Saturday 29/11/2014 Issue 453 السبت 7 ,صفر 1436 العدد

وثيقة سياسية نادرة من كتاب «قبل سقوط الشاه بقليل» 2-3

مائير: جيد.

كيسنجر: وقال لي إنه سَرَّحَ حتى الآن 200,000 جندي، (أي أنهى تعبئتهم) وكل وسائل النقل المساندة لهم. قلتِ لي: أنكِ ستسرحين نصف الاحتياطي الخاص بك.

دينيتز: قلت لدادو(5) إليعازر إننا سنحدد رقماً أكثر دقة.

كيسنجر: إذا كُنتَ تستطيع أن تفعل ذلك الآن فيمكنني أن أرسله له كما لو كان منكِ.

دينيتز: جيد.

مائير: كيف يرى السادات إمكانية الاتصالات السياسية المباشرة بيننا؟

كيسنجر: سأكون هنا مرة أخرى في غضون 4-6 أسابيع. يمكننا مناقشة الأمر عندها.

دينيتز: ربما يمكن ترتيب لقاء بين رئيسة الوزراء والسادات في وجودكم.

كيسنجر: من وجهة نظرنا، سوف نرحب باللقاء.

مائير: سمعنا أن السادات يريد مساعدتي ضد ديان (6)!

دينيتز: لقد بقيت أتحدث معه أمس، حتى 01:30 (صباحاً).

مائير: إنه مجروح حقاً.

دينيتز: قال إنه لا يريد أن يضركِ.

مائير: إنه شخص معقد جداً. كنت أعارض وجوده في عام 1967، ولكننا عملنا معاً بشكل جيد.

كيسنجر: لقد كان إيجابياً في مأدبة العشاء تلك الليلة.

دينيتز: لقد كان مع فك الاشتباك فقط كفترة راحة واستجمام.

كيسنجر: هذا هو السبب الوحيد الذي يهمني أيضاً(7). أنتم تحتاجون إلى بعض الوقت، وتموضع جديد للقوات. هناك بالكاد فرصة 30 % فقط للحصول على أي تنازل من مصر.

مائير: لقد قال ديان إنه يعتقد أن السادات يريد السلام.

كيسنجر: وأنا أعتقد ذلك أيضاً. كان يمكنه أن يحرجني بممارسة خطابية السياسة العربية حول فك الاشتباك في سوريا. السادات ليس أحمق، بل يعلم تماماً ما هي استراتيجيتنا الحقيقية(8). تذكري مقال مجلة نيوزويك عن كوني سبب تأخير محادثات الكيلومتر 101 من أجل استكمال فك الاشتباك خلال رحلتي. لقد قرأها، وقال: «بالطبع! هذا هو السبيل الوحيد». أمس، لم يُثر حتى المرحلة المقبلة. أخذته على جانب فقط، لأقول إنني لست ضد مناقشتها. لم يذكر أبداً حدود 1967. وعلى شاشة التلفزيون كان يرتدي ملابس مدنية، وقال: نعم، إن للملابس أهمية رمزية. وإنها أول مرة يستقبل فيها ضيفاً أجنبياً بالملابس المدنية منذ الحرب. وسُئل إذا كانت تعني نهاية الحرب، أجاب: كلا، لكنها تعلن عن عصر جديد.

السادات سيحتل ليبيا

يقول: إن رئيس الوزراء الليبي في موسكو لشراء دبابات [T- 62] وطائرات فوكسباتس [ميج-25]. إذا كان ذلك صحيحاً فهذا يعني أن القوات السوفييتية ستدخل ليبيا؛ لأن السادات يعتقد أنه لم ولن يوجد طيار ليبي يستطيع قيادة الفوكسباتس على مدى السنوات الـ 50 المقبلة. وإذا حدث هذا التطور - يقول السادات - فسوف يتحرك ضد ليبيا، إما عن طريق صنع تمرد في ليبيا، أو يحتلها بالقوات المصرية. ويريد تأكيداً وضماناً بأنك سوف تبقين هادئة. قلت: لا أستطيع أن أتكلم نيابة عنكِ!

مائير: بالتأكيد! يمكنك طمأنته.

كيسنجر: [بتهكم] بالطبع، لا أعتقد أنك ستكسرين فك الاشتباك لإنقاذ القذافي!

وبخصوص الاستطلاع، لقد تخلص من الفوكسباتس السوفييتية، ويحتاج الآن لصور طائراتنا الاستطلاعية كما اتفقنا. وقال إنه يفضل طائرات التجسس «لوكهيد يو-2» (U-2) بدلاً من الأرخص «إس آر-71» (SR- 71)، وسوف نقوم بتجربة تجسس عليكما بواسطة «لوكهيد يو-2» ليرى مزاياها، ويمكننا أن نقول للحكومات الأخرى إننا نفعل ذلك بإذنه وإذنكِ أنتِ. سوف نطير في 5 مارس، وسوف نحاول أن نحصل على «لوكهيد يو-2» في قبرص، ونعطيكما معاً المسار الذي ستسلكه. أقصد عبر (...) كما تعلمون. [يسلم خريطة لمائير ويتدارسونها].

