Saturday 29/11/2014 Issue 453 السبت 7 ,صفر 1436 العدد

شهادة في كتابتي للقصة القصيرة

تزامن عشقي للقصة القصيرة منذ قراءتي لقصص كامل كيلاني وقصص ألف ليلة وليلة في المدرسة الابتدائية في مدينة حائل، وترافق ذلك مع المناخ والسكن العائلي بين النخيل والمزارع وبيوت الطين الحائلية في حائل القديمة أو (حدري البلا).

إن الجو الخيالي ساهم في محبة هذه القصص وتدعم ذلك في الاستماع للقصص والأساطير الشعبية التي كنت أصغى إليها من عمتي منيرة - رحمها الله - التي تميزت في حبكة القصة وتدرجها في الحبكة والجاذبية مرورًا بالإثارة والتشويق والخيال في مرحلة الطفولة الذي ساهم في توليد مهارة القص والاسترجاع والتفكير في عناصر القص واستثمارها.

ولعل تعزيز هذا التعلق بالقصة والأسطورة صاحبه قراءات مستمرة للحكايات والأساطير الشعبية خصوصًا الأسطورة الهلالية والأميرة ذات الهمة وأساطير الحب والجمال عند الاغريق والأساطير السومرية التي أشعلت حب القص وتنمية الخيال.

كما ساهمت القراءات الأولى للأعمال القصصية والرواية العربية كأعمال محمد عبدالحليم عبد الله وإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ وجبران خليل حبران وميخائيل نعيمة، وتوفيق الحكيم وجمال الغيطاني ويوسف القعيد وصنع الله إبراهيم وعبدالرحمن مجيد الربيعي وإسماعيل فهد إسماعيل وعبدالسلام العجيلي وجبرا إبراهيم جبرا وعبدالرحمن منيف والطاهر وطار والطاهر بن جلون وغيرهم، والأدب المترجم كروايات وقصص ارنست همنجواي خصوصًا الشيخ والبحر وثلوج كلمنجاروا وتشارلز ديكنز في قصة مدينتين، وديفيد كوبر فيلد وفكتور هيجو في البؤساء وغوستاف فولبير في مدام بوفاري، ومكسيم غوركي والبير كامي في الغريب والطاعون والمنفى والملكوت وسارتر في بعض مسرحياته، ثم أعمال تولستوي الحرب والسلام وانا كارنينا ودستوفسكي في الإخوة كارامازوف والجريمة والعقاب والأبله وغيرها ومارسيل بروست في بعض أجزاء روايته البحث عن الزمن الضائع ووليم فوكنر في الصخب والعنف ومجموعاته القصصية وجيمس جويس في صورة الفنان في شبابه وأهل دبلن وفيما بعد عوليس باللغة الإنجليزية.

كما اتيحت الفرصة لي بقراءة الإلياذة والأوديسة وبعض المسرحيات الإغريقية المترجمة خصوصًا ترجمات طه حسين وتوفيق الحكيم وغيرهم من المترجمين المصريين وكذلك سلسلة المسرح التي أصدرها المجلس الثقافي الكويتي.

ولا شك أن تأثير الروايات والقصص المترجمة كان أكثر تأثيرًا خصوصًا أعمال همنجواي وفولبير مدام بوفاري ووليم فوكنر في الصخب والعنف ترجمة جبرا ابراهيم جبرا، وصورة الفنان في شبابه لجيمس حويس والغريب للبير كامي والبحث عن الزمن الضائع لمارسيل بروست وأعمال غادة السمان المبكرة مثل عيناك قدري، ولا بحر في بيروت، التي كانت صدى للأدب الفرنسي الوجودي والأمريكي الحديث المترجم وقتذاك.

وتلا ذلك قراءة متعمقة للقصة القصيرة العربية والأجنبية كيحي حقي، يوسف إدريس، زكريا تامر، ادوارد الخراط، محمد البساطي وغادة السمان وأعمال ادجار الآن بو وأعمال فرجينا وولف القصصية باللغة الإنجليزية في فترة متأخرة.

وربما كنت أحد المتأثرين بأسلوب تيار الوعي أو تداعي المعاني لدى كل من فرجينيا وولف وجيمس جويس ووليم فوكنر وانعكس على بعض كتاباتي القصصية الأمر الذي جعل بعض النقاد والدارسين يصنفون أسلوبي القصصي ضمن أسلوب أو مدرسة تيار الوعي خصوصًا النقاد صالح الشنطي، وأحلام حادي، وكوثر القاضي في كتبهم النقدية ودراساتهم الجامعية عن القصة السعودية.

