«اهتم فريق من النقاد (وهم السرديون) بدراسة بنية الرواية، وحاولوا الإجابة على سؤال مهم هو كيف يروي الراوي روايته؟ وهو سؤال يحمل في الواقع في طياته ثلاثة أسئلة: من يروي؟ وماذا يروي؟ وكيف يروي؟، فالبنية السردية بالنسبة لهؤلاء النقاد هي نتيجة ثلاثة أطراف: الراوي والمروي والكيفية، ولا يتأتى تشكيل البنية العليا للرواية إلا بتكامل هذه الأطراف الثلاثة في بنية كلية شاملة لدلالة الحكاية. تحوز الشخصية في الأدب السردي على غالب اهتمام الروائي، فهي دابته التي تنوء بثقله كله، هي التي تنجز الحدث و تنهض بدور تضريم الصراع أو تنشيطه من خلال سلوكها وأهوائها، ولكي يتم استجلاء الكيفية في تقنيات تقديم الشخصية في الرواية، فلا بد من الإشارة إلى أشهر النماذج التحليلية المتعلقة بتحليل الشخصيات في نطاق التيار البنيوي وهو ما يسمى بـ» بالمربّع السيميائي «يقول بسام بركة:» يطلق على هذه الشخصيات اسم « العوامل « لأنها تعتبر، فاعلة في نطاق الحكاية أو الحبكة. وهي ستة عوامل لكل منها دور خاص، واضح معناه من الاسم الذي تحمله: الشخص الفاعل، والمفعول، والحافز، والمستفيد، والمُساعد، والمُعارض.»
وحينما تُقرأ الرواية ويُستقصى الدور الفاعل الذي تلعبه كل شخصية فيها، حينئذ يصل القارئ إلى بؤرة السؤال التكويني المتعلق بالكيفية. ولايمكن سبر أغوار الشخصية الروائية دون دراسة تظافر عناصر السرد مع وظيفة الشخصية،ووظيفة الشخصية السردية في العمل الروائي هي إخراج الفكرة من نمط تفكيري إلى واقع تأثيري، وقد وزع بروب هذه الوظيفة على أهم الشخصيات في الرواية وقد حصرها في سبع شخصيات لكل شخصية دائرة فعل:»دائرة فعل الشرير، ودائرة فعل المانح، وفعل المساعد، وفعل الأميرة،والمرسل، والبطل، والبطل المزيف « .
أما رولان بارت فقد أشار إلى كون الشخصية فاعلاً في النص القصصي ، ولهذا الفاعل وظائف يظهر من خلالها دوره في القصة ، كما تظهر سماته، ويضاف إلى ذلك أن له أعمالا تظهر بواسطتها علاقات الفاعل في ثلاثة محاور:هي الحب والتواصل والمساعدة، و نجده يميز بين نوعين من الوظائف التي تتوافق بشكل كبير مع ما أسماه تشو مسكي بالحوافز ، ويسميها بالوحدات ، وتكون هذه الوحدات (إدماجية أو توزيعية) ؛ لذا فهي تقتضي علامات جمع بينها، فكل حدث يشار إليه في القص لا يوضع اعتباطا بل له دلالة تكشفها الأحداث لاحقا.
