تظل القراءة باللغة الأم - بلا شك، حتى إن كان الكتاب مترجماً - تحمل نكهةً خاصةً؛ إذ تبدو كالسير في نزهة على ممشى مرصوف، يعفيك من مشقة قراءة الكتاب بلغة أجنبية قد تجعلك محتاجاً للعودة إلى القاموس بين الحين والآخر، كأنك تمشي في طريق كثير المطبات، تكثر أو تقل بحسب تمكنك من اللغة، ودرجة صعوبة الموضوع المقروء! غير أن قراءة الكتاب المترجم ليست دوماً «a piece of cake»، بل تجعلك أحياناً تسير في حقل من الألغام، عليك أن تقطعه بكثير من الحذر والتيقظ، رغم أنك لا تأمن ألا ينفجر أحدها فيك، وعندها لا يمكنك العودة إلى القراءة بالمتعة أو بالروح نفسها التي بدأت بها الكتاب، هذا إن لم تفكر بهجره إلى الأبد!
أحد هذه الألغام التي واجهتها شخصياً كانت في مجموعة قصصية لماركيز، بعنوان «ليلة الكروان وقصص أخرى»، صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة/ سلسلة آفاق عالمية عام 2008. اختار المترجم (شوقي فهيم) ترجمة المقليات الفرنسية لـ «French fries»، بينما من المعروف - بالرجوع إلى أي قاموس مدرسي بسيط أو قاموس جيب - أنها تعني البطاطا المقلية!
في لغم أو مطب آخر - سمها ما شئت - أجد كتاباً بعنوان (حواس مرهفة)، وهو مجموعة قصصية مترجمة لعدد من الكتّاب، قامت بترجمتها هالة صلاح الدين، وصدرت عن دار البوتقة للنشر والتوزيع عام 2010. وأول ما يقابلني في هذا الكتاب صدمة من النوع الثقيل! تبدأ المجموعة بقصة لكاتب وصحفي كيني، اسمه بارسيليلو كانتاي، عنوانها باللغة الإنجليزية «You wreck her»، لكن المترجمة تنقلها إلى العربية بعنوان «واكتواها»! وتبرر ذلك بقولها: «عنوان النص (واكتواها) هو النطق المشوه لكلمة (وجدتها)! إنه بديل أشبه بالمعجزة للعنوان الأصلي، وهو نطق خاطئ لكلمة «Eureka»، وقد كان من اليسير أن أستعين بكلمة وجدتها كعنوان للنص لولا إيحاءات فرضتها علي كلمة «wreck»، وتعني يدمر أو يحطم، وقد ألفيت أن الفعل اكتوى قد يسهم - ولو بقدر ضئيل - في تصدير مثل هذا الإيحاء!».
لست أدري لِمَ وصفت المترجمة بديلها بأنه أشبه بالمعجزة، بينما أراه في نظري أقرب إلى العجز، وإن كانت نجحت في أمر ما فقد نجحت في تشويه العنوان بشكل فائق، لدرجة أنني لم أستطع تجاوز الصفحة الأولى من القصة، كما أنني فشلت في قراءة العنوان «المعجز»!
في كتاب «أن تقرأ لوليتا في طهران» للكاتبة آذر نفيسي، الذي ترجمته ريم قيس كبة، وصدر عن دار الجمل عام 2011، نجد سقطات من هذا النوع، وإن كانت قليلة، لكنها لا تغتفر، لأسباب عدة؛ فالمترجمة متخرجة في كلية الآداب قسم الترجمة، كما أنها شاعرة مقيمة في بريطانيا منذ سنوات؛ ما يعني أنها لا ينقصها إتقان اللغة والثقافة الأدبية، فكيف تتحول لديها رواية «الحرف القرمزي» للكاتب الأمريكي ناثانيال هاوثورن إلى الرسالة القرمزية؟! ربما يكون عنوان الرواية باللغة الإنجليزية «The scarlet letter» قد أشكل على المترجمة، واختارت الرسالة مرادفاً لكلمة «letter» التي تحمل معاني عديدة، أولها - بحسب قاموس المورد - حرف أبجدي! قد تكون المترجمة آثرت منح العنوان لمسة شاعرية، أو ربما أرادت أن يكون له دلالة رمزية «فالحرف عبارة عن رسالة ثقافية أو اجتماعية» كما يرى د. سعد البازعي. والحق أن الرواية كلها تدور حول الحرف، وهو حرف «A»، الذي ينقش على قماشة بلون قرمزي، وهو اختصار لكلمة adulteress أي المرأة الآثمة، وبذا يصبح هذا الحرف الذي تحمله رمزاً لإثمها وخطيئتها وتبعات ذلك كله؛ لذا لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يتحول إلى رسالة!! كان يمكن للمترجمة - إن لم تكن مطلعة على الرواية أو حتى الفيلم الذي يحمل الاسم نفسه من بطولة ديمي مور وإخراج رولاند جوفي عام 1995 - أن تعود إلى أي محرك بحث؛ ليقدم لها ملخصاً للكتاب قبل أن تحسم أمرها في ترجمة عنوانه!
كيف يمكنني بعد كل هذه الأخطاء أن أستطيع الوثوق بالترجمة، إن كانت البدهيات قد أصبحت إشكالات لدى هؤلاء المترجمين؟! وهؤلاء أمثلة فقط، ويمكن لأي قارئ مطلع أن يعدد نماذج من قراءاته الخاصة التي اكتشفها بنفسه.
أظن أن الأمر كله يتعلق بمدى تواضع المترجم - إضافة إلى ثقافته وتمكنه من اللغة - الذي يجعله لا يتردد في سؤال «أهل الذكر إن كان لا يعلم»، أو في البحث والتدقيق مرة بعد أخرى، أو ربما كان ذلك نوعاً من استغباء القارئ، أو لنقل استغفاله، فلا يمكن للمرء أن يتقن كل اللغات ليأمن تعرضه لمثل هذه الأخطاء.
هل لك إذاً أن تعدد ألغامك؟!