مائير: هل يمكن أن نحتفظ بالخريطة؟

كيسنجر: نعم، أرادوا [المصريون] إخطاراً برحلتنا. قلت: إننا لا نستطيع؛ لأنهم سوف يخفون المعدات. قال: لا بأس.

لقد وافق على التمديد لقوات الأمم المتحدة. ستنتهي مهمتهم في 25 إبريل. ووافق على أن نطلب معاً تمديداً لمدة عام. ولكن عادة ما يكون التمديد ستة أشهر. ووافق على ذلك. أنا متأكد من أنكِ تريدين ذلك.

مائير: طبعاً.

كيسنجر: وهذا يعني أنها مضمونة.

مائير: ماذا سيكون الموقف الروسي؟

كيسنجر: هم من طلبها لأول مرة، وإذا كانت مصر وإسرائيل معاً تطلبان التمديد لسنة واحدة فعلى أي أساس يمكن للروس رفض ذلك؟

وبخصوص فك الاشتباك، اسمحي لي أن أقدم لكِ الخلاصة.

قلت لكِ: إنه حريص على أن يكون عنده ملحق عسكري أمريكي في مصر؛ ليتمكن من أن يعرض له بعض المعدات الروسية. وهذا هو السبب في اختلافي مع تحليل رابين - الأمر يتجاوز سياسة المسار المزدوج. إنه لم يطرح مسألة المرحلة الثانية على الإطلاق. وقد أثرتها في النهاية، وذلك فقط ليظهر في المحضر أنني كنت مستعداً لمناقشة الأمر.

وبخصوص سوريا، شرحت بالضبط ما حدث في دمشق. لقد غضب جداً على السوريين، وقال إنه يجب أن يكون هناك اتفاق لفك الاشتباك، وإلا فإن الأمر سيكون كارثة في جميع أنحاء العالم العربي. وقال إنه كان يتمنى تحقيق ذلك خلال أسبوع واحد، بالرغم من أنه سيبدو سيئاً؛ لأنه استغرق وقتاً أطول، ولكن بعد الطريقة التي تصرفوا فيها قال: «خذ وقتك». لقد عرضت موقفكم بأسوأ مما كان عليه. قلت إنكِ مستعدة للتخلي عن نصف الأراضي الجديدة، وبصورة خاصة معي، وبجهد كبير مني قد أعيدك إلى حدود 6 أكتوبر(9). قال إن هناك مشكلتين: الأولى، ما يمكنه دعمه دبلوماسياً. وثانياً، ما يجب أن يفعله، حيث لا يلجأ إلى الحرب فيما لو لجأ السوريون إلى الحرب مرة أخرى.

سيدتي رئيسة الوزراء، يجب أن أقول لكِ: إن تشكيل ائتلاف حكومي في إسرائيل يبدو خياراً مناسباً. تبدين أفضل راحة من ذي قبل.

قال سفيرنا في إسرائيل كيتنغ: إن عضواً في حزب ديني إسرائيلي جاء إليه، وقال: «هناك قضية واحدة نصرُّ فيها على دعم الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أن التحول إلى اليهودية لا يجب أن يتم إلا من قِبل الحاخامات اليهود الأرثوذكس». سألني كيتنغ عن موقف الولايات المتحدة. قلت: «ابتعد عني بحق الجحيم!». (يضحك)

مائير: هناك بدوي في قائمة الائتلاف. قال: إنهم سيبقون معنا - إلا إذا كنا سنشكل حكومة [ائتلافية] مع الليكود.

كيسنجر: (وصول الليكود للحكم) سيكون كارثة بالنسبة لإسرائيل، وسيقلل من احتمال نجاة وبقاء إسرائيل كما قلت لكِ.

مائير: هناك مشاعر تدعو للعمل معاً في البلاد، ولكننا لم نستطع. بيغن وتامير عقائديان. وجهة نظرهما هي أن الولايات المتحدة تعتمد علينا!

كيسنجر: كيف؟

مائير: (تضحك) لموقعنا الاستراتيجي إلخ. يريدون أن يعرفوا لماذا نأخذ أوامر من الولايات المتحدة [ضحك]؟

كيسنجر: سأكون سعيداً للشهادة في هذا الأمر!

هناك شيء واحد أختلف فيه مع سفيركم. لا يمكنكم الاستنتاج من عدد الناس المستعدين للتصويت لصالحكم كم سيكون عدد المستعدين للمخاطرة لأجلكم! الدعم المحلي في الولايات المتحدة لكم بالمعنى الاستراتيجي (مشكوك فيه) بصورة كبيرة.

مائير: نعم.