وتتقاطع الشخصية والزمن في المكون السردي بوصفهما عنصرين أساسيين من هذه البنائية، وتتشابك معه في تشكيلة معقدة، من خلال الزمن النفسي، والمفارقات الزمنية، على النحو التالي:
1- المفارقات الزمنية:
لا يجد الروائي في خطابه أقدر من الشخصية ؛ليظهر فيها أزمنته، فتقابل الشخصية في الرواية الشخص العادي في معترك الحياة، ولكن هذا لا يعني أن الشخصية شخصا، في الوقت نفسه تصورها «لا يمكن أن يكون مستقلا عن تصور عام للشخص، الذات، الفرد» إنها صورة قلمية عن الشخص/الإنسان بلحمه وشحمه بقدراته العقلية وحاضره القائم، وذاكرته العجيبة،ولا يأخذ الزمن في الرواية خطا مستقيما، كما هو في الطبيعة؛ إذ يمكن للرواية أن تسارع الحدث أوتجتزئ منه، وتختزله، وتوقفه فجأة، ويمكنها أن تقدم الماضي السحيق في حاضر الشخصية «فإن الإمكانات التي يتيحها التلاعب بالنظام الزمني لا حدود لها ذلك أن الراوي قد يبتدئ السرد في بعض الأحيان بشكل يطابق زمن القصة، ولكنه يقطع بعد ذلك السرد؛ ليعود إلى وقائع تأتي سابقة في ترتيب زمن السرد عن مكانها الطبيعي في زمن القصة الذي يخضع للتتابع المنطقي للأحداث بينما لا يتبع الزمن السردي ذلك، وهنا يحدث ما يسمى بـ «المفارقات الزمنية».
وقد ألمح (جيرار جنيت) إلى دور الذاكـرة الشخصية في المفارقات الزمنية في نقده لرواية (بحثا عن الزمن الضائع) لـ (مارسيل بروست)يقول: «إن المفارقات الزمنية للتذكرات -الإرادية أو اللاإرادية- وطابعها السكوني يتفقان في أنهما يصدران عن عمل الذاكرة التي تختزل المراحل التزمنية في فترات تزامنية، والأحداث في لوحات – وهي فترات ولوحات تنظمها الذاكرة في ترتيب ليس ترتيب الفترات واللوحات، بل ترتيبها هي، ومن ثم فالنشاط الذاكري للذات الوسيطة عامل (بل وسيلة)، كما أود أن أقول، لتحرير الحكاية من الزمنية القصصية على الصعيدين المترابطين - صعيديْ المفارقة الزمنية البسيطة، والتردد الذي هو مفارقة زمنية أكثر تعقيدا».
2- الزمن النفسي:
يسير الزمن وفق خطه الثابت في مسار واحد لا رجعة فيه، دون تسارع أو تباطؤ، وهو ما يعرف بالزمن الموضوعي، أو الزمن الخارجي، ولكن هذا الزمن لا يبقى كذلك دائما – في النفس – على الأقل، فكيف يمكن جره أو دفعه إلى الذات، وكيف يمكن لهذا الخط أن يأخذ مسارا آخر في مسالك النفس وتموجاتها؟ يقول الفلاسفة والنقاد: «إنه العقل... العقل ذاكرة، والذاكرة زمن، فالعقل إذن زمن،..، هكذا يمكن دفع الزمن إلى الذاكرة النفسانية الداخلية عن طريق العقل، الذي هو بالتالي مقيد بالزمن الخطي من الخارج، ويصبح الزمن النفساني داخليا، هذا بالإضافة إلى أن ثمة تزاوجا بين العقل والزمن، من حيث إن الأول وليد الآخر، بمعنى أن العقل تطور بالزمن.
إن ظهور هذا الزمن وتفاعل الشخصيات الروائية معه، في تفاوت الإحساس به تحت ضغط الظروف المختلفة، أمرٌ فطن له النقاد، لوضع معنى لردود فعـل الشخصيات الرئيسية في القصة، دون تصوير مباشر للطريقة يمر بها الزمن أو طريقة شعور الشخصية بمروره، من قبيل: (مر الزمن ثقيلا، بطيئا)، فإن جوهر الدراما في القصة يكمن في خلق شعور بالحاضر التخيلي الذي يتحرك إلى الأمام».
