الناشر : المؤسسة العربية للدراسات 2013
الصفحات : 344 صفحة من القطع العادي
يتناول الباحث موضوع المصطلحات العربية الحديثة ونشوئها في كتاب (الحداثة ومصطلحات النهضة العربية في القرن التاسع عشر) وقد عالج المؤلف موضوع الحاجة إلى مصطلحات حديثة بعد أحداث تاريخية كان لها تأثير كبير في الحياة والثقافة العربيتين ومن ذلك مثلا احتلال نابليون بونابرت لمصر وما تبعه من نهضة أطلقها محمد علي. ويقول الباحث في مقدمة كتابه :
«في هذِهِ الدِّراسةِ سنتبع الألفاظَ التي استعْمَلها الشِّدياق لِتَسْمِيَةِ بَعْضِ الـمُؤَسَّساتِ الحَديثةِ التي أخَذَت في الظُّهورِ في مُدُنِ الدَّوْلةِ العُثمانِيَّة والبِلادِ الخاضِعَةِ لها التي تَشْملُ مَناطِقَ شاسِعةً مِن الأراضي العربيَّةِ، والـمُؤَسَّساتِ التي عَرَفَها الشِّدياق أثناء عَيْشِهِ في أوروبّا، أو مِن اِطّلاعِهِ عليها مِن خِلالِ الصَّحافةِ وعَمَلِهِ فيها· وسَوْفَ نُورِدُ هَذِه الألفاظَ كما وَرَدَت في كِتاباتِ الشِّدياق في جَريدةِ الجوائب التي تُبَيـِّنُ استعْمالَهُ لِكُلٍّ مِن هَذِه الألفاظِ· كما سَنَتَتَبَّعُ مُحاوَلاتِ الشِّدياق الجادَّةَ لِاستنْباطِ اللفْظَةِ الـمُناسِبَةِ للتَّعبيرِ عن مُسْتَحدَثاتٍ حَضارِيَّةٍ أصبَحَت رَمْزاً مِن رُموزِ الحَداثَةِ في الدَّوْلَةِ، وأمْراً ضَروريّاً في حَياةِ العَديدِ مِن مُواطني الـمَناطِقِ النّاطِقَةِ بالعربيَّةِ، وخاصَّةً في الـمُدُنِ التي كان لَها عَلاقاتٌ تِجارِيَّةٌ، أو كانَ بِها مَراكِزُ إِدارِيَّةٌ لَها اِتِّصالاتٌ مُباشِرَةٌ مَعَ الدَّوْلَةِ العُثمانِيَّةِ ومُؤَسَّساتِها الـمُخْتَلِفَةِ في الحِقْبَةِ الزَّمَنيَّةِ التي استمرَّت فيها الجوائب بالنَّشْرِ (1861 -1887)»·
«واجَهَت اللُّغةُ العَربيَّةُ وعلى مَرِّ عُصورِها، وخاصَّةً بَعْدَ ظُهورِ الإسلام وبَعْدَ اِزْدِهارِ الحَضارةِ في العُصورِ الإسلاميَّةِ الأولى بَعْدَ الفُتوحاتِ الـمُثيرةِ والتَّوَسُّعِ خارِجَ الجَزيرةِ العَربيّةِ، مَسْألَةَ استنْباطِ مُفْرداتٍ للتَّعبيرِ عن الـمَناحي العَديدةِ لِلحَياةِ الجَديدَةِ التي سَبَّبَها الدّينُ الجَديدُ، وخاصَّةً نتيجةَ اِتِّصالِ العَرَبِ بالأمم التي تَغَلَّبوا علَيْها بالفَتْحِ العَسْكَريِّ، كالفُرْسِ والبيزنطيّين، وتأَثَّروا بِحَضاراتِها الـمُتَطَوِّرةِ بالنِّسْبَةِ لِـما كانَ عِنْدَ العَرَبِ في الجَزيرةِ العَربيَّةِ، وكذلكَ نَتيجَةَ الاِتّصالِ غيْرِ الـمُباشَرِ كَنَقْلِ العُلومِ اليونانيّةِ والهِنْدِيَّةِ عَن طَريقِ التّرْجَمَةِ في القُرونِ التّاليةِ للفُتوحاتِ العربيَّةِ وتأسيسِهِم دوْلةً شاسِعَةَ الحُدودِ· والسُّؤالُ الذي نُريدُ الإِجابَةَ عنهُ هُوَ : كَيفَ تُسْتَنْبَطُ الألفاظُ في اللغةِ للتَّعبيرِ عَمّا يَسْتَجِدُّ في مُجْتَمَعِ مُتَكَلِّميها مِن مَظاهِرَ حَياتِيةٍ؟ وهذا السُّؤالُ واجَهَهُ كثيرونَ غَيرُنا في الـماضي، وقَدَّموا لَهُ على مَرِّ العُصورِ أجْوِبَةً عَديدَةً ومُفيدَةً للباحثينَ في هذا الـمَيْدانِ· فَنَرى مَثَلاً أحمد بن محمد بن الحسن بن المَرزوقي (ت· 421هـ / 1030م) يقولُ التّالي : ومنها أن الألفاظ إنما كانت توضع بحسب الحاجة إليها، فقد علمنا أن الواحد منا كما يقصد إلى الأخبار عن الأعيان المحسوسة، كذلك يقصد إلى الأخبار عن الأجناس المعلومة، ويعلق المقصود بها كما يعلقها بالمفردات· ومَعَ ذلك، وكما هُوَ مَعروفٌ، لا يَزالُ السُّؤالُ يَطْرَحُ نَفْسَهُ على الـمَجامِعِ اللُّغويَّةِ في البِلاد العَربيَّة حَتَّى هذا اليَوْم، وكذلك على العاملينَ في مَجالاتِ التَّعليمِ، والتَّصنيعِ، وخاصَّةً على أساتِذةِ العُلومِ الحَديثَةِ في الجامعاتِ كَعُلومِ الاِتّصالاتِ، والعُلومِ الكيمائيَّةِ والحَيويَّةِ، والطِبِّ وفُروعِهِ الـعَديدةِ والمُتَطَوِّرةِ دائِماً، وعلى الصُّحفيينَ الذين يُواجِهونَ نَقْلَ الأخْبارِ بالسُّرعةِ الـمُتَوَقَّعةِ مِنْهُم من النّاحيةِ الـمِهَنِيَّةِ لِلحِفاظِ على مُواكَبَةِ ما يَدورُ عالَمِيّاً على مَدى السّاعةِ، وكذلك عَلى الـمُهْتَمّينَ بِالشَّأْنِ اللُغويِّ عُموماً· ولا يَزالُ الباحِثونَ والعُلَماءُ يُواجِهونَ هذا السُّالَ ويُحاوِلونَ جادّينَ إيجاد الأجْوِبَةِ النّاجِعَةِ لَهُ· ولَعَلَّ في ذِكْرِ طُرُقِ الإجابةِ على مِثْلِ هذا السُّؤالِ في الماضي فائِدَةً للتَّعَرُّفِ على آلِيّاتِ تَوْليدِ الـمُصْطَلَحاتِ».