وربما ساهم تخصصي الجزئي في علم النفس في مرحلة الدراسة الجامعية في شغفي بأسلوب تيار الوعي أو التداعي الحر، وفي مرحلة الدراسة الجامعية (قسم التربية وعلم النفس والأدب) بكلية التربية جامعة الملك سعود كنت معنيًا بالعلاقة بين الإبداع في الأدب وعلم النفس وكتبت بعض المقالات في مجلة كلية التربية السنوية، ثم زاد اهتمامي بالبحث في مجال سيكلوجية الإبداع حيث أعددت مجموعة بحوث نشر أحدها في الملحق الأدبي بصحيفة الرياض، ولعل الظروف تساعدني على إصدار كتيب في هذا الموضوع المهم والمتجدد عبر الزمن.

وزاد اهتمامي في القصة القصيرة عندما انتقلت للدراسة الجامعية في جامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقا) في عام 1971 - 1391 حيث اتصلت بالمكتبات خصوصًا مكتبة جامعة الملك سعود والمكتبة الوطنية، حيث اطلعت على أهم الروايات العالمية المترجمة واكتملت قراءتي وبدأت في تطوير أسلوبي القصصي وتعرفت على بعض محرري الصفحات الثقافية أمثال الأستاذ علوي الصافي والأستاذ عبد الله الماجد، ثم الأستاذ الشاعر سعد الحميدين.

إن مشاركتي القصصية جاءت بعد كتابات جيل قصصي سبقنا أمثال الأستاذ المرحوم إبراهيم الناصر والأستاذ عبد الله الجفري، ثم جيل سليمان سندي وعبد الله السالمي، ولطيفة السالم وحسين علي حسين وجارالله الحميد وسباعي أحمد عثمان وعبد العزيز المشري وخيرية السقاف ومحمد علوان وعبد الله باخشوين وغيرهم.

وقد نشرت أول قصة في مجلة اليمامة وهي (خيوط العنكبوت)، ثم نشرت في ملحق الرياض الثقافي ثاني قصة وهي (لا شمس في باشوت) وبعدها تعددت مشاركاتي في نشر قصص عديدة مثلت نواة محموعتي القصصية الأولى (الزمن والشمس اللذيذه) التي نشرت متأخرة بسبب سفري للدراسة لكمال الدراسات العليا في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولعل نشر بعض قصصي مع قصص مجموعة من الأصدقاء والزملاء في مجلة أو كتاب النادي الأدبي بالطائف، ثم نشر بعضها في مجلة القصة القصيرة التابعة لنادي القصة السعودية التي كان يشرف عليها الصديق والقاص الأستاذ خالد اليوسف، وكان ذلك محفزًا إيجابيًا على الاستمرار بالاهتمام بفن القصة القصيرة ونشر المزيد من القصص آنذاك

وفي فترة الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين سبتمبر 1978- ويونيو 1981

خف اهتمامي بالقصة القصيرة وكتابتها لانشغالي باللغة الإنجليزية والدراسة غير أني كنت على تواصل بالقراءة بالإنجليزية خصوصًا بعض أعمال ادجار الن بو وهمنجواي وفرجينا وولف، كما تعرفت على مجموعة كتاب القصة القصيرة في قسم الأدب الإنجليزي بجامعة ولاية كليفورنيا (همبولدت) وتعرفت على بعض هواة كتابة القصة وتبادلنا التجارب، غير أني لم استمر معهم بسبب انشغالي في الدراسة الجامعية (تخصص الإدارة والسلوك التنظيمي) وكثرة المتطلبات الدراسية والقراءات، لأن الجامعة تعتمد الدراسة الفصلية المستمرة (4 فصول دراسية بالسنة).

وبعد عودتي إلى المملكة بعد إنهاء الدراسة انهمكت في العمل الأكاديمي والاستشاري والبحثي حيث عملت كمحاضر ومستشار إداري في معهد الإدارة، ثم كلفت بعمل إداري كمدير عام للبحوث بالمعهد، وهذا العمل أخذ وقتي وطاقتي مع الأعمال البحثية والاستشارية في المعهد حيث كان المعهد في قمة عطائه وتطوره وتحدياته مع تزامن خطط التنمية الطموحة الثانية والثالثه وانشغلت مع بقية الزملاء.

