شِتَائِيَّةٌ هَبَّتْ مَسَاءً بِشَمْأَلِ
لأَلْجَأَ مَقْرُوراً إِلَى قَعْرِ مَنْزِلِي
لأَبْحَثَ عِنْ دِفْءٍ يعِيْدُ تَجَلُّدِي
فَأَشْعُرُ فِي وَجْهِي وكَفِّي وَأرْجُلي
وَلَكِنَّ هَذَا عَزَّنِي إِذْ تَجَمَّدَتْ
شَرَايِيْنُ جِسْمِي بَلْ تَصَلَّبَ مِفْصَلِي
فَمَا عُدْتُ أَدْرِي مَا أَقُولُ لِمُسْعِفِي
تَوَقَّفَ تَفْكِيْرِي وَعُطِّلَ مِقْوَلِي
نُقِلْتُ إِلَى دَارِي إِلَى دَارَةِ الغَضَا
بِقُرْبِ وُجَاقِ النَّارِ أُجْلِسْتُ أَصْطَلِي
غَفَوَتُ وَقدْ أَحْسَسْتُ بِالدِّفْءِ سَاعَةً
وَفِي غَفْوَتِي سَامَرْتُ رُوَّادَ مَحْفَلِي
رَأَيْتُ وُجُوهَاً لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنِهَا
عَلاَقَاتُ جِيْلٍ فِي تَقَارُبِه جَلِي
مَلابِسُهُمْ فِي هَيْئَةٍ مَا تَوَحَّدَتْ
كَمَا اخْتَلَفَتْ سُحْنَاتُهُمْ بِالتَّشَكُّلِ
فَأَنْكَرتُهُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ بِأنَّهُمْ
شَيَاطِيْنُ جِنٍّ أَمْعَنُوا بِالتَّغَوُّلِ
وَلَكِنَّنِي أَكْرَمْتُهُمْ بِعَشَائِهِمْ
بِمَأْدُبَةٍ عَصْرِيَّةٍ مِنْ أَبِي عَلِي
فَمَا امْتَدَّتْ الأَيْدِي إِلَيهَا سِوَى يَدٍ
تَنَاوَلَت المَشْوِيَّ من لَحْمَةِ الطَّلِي
تَخَوَّفْتُ مِمَّنْ أَحْجَمُوا عَنْ ضِيَافَتِي
وَمَدُّوا عُيُوناً فَوقَهَا بِالتَّجَوُّلِ
فَأَنْشَدْتُ فِيْهِمْ بَوحَ شِعْرِي لِيَطْعَمُوا
وَأَطْرُدَ خَوفِي بِالصَّدَى وَالتَّعَلُّلِ
سَأَلْتُ أَفِيْكُمْ شَاعِرٌ فَيجِيْزُنِي؟
لأَقْطَعَ صَمْتَ الحَائِرِ المُتَأَمِّلِ
فَإِنْ كَانَ فَخْراً فَلْيَكُنْ صَوتُ فَخْرِه
بِنَجْدٍ وَإلاَّ فَلْيَكُنْ بِالتَّغَزُّلِ
أَهِيْمُ بِنَجْدٍ مَوطِناً وَبِغَادَةٍ
قَدْ اسْتَوطَنَتْ قَلْبِي هَوَىً بِالتَّدَلُّلِ
فَأَنْشَدَنَا مِنْهُمْ مُجِيْزاً وَقَائِلاً
«قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ»
«تَعَلَّقَ قَلْبِي طَفْلَةً عَرَبِيَّةً
تَنَعَّمُ بِالدِّيْبَاجِ» والتِّبْرِ بِالحُلِي
بِشِعْرِكَ هَذَا قَدْ عَرَفْـنَاكَ مُبْدِعاً
لأَنْتَ امْرؤُ القَيْسِ انْتَشَيْنَا فَمَا يَلِي؟