أما المكان في الرواية «هو البؤرة الضرورية التي تدعم الحكي وتنهض به في كل عمل تخيلي».ولهذا فقد تعددت الدراسات التي تعني بدراسة هذا العنصر،وبرز نتيجة لذلك العديد من المصطلحات المتداولة فيها « كالمكان الروائي، والفضاء الجغرافي، والفضاء الدلالي والفضاء النصي والفضاء بوصفه منظوراً».فهناك فارق بين المكان في الواقع والمكان في فضاء الرواية، فالمكان هو عالم وصفي، وإن كان يستمد أدواته من الواقع والفضاء الروائي هو الذي يقيم علاقة التفاعل مع المكونات الحكائية في العمل الأدبي والتي تأتي في مقدمتها علاقته بالشخصية الروائية، حيث إن» ظهور الشخصيات ونمو الأحداث التي تساهم فيها يساعد على تشكيل البناء المكاني في النص فالمكان لا يتشكل إلا باختراق الأبطال له. ولا يتحدد المكان مسبقا، وإنما تتشكل الأمكنة من خلال الأحداث.»فالمكان الروائي يتجاوز الحدود الجغرافية والفيزيائية؛ ليكون مكاناً خياليًا وإن كان موجوداً على أرض الواقع، لكنه يتخذ أبعاداً عميقة من خلال ارتباطه بعناصر العمل الروائي؛ لذلك تتعدد صورة المكان باعتباره رابطاً جغرافياً بين الشخصيات ؛لتتخذ ملامح نفسية من خلال علاقته بالشخصية الروائية». ومن هنا يُلاحظ أن وصف المكان في الرواية يرد خدمة للأحداث التي تقدمها لشخصيات فنوعية الشخصية وسماتها تستلزم مكانا محددا وهكذا فإن ثمة علاقة تأثرية بين المكان أو صفات الشخصية التي تسكن فيه،فقد تصبح صفات الشخصية صفات للمكان الذي تعيش فيه. أما السارد فهو يقف في مرحلة وسيطة بين المؤلف وقرائه من جهة، وبين المؤلف وشخصياته من جهة أخرى، ولأن السارد أحد هذه الشخصيات باعتباره كائنا من ورق، أو كائنا من حبر، فهو واسطة القصة/ المسرود نحو المتلقي، المسرود له، و»هو كما يزعم (بوث) شخصية منزوعة عنها صفاتها، ولا تضطلع إلا بوظيفة الكلام»وإن فهم علاقة الشخصية بالسارد يعتمد أساسا على زاوية الرؤية، أو ما يعرف بأشكال التبئير، وهي متعلقة بالتقنية المستخدمة لحكي القصة المتخيلة، وقد اعتبر (تودروف) تبعا لـ (بويون) مجموع زوايا الرؤية السردية مجرد مظاهر للحكي، وفق التصنيف الآتي الذي يوضح العلاقة بين الشخصيات الروائية وزاوية الرؤية:
1- السارد ) الشخصية: وهي ما يعبر عنها بالرؤية من خلف، وتعني أن السارد يكون عارفا أكثر مما تعرفه الشخصية، ويستطيع أن يصل إلى كل المشاهد، وما يدور بخلد الأبطال وغيرهم، بل وبما لا يدركونه أصلا. وهذه الحالة السلطوية للراوي تناسب الشكل الموضوعي الآنف الذكر.
2- السارد = الشخصية: وهي الرؤية المعية، وتتساوى فيها معرفة السارد مع ما تعرفه الشخصية، فلا يمكن للراوي أن يقدم معلومات دون أن تكون الشخصية قد توصلت إليها، ويستخدم هذا الشكل ضمير المتكلم أو الغائب، حيث يمكن للشخصية نفسها أن تقوم برواية الأحداث، ويتماشى هذا الشكل مع الروايات الشخصية ضمن السرد الذاتي.
3- السارد ( الشخصية: وهي الرؤية من خارج، وتكون معلومات السارد فيها شحيحة بالنسبة للشخصية، فيبقى له الاعتماد على الوصف الخارجي، للحركة والأصوات، دون أن يكون لديه إلمام بما يخطط له البطل، وغني عن القول أن الشكل حديث العهد في إطار التجديد الذي شهدته فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويستنتج مما سبق أن الشخصية في الرواية أيا كان دورها لايمكن أن تدرس بمعزل عن باقي عناصر السرد، فقد يلعب أحد هذه العناصر دور الشخصية أو يمثل البطل في الرواية.