وخلال هذه الفترة توقفت عن الكتابة القصصية وانشغلت في التأليف في مجال الإدارة في معهد الإدارة حيث أصدرت عدة كتب تدريبية وأكاديمية، وساهمت في بحوث في مؤتمرات وندوات نشرت في معهد الإدارة.

وبعد فترة من الزمن عدت لممارسة نشاطي الأدبي في القصة وقررت نشر مجموعتي القصصية الأولى (الزمن والشمس اللذيذه) عام 1985 - 1405

كما استأنفت نشاطي القصصي حيث نشرت عدة قصص في بعض المجلات والصحف السعودية ومن أهم تلك القصص قصة (هموم صالح الشرقي في شارع غربي) وقصة (وقت للحب) وقصة (اروى في الخليج) وقصة (شبح المدير العام) وقصة (بقايا الطباشير) و(عظم السمكة) وقصة (حكاية شوق) نشرت في مجلة أدبية سورية وغيرها من القصص التي تشكل مع غيرها مجموعتي الثانية التي سوف تصدر قريبًا إن شالله.

كانت القصة تمثل لي حكاية حميلة ورمزًا ممتعًا وتقنية متقنة وما زلت أنظر إليها كذلك ولم تكن اللغة تشغلني، لهذا استمتع بما كتبه يوسف إدريس كما استمتع بما كتبه جيمس جويس وماركيز وفرجينيا ولف وغادة السمان وارنست همنجواي ومارسيل بروست وغيرهم حتى يومنا هذا فأعود إليهم لأنهل من روعة وجمال ماكتبوا منذ سنوات.

إن روعة القص والرمز والتقنيات والحبكات المتنوعة هي ما تحفزني على إعادة قراءة هؤلاء المشاهير وغيرهم.

إن البعد الإنساني والدراما الإنسانية (الماسوية والكوميدية) هي التي تشدني في الأعمال القصصية والروائية والمسرحية ابتداء من الإلياذة والأوديسة والأعمال المسرحية لشكسبير مثل الملك لير وهاملت وعطيل ومرورًا بألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة العربية ووقوفًا عند الأعمال الروائية العالمية كعوليس لجويس أو الجريمة والعقاب لدستوفسكي أو مدام بوفاري لفولبير أو الغريب لكامي أو الحرافيش لنجيب محفوظ أو الحب في زمن الكوليرا لماركيز. وغيرها.

في كل هذه الأعمال تجذبني الدراما الإنسانية المتجددة حتى لو تغيرت الأوقات واللغات والبيئات والازمنة.. وهذا هو سر جمال الأعمال القصصية والروائية والمسرحية وروعتها.

وسر تعلقي واستمتاعي بها.

إن هاجس كتابة القصة لي بدأ منذ وقت مبكر في حياتي وقد تبرعمت هموم القصة لدى عند شعوري بالجفاف الذي تعرضت له مزرعتنا قبل سفري من مدينة حائل مع العائلة إلى الانتقال إلى بيشة في الجنوب، حيث عمل الوالد الجديد، وفي تلك المرحلة بدأت بذور أول قصة تكتب نفسها وهي قصة (سيمفونية الجفاف) التي كتبتها فيما بعد ونشرت ضمن مجموعتي القصصية الأولى، وما زالت تداعيات تلك القصة تلح على وحفزتني في الثمانينيات على كتابة رواية (أسطورة الشعيب) التي نشر بعض منها في صحيفة الرياض، ولم تنشر كرواية كاملة حتى الآن.

كما أن فترة دراستي الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية كانت فترة تأمل وتفاعل مع حضارة وثقافة جديدة وتبلورت في كتابات قصيرة تمثلت في حكايات (حكايات النهر المجنون) وهو نهر مجنون Mad River بالفعل نظرًا لغزارة مياهه الذي كنت أقضي فيه بعض الوقت للاستجمام والراحة في عطل الأسبوع مع زملاء عرب وغير عرب، ومياهه الغزيرة والعذبه تنحدر من الجبال وتصب في المحيط الباسفيكي حيث توجد أجمل شواطي ولاية كليفورنيا المتميزة بخضرتها وغزارة مياهها، وتنوع أشجارها وزهورها، وهو يمثل عكس (الشعيب) في حائل المتعطش للماء والخضرة، وسوف تكون المجموعة القصصية الثالثة تتضمن قصصي عن تلك المرحلة إن شاء لله. ونشرت إحدى قصصها بعنوان (دونه ودونات) في موقع القصة العربية في الإنترنت قبل عام. وإن شاء لله تصدر المجموعة الثالثة في وقت لاحق.

ناصر محمد العديلي - الرياض