فَأَعْقَبَه شَيْخٌ تَجَلَّدَ مُنْشِداً
فَغَنَّى «أَلا هُبِّي بِصَحْنِكِ» وَاحْمِلِي
فَذَلِكَ جَدِّي شَيْخُ تَغْلُبَ والَّذِي
توَّشَّحَ مَجْداً فَهْوَ لَيْسَ بَأَعْزَلِ
فَيَشْرَبُ صَفْوَ المَاءِ حِيْنَ وُرُودِه
فَسَارَتْ بَنُوه فِي مَسَارٍ لَه جَلِي
حَفِيْدُكَ إِنِّي أَيُّهَا الشَّيْخْ فَاقْتَرِبْ
أُقَبِّلْ جَبِيْنَ الفَخْرِ فَخْر مُقَبِّلِ
وَمِنْ بَعْدِ جَدِّي فَارِسٌ هَزَّ سَيْفَه
فَأَنْشَدَ شِعْراً لا يُزَاحُ بِأفْضَلِ
«أَرَاكَ عَصِيَّ الدَّمْعِ» حَتَّى إِذَا انْتَشَى
«لَنَا الصَّدْرُ» إِذْ رَوَّى الزَّمَانَ بِأَفْعَلِ
تَبَيَّنْتُه فَهْوَ المُكَنَّى بِهِمْ أبَا
فِرَاسٍ سَمَا شِعْراً بِمَجْدٍ مُؤَثَّلِ
وَرَابِعُهُمْ مِنْ شِعْرِه هَبَّ مُنْشِداً
لِيَحْتَجَّ أَنْ مَا جَاءَ فِيْهِمْ بِأَوَّلِ
«وَمِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا عَلَى المَرْءِ أَن يَرَى»
فَكَانَ بِهَا يَنْهَى ويَشْكُو وَيَبْتَلِي
هُو المُتَنَبِّي شَاغِلُ النَّاسِ شِعْرُه
وَحِكْمَتُه مَرَّتْ عَلَى كُلِّ مِقْوَلِ
لِيُنْشِدَنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مَنْ شُعُورُه
بِهَمْزِيَّةٍ أَسْمَى وَأَنْدَى وَأَجْمَلِ
بَمَطْلِعِهَا مِنْ قَولِه «وُلِدَ الهُدَى»
بِأَحْمَدَ مِنْ وَحْيٍ عَلَيْه مُنَزَّلِ
مَدِيْحٌ أَحَسَّ المُسْلِمُون بِفَيْضِه
وَأَطْرَقَ جَدِّي وَامْرَؤُ القَيْسِ يَصْطَلِي
أَتَانِي سُؤَالٌ مِنْهُمَا فِيْه رَعْشَةٌ
وَقَدْ دَافَعَاهَا عَنْ ظُهُورٍ فَتَعْتَلِي
لَهَذَا أَمِيْرُ الشِّعْرِ شَوقِي بِبَيْعَةٍ
بِهَا شُعَرَاءٌ بَايَعوه بِمَحْفَلِ
وَمَمْدُوحُه فِيْهَا الرَّسُولُ مُحَمَّدٌ
مِن اللَّهِ مَبْعوثٌ وَأَكْرَمُ مُرْسَلِ
فَأعْقَبُه النَّاهِي لَنَا لَومَ كَفِّه
إِذَا سَيْفُه عَنْهَا نَبَا دُونَ مَقْتَلِ
لَقَدْ صَحَّ مِنه العَزْمُ وَالدَّهْرُ قَدْ أَبَى
فَأَغْرَتْه يَابَانِيَّةٌ بِالتَّغَزُّلِ
فَعَرَّفْتُ سُمَّارِي بِه قَائلاً لَهمْ
نَعَمْ إِنَّ هَذَا حَافِظٌ فَلْيُقَبَّلِ
عَلَى وَجْنَتَيْه فَهْوَ شَاعِرُ نِيْلِهَا
وَلَكِنَّه عَصْرٌ يُجِيْزُ وَيَبْتَلِي