كيسنجر: اسمحي لي أن أكمل ما دار مع السادات. لقد قال: إنه قادر على عرض الانسحاب إلى خط 6 أكتوبر، باعتباره إنجازاً، وإنه يمكنه فعل ذلك، ولكن إذا رفض السوريون ذلك، وبدؤوا بحرب، فإنه سيكون من الصعب عليه أن يبقى متفرجاً(10).

في هذه الأثناء سيرسل مروان إلى المملكة العربية السعودية والكويت لمواجهة مناورات سوريا؛ لأن الأسد يرسل رسائل للقادة العرب.

وقال: إذا كنت تستطيع الحصول على خط أبعد من ذلك، فإنه سيمكنه أن يقول لي: إنه يمكن أن يبقى خارج الحرب، وسيتخذ موقفاً علنياً في دعم هذا العرض. وقال لي: إنه يمكنني أن أؤكد لكم ذلك. ثم أحضر إسماعيل والجمسي، وكرر ذلك. قلت: أنا متأكد من شيء واحد: لا يمكن (لإسرائيل) التنازل عن مستوطنة واحدة، من وجهة نظري. وثانياً، أعرف أن القوات السورية لا يمكنها التحرك لما بعد الخط الذي هم عليه. وقال: إنه يفهم ذلك.

دينيتز: خط أكتوبر.

كيسنجر: نعم، وقال: إنه يفهم هذا؛ ولا يطلب أي مقدار خاص بالعرض (width). ولكن إذا كان من الممكن عرض بضعة كيلومترات عليه فإنه سيؤيد شخصياً هذا العرض، ولن يذهب إلى الحرب.

مائير: ولكن موقفه مختلف، لقد عبر القناة والسوريون لم يحصلوا على أي شيء. وفي سوريا يعتبرون أن الانسحاب هو من جانب واحد فقط.

كيسنجر: ولكن بصرياً (ظاهرياً) سيبدو ذلك للعرب أنكم انسحبتم من أراضٍ كان يمكنكم الاحتفاظ بها.

دينيتز: صحيح.

مائير: ولكن كان لديه موطئ قدم على الضفة الشرقية.

كيسنجر: بعث الأسد رسائل للجميع بأنه فعل كل ما طُلب منه، وأنني أحضرت لا شيء - وهو نفس فهمنا، حتى بدأت زيارات الصليب الأحمر.

مائير: هل سمعت شيئاً عنهم؟

كيسنجر: نعم، لقد بُلغنا رسمياً. ألم تُبَلغي؟

مائير: قال يوم أمس مقر الصليب الأحمر في جنيف، إنهم لا يعرفون شيئاً عن ذلك.

كيسنجر: قال لي إيبان في السيارة: إنكِ سمعتِ. خذي (يعرض كيسنجر برقية بأن الزيارات قد بدأت).

مائير: هذا أمر جيد. ولكن عن المفقودين الذين ليسوا في القائمة، والذين نعتقد أنهم على قيد الحياة، هل تحدثت عن هذا الأمر؟

كيسنجر: فعلت. وقال الجمسي: إنه سينظر في ذلك. سأثيره الليلة.

إذا نجوت من دمشق الليلة فأنا أفضل ترك المنطقة.

دينيتز: إلا إذا كنت تريد أن تعود لتحضر رفع العلم على السفارة التي ستفتحون في القدس؟!

إذا كان هناك حكومة جديدة مع بيغن فسوف تحتاج إلى سفير جديد. وربما ترغبون في ذلك على أية حال.

** ** **

هوامش المترجم:

(5) ديفيد (دادو) إليعازر (1925 - 1976) رئيس أركان الجيش الإسرائيلي من 1972 إلى 1974. أجبر على الاستقالة بعد انتصار العرب في حرب 6 أكتوبر عام 1973. توفي إثر أزمة قلبية لتأثره من شدة التوبيخ لهزيمة إسرائيل. (العيسى).

(6) أي في التنافس على زعامة حزب ماباي (العمل لاحقاً) الاشتراكي وبالتالي رئاسة الوزراء. (العيسى).

(7) تأملوا الهدف الحقيقي للمفاوضات (أي لكي تلتقط إسرائيل أنفاسها) وخداع هذا الثعلب الغادر الكاذب للعرب، وخاصة المرحوم السادات الذي وثق فيه. (العيسى).

(8) شهادة يستحقها الداهية الرئيس أنور السادات رحمه الله. «والحق ما شهدت به الأعادي» كما قيل. (العيسى).

(9) ما هذا الحياد أيها الوسيط كيسنجر؟ فعلاً صدق من قال: «المتغطي بالأمريكان عريان». (العيسى).

(10) هذه وما يليها مناورات رهيبة من الداهية السادات للتلاعب بكيسنجر وإرهاب إسرائيل لانتزاع أكبر قدر من التنازلات منهما. (العيسى).

....................................................يتبع

ترجمة وتعليق: حمد العيسى - المغرب Hamad.aleisa@gmail.com