يصدر خلال أيام من إعداد وترجمة وتحقيق د. حمد العيسى كتاب جديد بعنوان (حزب الله الحجاز: بداية ونهاية تنظيم إرهابي)، (مدارك للنشر، دبي، 190 صفحة حجم وسط). والكتاب عبارة عن بحث سياسي تاريخي فريد للباحث السويسري الشاب بروفيسور توبي ماثيسن. وفيما يلي مقدمة المترجم بعد تنقيحها لتلائم النشر الصحفي في السعودية:
مقدمة حمد العيسى
حزب الله الحجاز :
بداية ونهاية تنظيم إرهابي
يسعدني أن أقدم للقراء العرب ترجمتي لهذه الدراسة الموجزة والنادرة للغاية عن التنظيم الإرهابي المسمى بـ (حزب الله الحجاز) الذي لا يكاد يعرف عنه معظم المواطنين السعوديين والعرب شيئاً للأسف، رغم كونه عاث وعبث في البلاد السعودية فسادا وتخريبا، ونفذ تفجيرات إرهابية وإجرامية مؤسفة في مواقع صناعية حيوية كالجبيل والجعيمة ورأس تنورة في الثمانينيات ولم يرعو حتى بعد صدور عفو عام عن المعارضين الشيعة عام 1993، حيث اتهمته الحكومة السعودية لاحقا بتفجير أبراج الخبر الشهير عام 1996. ثم قام بعمليات اغتيال وحشية ضد دبلوماسيين سعوديين أبرياء كما سيرد في هذه الدراسة.
وهي دراسة موجزة ولكنها شاملة وموثقة بصورة ممتازة للباحث السويسري الشاب بروفيسور توبي ماثيسن المتخصص في شيعة السعودية، وهو حالياً زميل باحث في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في كلية بيمبروك بجامعة كامبريدج الإنكليزية العريقة. ويعتبر ماثيسن حالياً من أهم المتخصصين في شيعة السعودية، حيث كانت أطروحته للدكتوراه عن (الشيعة في المملكة العربية السعودية: سياسات الهوية، والطائفية، والدولة السعودية)، وهي الأطروحة التي حصلت على جائزة جمعية العلوم السياسية الأمريكية لعام 2012. وأصدر ماثيسن مؤخراً كتاباً مهماً: (الخليج الطائفي: البحرين، السعودية، والربيع العربي الذي لم يكتمل). ويصدر له قريباً عن قسم النشر بجامعة كامبريدج: (المذهب الشيعي والسياسات الطائفية في المملكة العربية السعودية). ومن العجيب والمؤسف والمؤلم، أن يحظى باحث سويسري بلقب أبرز متخصص في العالم حالياً في شيعة السعودية، ولا يحظى بمثل هذا اللقب باحث سعودي أو على الأقل عربي... ربما لأن مزمار الحي لا يطرب، مثل مزمار سويسرا!!!
وأنا أطالب بشدة بتشجيع وحث الباحثين السعوديين خاصة والعرب عامة على تنفيذ مثل هذه الدراسة، وغيرها كثير مما يتعلق بجميع قضايانا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية، وإلا ما فائدة فتح الجامعات المحلية وإرسال عشرات الألوف من الطلاب للدراسة والتخصص في كافة المجالات في أبرز الجامعات الغربية. وللأسف، لا يحظى بشرف تنفيذ كثير من البحوث عن قضايانا إلا أجانب ومعظمهم من غير المسلمين، وجميعهم -كما أصبحت أجزم بيقين صوفي- يفعلون ذلك ليس لوجه الله وليس من أجل المال وبالتأكيد ليس حباً فينا كسعوديين، بل بهدف القيام بعملية تفكيك وتقويض معرفي لنا كعرب ومسلمين وخاصة تفكيك الظاهرة السلفية التي باتت تشغلهم ويعتبرونها مسؤولة عن الإرهاب العالمي، وهو توجه لا بل (هجوم معرفي) ملحوظ بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، ويقوم به من أسميهم (المستشرقون الجدد) وجلهم من الباحثين الشباب الذين حان وقتهم -وبتسهيلات منا- ليتسيدوا ساحة الاستشراق في القرن الحادي والعشرين بعدما كبر وهرم مستشرقو القرن العشرين وأوشك كبيرهم برنارد لويس (98 عاما) على الموت. وبالفعل أغرقنا هؤلاء المستشرقون الشباب ببحوثهم عن الإسلام ثم الإسلام السياسي ثم الوهابية ثم السلفية ثم السلفية الجهادية والآن الشيعة ومعظم بحوثهم تتم بموافقتنا وعبر تسهيلات هائلة لا ينالها الباحثون من أبناء الوطن بصورة خاصة أو إخواننا العرب بصورة عامة. ويمتاز هؤلاء المستشرقون الشباب الجدد بأنهم يتقنون لغات الشعوب الإسلامية كالعربية والفارسية والأوردية والتركية وغيرها من اللغات بينما نجد كبار علمائنا أو من يُطلق عليهم دعاة ممن يحملون درجة الدكتوراه لا يعرفون -ويا للعجب والأسف- حتى كتابة أسمائهم بالإنكليزية، فضلا عن كتابة مقال لينشر -مثلاً- في (عرب نيوز) ولا أقول (نيويورك تايمز).
