تناقل ببهجة وسرور عدد من المثقفين مؤخراً خبراً يؤكّد صدور قرار وزاري رسمي بإنشاء مراكز ثقافية قريباً عوضاً عن الأندية الأدبية، ولأن بعض الأندية هي الآن في مرحلة بناء مقرات جديدة، كما هو الحال مع نادي أدبي الشرقية الذي يستأنف ما توقف من عملية إعمار مقره قبل أكثر من خمس سنوات، لذلك رجح قلة من الثقفين بأن الوزارة ستنشئ المراكز مبقية في الوقت نفسه على الأندية، فيما رجح الغالبية أن تلجأ الوزارة لعملية دمج الأندية الأدبية الـ16 مع فروع جمعيات الثقافة والفنون للخروج بمراكز ثقافية شاملة لجميع أطياف الثقافة والفكر والفن.
وأياً كانت الآلية التي ستتبعها الوزارة، فخبر إنشاء المراكز الثقافية كما هو معمول به في جميع دول العالم خبر ينتظره المثقفون منذ مدة طويلة، وقد استنفدوا كافة السبل في المطالبة به، عبر وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعية، وفي المؤتمرات والملتقيات، وعلى منابر الأندية، مكررين مطالبتهم بإنشاء مراكز ثقافية، وكذلك صندوق لدعم الأدباء، وعودة جائزة الدولة التقديرية.
وما عزّز الخبر الذي تم تناقله حول قرار إنشاء المراكز، البشرى التي زفها وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان، خلال زيارته الأخيرة إلى منطقة حائل، مؤكّداً، كما ينقل قرب افتتاح مركز ثقافي جديد في المنطقة، إضافة إلى تصريحات نائب وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالله الجاسر الذي أكّد اعتماد إنشاء سبعة مراكز ثقافية في مختلف المناطق خلال الفترة المقبلة كما نقل.
ورغم أن الخبر دفع بجرعة تفاؤل إلى رئة المشهد الثقافي المحلي، بيد أن غيوم التشاؤم، والمخاوف، لاتزال تحوم، خشية تكرار تجربة الأندية الأدبية المؤسفة عبر المراكز الجديدة، بشكل أو آخر، في حال تم تطبيق فكرة المراكز دون دراسة وافية.
فمن المعروف أن الأندية الأدبية لم تفشل فقط في الانتخابات، وإنما فشلت في استقطاب كثير من المثقفين، كما فشلت على المستوى الإداري، وعلى الصعيد المالي والثقافي، وبالتالي فشلت في الإسهام في إحداث حراك ثقافي حقيقي في المناطق التي أنشئت فيها. وحتى من نجح منها لفترة معينة واكتسب سمعة طيبة عاد وأصيب بنكسة مع تغيّر طاقمه الإداري، كما هو الحال مع نادي حائل الأدبي ذي الوضع المؤسف حالياً وغيره من الأندية. وتحول عدد من الأندية إلى بؤر للشللية والتكتلات على حساب الأدب والأدباء، إضافة إلى فشلها الذريع في تجربة الانتخابات، وفي تسويق وتوزيع مطبوعاتها بشكل جيد يتيح لها فرصة الانتشار والمقروئية.
ففكرة إنشاء مراكز ثقافية بات مطلباً ملحاً بيد أنه بحاجة ماسة لدراسة وافية، من قبل عقول تمتلك خبرة كافية في هذا المجال، وتحمل على عاتقها الهم الثقافي، هدفها خدمة الثقافة والوطن، وتردف خبرتها تلك برؤية واضحة وخطط مدروسة حتى لا نكرر أخطاء الأندية الأدبية عبر مؤسسات جديدة، ويصبح بإمكاننا القفز خطوة للأمام، وتجاوز المحسوبيات التي تعمل وفقها بعض الأندية، وكذلك اجترار نفس الأشخاص على مستوى المشاركة والحضور والاصطفاء، أو إعادة تدوير متقلدي المراكز الإدارية.
فمراكز ثقافية مثل هذه حتى تنجح تحتاج لطاقات شابة فاعلة وكفاءات مميزة تحسن التخطيط والإدارة والتنفيذ، وتراعي كل ما من شأنه تأسيس بنية ثقافية متينة وتنميتها، في بلد ملئ بالطاقات الإبداعية.
وفي الختام أود أن أشير إلى أن الزميل عبدالرحمن العكيمي في صحيفة عكاظ نقل قبل فترة وجيزة تصريحاً لوزير الثقافة عبدالعزيز خوجة في حوار أجراه معه بأن «موضوع المراكز الثقافية لا يزال قيد الدراسة ولا يعد مجرد قرار إداري فردي»، ما يدعو للتساؤل إذا كان ما يتناقله بعض المثقفين حول صدور قرار يقضي بإنشاء المراكز قريباً، هل تمكنت الوزارة خلال هذه الفترة القصيرة منذ التصريح السابق الذكر، من الانتهاء من دراستها للمشروع بشكل يدعو للتفاؤل والاطمئنان، ويسوغ خروج القرار من خانة الدراسة إلى خانة الشروع في التنفيذ؟
وفي نفس التصريح قال خوجة أيضاً: إن «الوزارة تخطط لمشاركة كل المختصين والمثقفين فيه كمشروع، ونفكر الآن في جدوى الاتجاه إلى تطبيق فكرة المراكز الثقافية، والتي تضم الأندية الأدبية، بالإضافة لجمعية الثقافة والفنون وغيرها، ولاسيما أنها مطبقة الآن في كل بلاد العالم، وتشمل كل ضروب الفكر والثقافة والفنون والأدب والفن التشكيلي والمسرح والموسيقى وكل ما يتعلّق بالفن والثقافة والأدب. فنحن نطرح فكرة المراكز الثقافية بمفهومها الشمولي للبحث، ولن تنفرد وزارة الثقافة والإعلام بالقرار في هذا الموضوع الذي يهم المثقف والأديب والفنان، نريد طرحها كبحث وبعد ذلك نتخذ القرار، ونتطلع إلى التركيز على بحث الموضوع بدلاً من تشتيته، حتى يخرج هذا المشروع بصيغة صحيحة، ولا سيما أنه ليس موضوعاً إداريّاً، ويجب أن ينبثق من التصورات الثقافية والحضارية للمجتمع المدني في بلادنا، حتى يشملنا مركب واحد متوازن، وأتطلع إلى سماع رأي المثقفين والأدباء فيها، ودعونا نطلع على كافة المقترحات في هذا الشأن ونتخذ القرار النهائي»، وهو كلام سليم ورأي سديد إذا ما تم العمل به بالفعل وتطبيقه عمليّاً على أرض الواقع.