Saturday 29/11/2014 Issue 453 السبت 7 ,صفر 1436 العدد
29/11/2014

خيرنا من سَلِم الناس منه

يعرف كثير منا عينات مختلفة من الناس في الداخل والمحيط العربي، وفي الخارج لمن اتصل بالأمم الأخرى في سياحة أو عمل أو دراسة. وتتراوح سلوكيات تلك العينات فيما يخص التعامل بين البشر بين الإحسان واللطف وحسن الخلق، مروراً بالحياد وعدم إبداء أي شعور إيجابي، إلى الصلافة والعبوس وسوء الخلق.

يوجد - دون شك - بيننا أناس يتصفون بالسمات الدينية الخارجية، من مظهر، وربما وظيفة، ويمارسون أيضاً العبادات المفروضة فرض عين، وأخرى تطوعية، كالسنن من عمرة وصيام نافلة، إلى غير ذلك، ومع ذلك يمقتون الآخرين، خاصة من الضعفاء، الذين قد يحتاجون إليهم في عمل أو مساعدة، أو حتى في كلمة طيبة. فإذا كانت تلك العبادات لم توصل إلى نقاء الروح وطيب الطوية فهي بالتأكيد غير ذات جدوى.

وأظن مردّ نشأة هذا التناقض أن جزءاً كبيراً من أدبيات الدين في منطقة الشرق العربي قد حوَّلت الدين بعباداته ومراميه إلى تجارة خالصة: افعل كذا تحصل على كذا في الآخرة.. إذا تصدقت بكذا فإنك تنال من الأجر كذا من الحسنات. ومع التركيز على تلك المقايضات نسي كثير من المتعبدين نصوصاً أخرى تحث على طيب المعاملة، ومساعدة الآخرين بوازع من الداخل، وليس طلباً للمقابل. فأصبح التراحم والرفق بالحيوان على سبيل المثال ليس نابعاً من روح نقية محبة للغير، بقدر ما هو طلب للمقابل.

كما لم يسلم بعض أولئك السالكين مسلك الورع والتقى الخارجي من أن يصدر عنهم إساءة للآخرين، باللفظ أو الفعل (شتائم بالقول أو الكتابة، وإساءة بتقارير في العمل أو حرمان أصحاب استحقاق؛ ليمنح إلى آخرين غير مستحقين). فهل يجدر بمثل أولئك المسيئين أن يكونوا محط أنظار المجتمع، وقدوة لصغاره؟ لا أظن ذلك لائقاً بمجتمع يحرص على تماسكه؛ فالعبادات الفردية حق لكل شخص أن يصل فيها إلى ما يشاء، أما المعاملات فهي سكة حياة ومصير لكل المنتمين إليه، وعليهم واجبات في مراعاتها.

وقد انتشرت أخبار عن سلوكيات بعض أئمة المساجد الذين لم يكونوا على قدر مواقعهم الوعظية، مما يحدث النفور عند من أراد السكينة في موقع العبادة، خاصة من ذوي الفطرة السليمة، الذين لا يرون في هذه المنابر مجالاً لتصفية الحسابات مع التيارات المخالفة، أو إخراج العُقَد النفسية، ونفث الحقد الذي قد يكون موجوداً لدى بعضهم على المجتمع أو على بعض فئاته.

وكنت قد ذكرت في أكثر من مناسبة، تنتشر فيها مثل هذه الأخبار: لماذا لا تُعقد اختبارات نفسية ومعرفية لأولئك الناس الذين يتقدمون إلى وظائف تتعلق بالوعظ الديني، سواء أكان ذلك على المنابر أو في المراكز الحكومية أو هيئات الإرشاد، مما له علاقة بالتعامل مع الآخرين؟

وحتى في بعض القطاعات الخاصة المتعلقة باستخدام الدين، في تجارة التطبيب الشعبي أو النفسي، لم أعرف أن هناك أذونات تتطلب بعض الاختبارات والمقابلات الشخصية مع من يريدون ممارسة مثل هذه الأنشطة، والاطلاع على سيرهم الذاتية؛ إذ لا يكفي أن يكون مظهره مما يُطلق عليه من أصحاب الصلاح، دون إجراءات فاحصة، ولوائح مقننة لكل نوع من الأنشطة التجارية، بما فيها التجارة بالمعرفة أو الممارسة الدينية.

فقد ضبطت الأجهزة الأمنية، كما أعلنت الوسائل الإعلامية، عدداً من الممارسين للعلاجات الشعبية والرقية يتحرشون بمرضاهم، أو يتلاعبون بعواطفهم دون تقديم شيء مفيد لهم. ومع ذلك لم تراجع الجهات المعنية الوضع؛ لتقننه، وتمنع أولئك المخادعين من استغلال سذاجة الناس، أو إحباط بعض المرضى الذين لم يجدوا حلولاً لبعض الأعراض التي يعانون منها. فهل سنرى قريباً شيئاً من هذه التنظيمات؟

- الرياض