وعملية التفكيك المعرفي والمعلوماتي ضرورية في أية مواجهة حضارية. هناك مثل إنكليزي لا أعرف له مرادفاً سهلا بالعربية (Information is Power)؛ أي حرفيا (المعلومات قوة) وبتصرف قليل يصبح المثل (المعرفة قوة)، واللبيب بالإشارة يفهم. ويكفي أن تتأملوا عناوين كتب أو أبحاث بعض هؤلاء المستشرقين الشباب الجدد لمعرفة قصدي كالفرنسي ستيفان لاكروا، والنرويجي توماس هيغهامر، والسويسري توبي ماثيسن، والفرنسية لورنس لوير، والهولندي يواس واخيماكيرس، والأمريكي توبي كريغ جونز، والهولندي رول ميير، والألماني لارس برغر، والألماني ستيفن هيرتوغ، والفرنسية أميلي لورونار، والفرنسي باسكال مينوريه، والأمريكي برنارد هيكل، والأمريكي ديفيد كمنز، والأمريكي ديفيد ليتش، والأمريكي فريدريك ويري، والأمريكية التعيسة (...) ناتانا ديلونغ-باس، إلخ إلخ.
وهناك الصحافيون الاستقصائيون (Investigative Journalists) الذين يرقون تقريباً لمرتبة مستشرقين في كتبتهم ذات العمق الاستقصائي البحثي كالأمريكي ياروسلاف تروفيموف، والأمريكي ستيف كول، والأمريكي لورنس رايت، والأمريكي بيتر بيرغن. جنسياتهم مختلفة وهدفهم واحد: التفكيك والتقويض المعرفي للعرب والمسلمين. وهذا الأمر يشغلني ويقلقني وكنت أرغب أن أكتب عنه مقالة منذ مدة ولكن ضيق وقتي حال دون ذلك. وفي رأيي أن تفكيك أيديولوجية الإرهاب أمر محمود كخطوة أولى لمكافحته، ولكن المصيبة في خلط الأوراق وقيام هؤلاء أو غيرهم باستخدام تلك البحوث الهامة لمهاجمة العرب والمسلمين. وأرجو أن تفي هذه الكلمات السريعة بالغرض وتلفت نظر من يهمهم الأمر، والله من وراء القصد.
وتمتاز هذه الدراسة، رغم كونها موجزة بأنها الأولى من نوعها عن هذه المنظمة الإرهابية التي تنشر في مجلة أكاديمية محكمة باللغة الإنكليزية حسب معلوماتي المؤكدة. وتمتاز الدراسة أيضا بأن مؤلفها يتقن العربية وزار السعودية وقام بلقاءات عديدة مع رموز شيعة السعودية لإجراء البحث كما هو موضح في هوامش المؤلف.
