Saturday 29/11/2014 Issue 453 السبت 7 ,صفر 1436 العدد

الشعبوية في تغريدات البازعي

يحضر مصطلح «الشعبوية»، أو الجماهيرية في أذهاننا كنوع من الخطاب المرتبط بالفعل السياسي ويعتبر المفكرون الشعبوية إيديولوجية أو فلسفة سياسية. وقد ناقش كتاب «سيكولوجية الجماهير»، لغوستاف لوبون والذي يعد مرجعا في هذا الموضوع، المصطلح باستفاضة، متوقفا عند دراسة نفسية الشعوب والأعراق البشرية، ودور العاطفة في دغدغة مشاعر الجماهير وتحريكها والتأثير عليها بشكل غير واعي، راصدا المكونات الشعبوية في الخطب السياسية، وأشكال الحكم، وفي الشخصية القيادية. وشهد مصطلح الشعبوية عودة إلى الواجهة منذ ثمانينيات القرن الماضي، في محاولة لتوصيف بعض الحركات السياسية في العالم. ولاتزال بعض المراجع تؤكد صعوبة الوقوف على تعريف دقيق لهذا المصطلح، معتبرة أنها مهمة صعبة، نظرا لكونه: لم يحظَ، أسوة بغيره من المصطلحات في العلوم السياسية، بالاهتمام الكافي من قبل الدارسين والباحثين. وقد عرف المفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري الشعبوية بأنها : كل خطاب موجه إلى الآخر خال من الحمولة العلمية. فيما تحدث عالم الاجتماع والمفكر المصري الدكتور عبدالوهاب المسيري في معرض حديثه عن الشعبوية لدى المثقفين عن الحركة الشعبوية الروسية، وهي حركة ظهرت بين فئة المثقفين الروس في الستينيات من القرن التاسع عشر وعُرفت باسم «نارود نيشيتفو». ومؤخرا كتب الناقد الدكتور سعد البازعي على حسابه الخاص في تويتر عددا من التغريدات حول مصطلح» الشعبوية أو الجماهيرية، قائلا :» كلما ازدادت جماهيرية فنان أو كاتب تعالت الشكوك لديّ حول قيمة ما ينتج. فالجماهيرية اليوم مظنة للهشاشة أكثر منها للإبداع، ومن الكتاب والفنانين من يعرف كيف يرضي الذائقة الشعبية بإنتاج سهل وعاطفي فتتلقاه الجماهير بالإعجاب المنقطع النظير فيصدق أنه الأهم فعلاً.

وأكد أنه: حتى المبدعين الكبار تتحقق شعبيتهم من خلال أعمالهم الأسهل والأقل قيمة لسهولة وصولها إلى الذائقة البسيطة وسهولة استيعابها. وأعطى مثالا على ذلك، الشاعر محمود درويش الذي كان ُيطالب في أمسياته الشعرية بقصائده المباشرة مثل «سجل أنا عربي»، لأن قصائده الأكثر نضجاً يصعب أن تصنع الجماهير». ويعلل البازعي ذلك بأن من طبيعة الإنسان البحث عما تسهل قراءته ومشاهدته والاستماع إليه ليبقى بعد ذلك ما أسماه مؤلفونا القدامى «المظنون به على غير أهله». وحتى عالمياً ثمة كتاب مثل كونديرا لا تباع رواياتهم بالملايين التي تباع بها روايات دان براون أو كويلهو. وإن كان بين بأن ما ذكر حول الجماهيرية ليس أحكاماً قطعية وإنما هي مؤشرات عامة تساعد على تبين الرؤية وسط الغبار الكثيف. ولا شك أيضاً في أن اتساع جماهيرية كتاب أو أعمال مهمة دليل على ارتقاء المستوى الحضاري العام. لكن ذلك الاتساع لا يوازي اتساع المنتج الجماهيري. ففي الشأن الإنساني العام والإنتاج الفكري والإبداعي بشكل خاص-والكلام لايزال للبازعي- يصعب الحديث عن قوانين أو إصدار أحكام نهائية، وإنما هي مقاربات لواقع مركب ومتداخل. لكن مالذي حرك هاجس الشعبوية ؟ كانت قراءتي عن الجماهير الهائلة التي لاقت أحلام مستغانمي في معرض الشارقة للكتاب: هي جيدة لكن ليس إلى هذا الحد!».

وبالفعل أتفق مع الدكتور البازعي بأن الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي أصبحت ظاهرة شعبوية لافتة في العالم العربي تستدعي التوقف والدراسة والتساؤل حول أسباب هذه القدرة على استقطاب جماهير عربية واسعة من القراء العرب في التظاهرات الثقافية كمعارض الكتب وغيرها بدرجة لا تتوازى وقيمة منجزها الروائي.

فحسب استطلاع للرأي أجرته «ياهو مكتوب للأبحاث»، عام 2011حول الكتّاب الأكثر شعبيّة في العالم العربي، جاء نجيب محفوظ في المركز الأوّل، و محمد حسنين هيكل في المركز الثاني، وحلت مستغانمي في المركز الثالث، كما سبق ان اختارتها المجلة العالمية Forbes الكاتبة العربية الأكثر انتشارا لتجاوز مبيعاتها عتبة المليونين وثلاثمائة ألف نسخة. وجاء في صحيفة «الراية» القطرية أنّ «مستغانمي» هي من بين النساء العشر الأكثر تأثيرا في العالم العربي والأولى في مجال الأدب. ولا يخفى أن مستغانمي تتكئ سواء في خطابها السردي أو الشفهي على تحريك عاطفة المتلقي وهي تبعث عبر الإعلام للشعوب العربية برسائل محبة وتعاطف مكثفة كما حصل مع الشعب السوداني الذي بعثت له معبرة عن عاطفتها تجاهه واستعدادها لقبول دعوته لزيارتها على أي درجة سياحية كانت وإهداء مؤلفاتها له، إضافة إلى انتهاجها في حوارتها التلفزيونية أسلوب خطابي ثوري قد تكون ورثته من والدها المناضل « محمد الشريف « أحد ثوّار المقاومة الجزائرية، وهو أسلوب قادر عادة على التأثير على المتلقي.

فضلا عن تكريس اسمها عبر تجربة كتابة طويلة تخطت الأربعة عقود، فقد أصدرت أول ديوان سنة 1971 في الجزائر تحت عنوان «على مرفأ الأيام « وإن كانت تجربته ا الروائية لم تبدأ سوى في عام 1993 م بإصدارها للثلاثية بدءاً بـ « ذاكرة الجسد «، وكانت بها أول جزائرية تؤلف رواية باللغة العربية، تبعتها « فوضى الحواس «1997، « عابر سرير « 2000 . كما أسهمت الجوائز التي نالتها في انتشار اسمها أيضا إضافة إلى كونه أحد معطيات نجاح حملات كتبها التسويقية.

غير أن ما يميز أحلام كمثقفة بشكل واضح ويبدو لي بأن له دورا بارزا في شعبيتها قدرتها الفائقة على التواصل الحميمي التلقائي العفوي مع قرائها وهو ما يفتقده للأسف كثير من النخبويين والمشتغلين بالثقافة والأدب.

شمس علي - الدمام