إنه لمن المدهش اللافت للنظر جدًا، أن يضع بعض متحمسي الوعاظ والدعاة الإسلامَ في خانة المشكوك في صحته، أو الضعيف الذي يحتاج إلى من يقوّيه أو يعضده أو يثبت عظمته ورفعة منزلته.
مثالان عجيبان يحدثان باستمرار، وبهما سيتضح مرادي ومغزاي من طرح هذا الموضوع:
الأول: مبالغة كثير من المسلمين -وفيهم رموز دينية ودعاة ووعاظ- في الفرح والاحتفال والاحتفاء إذا اعتنق أحد المشاهير الإسلام، سواء كان المعتنق من الغرب الكافر في نظرهم، أو من غيره من مناطق وشعوب اللا دينيين أو المؤمنين بأديان أخرى.
يطيرون فرحًا بشكل مبالغ فيه في كثير من الأحيان، ويسلطون عليه الأضواء بصورة عجيبة وكأنهم كانوا في انتظار إسلامه، أو إسلام أمثاله من الرموز والبارزين، ليثبتوا للعالم أن دينهم هو الحق والصواب، بحجة ترك هؤلاء المشاهير مذاهبهم ومعتقداتهم السابقة والتحوّل إلى الإسلام.
والمثال الثاني يظهر في الاندفاع الشديد المتسرّع نحو أيّ اكتشاف علمي، وخاصة الاكتشافات والمعلومات والدراسات الجديدة، ونتائج البحوث العلمية المعاصرة، التي يجدون فيها ما يعتقدون أنه يثبت صحة آية كريمة أو حديث نبوي شريف، وكأنهم كانوا في شك من نصوص دينهم، أو أن اليقين بصحتها يحتاج إلى تجربة وتمحيص وبحوث علمية حديثة!
لا أعتقد أن إثبات عظمة رسالة خالدة كرسالة نبينا الكريم عليه السلام، يحتاج إلى كلِّ هذا الصخب والضوضاء والجلبة التي يتكرر افتعالها مع كل قصة جديدة من قصص اعتناق أحد البارزين الإسلام، ولا إلى كل هذا الضجيج والعجيج المصاحبين لكل اكتشاف علمي قد يُفهم منه وجود إعجاز في نص معين من كتاب الله تعالى أو سنّة نبيه المصطفى.
لا يملك المتأمل في شدة فرح ومبالغة هؤلاء إلا أن يتساءل بقوة عن موقفهم إذا تراجع العلماء أو الباحثون أو المكتشفون كما قد حدث، أو أظهر علماء آخرون غيرهم خطأ ذلك الاكتشاف كما حصل أيضًا أكثر من مرة، أو إذا ظهر خطأ في ربط هذا الاكتشاف بالنص الذي ربطوه به، أو عندما تظهر -وقد ظهرت كثيراً- اكتشافات علمية جديدة تنقض وتفند وتدحض الاكتشافات التي فرحوا بها وربطوها بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية؟
إن تضخيم موضوع الإعجاز العلمي في القرآن والسنَّة، والمبالغة في البحث عن إثباتات علمية لتأكيد صحة ما ورد في كل آية وفي كل حديث.. إن تهويل ذلك يضعنا في مواقف محرجة في حال ظهور -وقد تكرر هذا الظهور- إثباتات أخرى أقوى تعارض الإثباتات السابقة التي طرنا بها فرحًا، ويجعل كثيرًا من المسلمين -خاصة العامة- في تخبط وارتباك شديدين، قد ينتج عنهما ما لا تحمده عقباه من النتائج الفكرية السلبية الضارة المتعدّدة.
وكذلك نتساءل أيضًا عن موقف هؤلاء الدعاة والوعاظ عندما يرتدُّ عن الإسلام أحد المشاهير الذين بالغوا في الاحتفال بأخبار إسلامهم، لا سيما -كما قد حدث- إذا جاءت الرِّدة نتيجة لقناعة جديدة، يراها صاحبها -بعد أن جرَّب الإسلام وسبرَ أغواره- أشد صلابة من قناعته السابقة حين قرر الدخول فيه!
دينكم عظيم يا هؤلاء، واعترف بعظمة رسالة نبينا الكريم عليه السلام كثير من مكذبيه قبل مصدقيه، فكفّوا عن هذا الصخب الضار، وعن صنع هذه الهالات المزعجة العجيبة، التي يفوق -في نظري- ضررها وخطرها على الدين نفعها له.