تتناول هذه الدراسة تأسيس وأيديولوجية التنظيم المسمى بـ(حزب الله الحجاز) الإرهابي أو بعبارة أوضح (حزب الله السعودي)، وجناح رجال الدين فيه المعروف بـ (تجمع علماء الحجاز). ويستخدم مصطلح (الحجاز) هنا لكافة شبه الجزيرة العربية لتقويض اسم الدولة الرسمي (المملكة العربية السعودية). وقد لعبت هذه الجماعة دوراً مهماً -ولكن القليل منه معروف - في العلاقات السعودية-الإيرانية منذ عام 1987، بعد إنشائها كمنافس لجماعة المعارضة الشيعية السعودية الأخرى، (منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية). وكان (حزب الله الحجاز) الإرهابي تابعا ذيلياً لإيران ويتبع مرجعية آيات الله الخميني ثم خامنئي، بينما كانت (منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية) تتبع بحذر مرجعية آية الله السيد محمد مهدي الشيرازي. ولكن بالرغم من أن (حزب الله الحجاز) ندد رسمياً بأي تفاوض بين المعارضة الشيعية مع القيادة السعودية، إلا أنه استفاد بصورة براغماتية انتهازية فجة من عفو عام، أصدره الملك فهد رحمه الله عن المعارضين الشيعة عام 1993 ثم رفض الحزب الالتزام بالأسس والشروط التي قام عليها الاتفاق مع الحكومة بزعم أنه لم يشارك في المفاوضات التي قامت بها (منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية) منفردة عن جميع الشيعة كما قيل وبالتالي زعم أنه لا يعترف بتمثيل المنظمة له، وعاد ليمارس الإرهاب في تفجير الخبر عام 1996 بحسب اتهام الحكومة السعودية. وبعد أن اتهم بتفجير أبراج الخبر، ألقي القبض على معظم أفراده، وتم تفكيك تنظيمه لينتهي وجوده ويفنى إلى غير رجعة بإذن الله. ومنذ إنشائه في عام 1987، كان (حزب الله الحجاز) الإرهابي عبارة عن جماعة تقوم أسسها على رجال دين يتبعون حرفياً تعاليم وتعليمات إيران بصورة ذيلية، وقولبت نفسها على نموذج حزب الله اللبناني. ودعت الجماعة إلى استعمال العنف ضد النظام السعودي، ونفذت العديد من الهجمات الإرهابية في أواخر الثمانينيات. ثم نظراً لحدوث تحسن في العلاقات السعودية-الإيرانية، حولت أنشطتها، لتصبح أكثر ميلاً نحو المعارضة السلمية (على شكل بروباغاندا إعلامية)، حيث أصدرت مجلة (رسالة الحرمين) المناهضة للسعودية. وبعد أن اتهم حزب الله الحجاز بتنفيذ تفجيرات الخبر في عام 1996، ألقي القبض على معظم أعضائه. حملة الأمن القمعية والتقارب السعودي-الإيراني بعد وصول محمد خاتمي للرئاسة في عام 1997، أديا إلى اختفاء الحزب،الرغم من أن قادته من رجال الدين لا يزالون يتمتعون ببعض الشعبية في أجزاء من المنطقة الشرقية. وبينما تمت مناقشة تفجير أبراج الخبر على نطاق واسع، إلا أنه لا يوجد سوى عدد قليل جداً من الدراسات الأكاديمية التي درست - تحديداً - (حزب الله الحجاز) الإرهابي، ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة كما ذكرنا آنفا، حيث سوف تتناول تأسيس الحزب، وأيديولوجيته، ودوره في العلاقات السعودية-الإيرانية، وأنشطة أعضائه قبل وبعد تفجيرات الخبر، وأخيراً فناؤه غير مأسوف عليه.
سرقة فكرية مؤسفة
ونظرا لأني اعتدت قبل البدأ بعملية الترجمة القيام ببحث شامل حول المادة التي أترجمها، لأني أعتبر ذلك من واجباتي كمترجم، لا بل كجزء لا يتجزأ من عملية الترجمة، حتى يخرج النص المترجم في صورة مثالية للقارئ، أبحرت في الإنترنت باحثاً عن كل ما كتب عن (حزب الله الحجاز) وكان من الطريف أن المقالة (العربية) الشاملة الوحيدة عن (حزب الله الحجاز) التي عثرت عليها في الإنترنت كانت منحولة؛ أي ملطوشة بالكامل من دراسة توبي ماثيسن هذه، حيث وضع صحفي سعودي مغامر وثرثار اسمه عليها بصفته من قام بالبحث ونشرها في أغسطس 2011 على موقع (ميدل إيست أونلاين) بدون ذكر لأية مراجع ولا مصادر بعد ما أعاد صياغتها بأسلوب صحفي ماكر (ورديء للغاية، التفاصيل في الكتاب) لكي تضيع ملامحها، ولكن اللص غير الظريف نسي أن عصر المعجزات انتهى، ومن المستحيل ذكر ذلك الكم الكبير من المعلومات بدون مراجع أو مصادر، وهي المعلومات التي يعرف الباحثون مثلي أنها لم تكن معروفة قبل أن ينشر ماثيسن دراسته الموثقة في فبراير 2010 أي قبل مقالة صاحبنا البطل بـ 18 شهراً!!!
ولكي تكتمل الصورة، قمت بإضافة بعض الملاحق الوثائقية المهمة والنادرة والعديد من الصور بعد نهاية الدراسة، لتعزيز قيمة الكتاب حتى يصبح مرجعا للباحثين ويلبي شغف القراء المحبين للوثائق. وهو بحمد الله الكتاب الأول في موضوعه بالعربية.
أرجو أن يروق هذا الكتاب للقراء الكرام، وأن يجدوا فيه ما يستحق عناء القراءة، والله الموفق وعليه قصد السبيل.
** ** **
انتهت مقدمة المترجم