وأنْشَدَ مَعْرُوفُ الرَّصَافِيْ وَغَيْرُه
وَبِالشِّعْرِ غَنَّى الشَّنْفَرَى بَعْدَ جَرْوَلِ
وَهُيِّجَ قَيْسٌ وَاسْتُثِيْرَ كُثَـيِّرٌ
وَعَنْتَرَةُ العَبْسِيُّ لَمْ يَكُ بِالخَلِي
أُولَئِكَ قَدْ هَامُوا بِلَيْلَى وَعَزَّةٍ
وَعَبْلَةَ فَانْسَابَ الهَوَى بِالتَّغَزُّلِ
وَغَازِي أَبُو يَارَا ارْتَوَى الشِّعْرَ فَانْتَشَى
بِرُوحٍ سَمَتْ فِيْه بِصَوتٍ مُجَلْجِلِ
فَأَوحَتْ «أجل نَحنُ الحِجَازُ» بِمَجْدِه
وَمَجْدٍ لِنَجْدٍ فَارْتَقَى المَجْدَ مِنْ عَلِ
فَأَدْرَكَنَا فَجْرٌ تَسَلَّلَ نُورُه
فَهَمَّ الأُلَى قَدْ أَنْشَدُوا بِالتَّسَلُّلِ
أَبَى شَاعِرٌ قَدْ ظَلَّ يَسْمَعُ غَيْرَه
فَنَادَى اسْمَعُوا الإبْدَاعَ حَقّاً لَكُمْ وَلِي
تَهَيَّأَ كُلٌّ حِيْنَهَا لِسَمَاعِه
بِشَوقٍ يَمُدُّ الشَّوقَ لا بالتَّجَمُّلِ
فَأَنْشَدَ بِالسُّمَّارِ واللَّيْلِ شِعْرَه
فَأَطْرَبَهُمْ بِالمُحْتَوَى والمُؤَوَّلِ
تَسَاءَلَ عَنْه السَّامِعُونَ بِدَهْشَةٍ
وَمَا كُنْتُ عَنْه مِثْلَ يَومِي بِأَجْهَلِ
تَفَرَّسْتُ فِيْه ثُمَّ رَدَّدْتُ شِعْرَه
فَلَمْ أَدْرِ تَعْرِيْفَ الأدِيْبِ المُبَجَّلِ
مَلامِحُه لَيْسَتْ عَلَيَّ غَرِيْبَةً
وَهِنْدَامُه هِنْدَامُ جِيْلِي المُفَضِّلِ
وَلَكِنَّنِي مِنْ بَعِدِ يَأْسِي وَكُربَتِي
عَرَفَتُ اسْمَه إِذْ مَكْرُه لَيْسَ يَنْطَلِي
فَذَكَّرَنِي هَذَا المُرِيْبُ بِوَضْعِـه
بِشَاعِرِنَا عَبْدِ العَزِيْزِ القُبَيِّلِ
بَلَى إنَّه السَّامِي الزَّعِيْمُ بِنُبْلِه
فَفِي مُنْتَدَاه الشِّعْرُ أَضْوَاءُ مِشْعَلِ
وَحِيْنَ أَتَى دَورِي أَفَقْتُ فَرَاعَنِي
أَن انْصَرَفُوا عَن دَارَتِي حَيْثُ مَحْفَلِي
فَأنْشَدْتُها لِلْفَجْرِ في دَارَةِ الغَضَا
وَفِيْهَا الغَضَا والنَّخْلُ تَرْوِي تَأَمُّلِي
لِتُنْشِدَ إِحْسَاسِي وَبَوحَ قَصِيْدَتِي
لِنَجْدٍ بِأَيَّامِي وفِي حُقَبٍ تَلِي
فَيَسْمَعُهَا السَّارُونَ فِيْهَا وَمَن ثَوَوا
وَمَنْ سَوفَ يَأتِي بَعْدَهُمْ بِالتَّسَلْسُلِ
بِأُمْسِيَّةٍ شِعْرِيَّةٍ أَو بِنَشْرِهَا
لِيَدْرُسَهَا النُّقَّادُ فالنَّقْدُ مَدْخْلِي