيديولوجي ومع كل ذلك ومع كثافة هذاالحجم من الخلاف إلاأن الفضاء العام كان مطبوعا بطابع القبول للمختلف حيث كانت النظرة التسامحية هي السائدة وخصوصاً بين القيادات المشيخية وذوي الحضورالعلمي اللافت الذين كانوا يتجنبون كل مامن شأنه أن يؤسس لفقه أحادي الإتجاه إذإن مثل هذاالفقه لايؤدي دوره الموضوعي ولايصنع الإيقاع الذهني المطلوب وماقصة الإمام (مالك)عنا ببعيد حينما رفض تضييق الخيارات وإلزام الناس بـ(الموطأ) إذ لم يشأ حينئذ النزول عند رغبة (أبوجعفرالمنصور).
كثيرا مانجدهذاأوذاك لايكل ولايمل عن الحديث عن ضرورة احترام المخالف وإفساح المجال له فى القول لكن هذا الحديث التنظيري المكرورلايتجاوز جغرافياالفم إنه في معظم الأحيان يظل مجرد حبرعلى ورق فماأن يسمع أحدهم برأي فقهي مخالف إلاوينبري ليس للحواروالتفنيد المعرفي المؤصل وإنما لتسفيه هذا القول والإزارء بصاحبه وعلى نحويجعلك أمام عقلية متخمة بضروب حادة من الإقصاء المسعور!
يبدو أن الطبيعة الاقصائية متأصلة لدينا وهي حتى وإن لم تظهرذات صفاء ما إلاأنها كامنة,نعم قدتكون – ولاعتبار ما!- مكبوتة خامدة إلا أنها مع ذلك تظل في أعماق الشعور,تظل متوثبة تنبض بالحياة تنتظر أي فرصة للانتفاض والظهور والطفو على السطح والوثوب على تفاصيل المشهد!
حينما يُطرح في الساحة قول مخالف للسائد أحيانا تنشغل الجماهير- بقصد أوبدون قصد! – لمعرفة الحيثيات العلمية لهذاالقول أوذاك ولذايفترض استغلال مثل هذاالإقبال الجماهيري لالشخصنة المواقف وتصفية الحسابات ومحوالمخالف ومحاكمة الأحكام الفقهية للنظرة الشخصية المجردة وإنما يستغل هذاالاقبال لتجلية الاقوال فى المسألة ورفع مستوى الوعي الجماهيري بها وطرحها بطريقة تثقيفية وفي جومن الحرية العلمية والانفتاح المسؤل وعلى نحويفوت الفرص على كل رؤية أحادية تروم تغييب هذا الرصيد الضخم من التراث الفقهي الجبار!