Saturday 27/12/2014 Issue 456 السبت 5 ,ربيع الاول 1436 العدد
27/12/2014

(إمّعة) ألها جذر ووزن؟

ورد لفظ (إمّعة) في بحث د. بدر بن محمد بن عبّاد الجابري، «ما لم يستقرّ في كلام العرب: تأصيل ودراسة عند ابن عصفور الإشبيلي» (مجلة العلوم العربية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ع33، شوال 1435ه)، عرض فيه اللفظ تحت وزن (إفْعَلَة) ناقلًا نص ابن عصفور الذي يذهب فيه إلى أنّ الهمزة في (إمّعة) أصلية محتجًا بأنَّ القول بزيادتها يقتضي أن يكون الوزن (إفْعَلَة) وهو ليس من أوزان الصفات؛ ولأن نظيره على بناء (فِعَّلَة) دِنَّبَة، واحتج بأنّ ذلك يقتضي فتح الفاء والعين المتماثلين وهو قليل كما في (دَدَن).

ولَمّا كان الباحث مهتمًا بحشد ما لم يستقرّ في كلام العرب اهتم بتفصيل ما ورد عن هذا اللفظ في كتب النحويين والصرفيين ابتداءًا من سيبويه ليقول عن موقف التصريفيين واللغويين: «لم يقع خلاف بين التصريفيين، وكذا جمهرة اللغويين في وزن (إمّعة)، بل هم مجمعون على أنّ وزنها (فِعَّلَة)»ص22.

وناقش الباحث قول ابن عصفور قائلًا: «يذهب ابن عصفور إلى أنَّ بناء (إفْعَلَة) لم يستقرّ في الصفات، وذلك بناء على القول بأنه وزن محتمل في (إمّعَة)، وهو عند الجمهور من المتقدمين والمتأخرين- على ما سبق بيانه- لم يرد في الصفات، وليس فقط لم يستقرّ»(ص23)، ويبدو أن الباحث لم يفهم مراد ابن عصفور، فهو لا يرى (إفْعَلَة) وزنًا محتملًا بل يراه ممتنعًا بآية ما أبداه من حجج، من أهمها أنه وزن لا تأتي عليه الصفات، ولم يفهم مراده من قوله (لم يستقرّ)، فظنّ أنه يعني أنه بمعنى قلق أو مضطرب، وليس هذا مراد ابن عصفور بل مراده أنّ الوزن لم يثبت، والفعل استقرّ يأتي بمعنى الفعل ثبت كما جاء في المصباح المنير «ثَبَتَ الشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُبُوتًا دَامَ وَاسْتَقَرَّ»، ولذلك لا يختلف ابن عصفور عن غيره في ذلك.

وأما موقف الصرفيين واللغويين فموقف غريب جدًّا، لأنهم يعلمون أن اللفظ منحوت ابتداءًا، فهو من (إنّي مع ...)؛ ولذلك لا يمكن النظر إلى اللفظ كما ننظر إلى الأسماء المأخوذة من جذور؛ إذ جذر هذا اللفظ مصطفى من كلمتين أو أكثر؛ ولذلك ليس له أصل حسب المصطلح الصرفي المعبر عن الأصالة أو الزيادة، وهذا ما صرّح به ابن فارس في (مقاييس اللغة) في مدخل (أمع)، قال: «الهمزة والميم والعين، ليس بأصل، والذي جاء فيه (رجلٌ إمَّعَةٌ)، وهو الضعيف الرّأْي، القائلُ لكلِّ أحدٍ أنا معَك. قال ابنُ مسعود: (لا يكونَنَّ أَحَدُكم إمَّعَةً)»، ومع ذلك أردف بقوله: «والأصل (مع) والألف زائدة»، ولا أعلم لمَ جعل (مع) أصلًا والهمزة زائدة وثلاثة الأحرف اشتركت في أداء المعنى المحصل في الصفة (إمّعة) من غير تفاضل.

ولَمّا كان الأمر كذلك في هذا اللفظ المنحوت عوملت الأحرف المصطفاة للنحت معاملة الجذر؛ لأن اللفظ عومل معاملة اللفظ الواحد؛ ولذلك ناسب أن يُعدّ (إمّعة) على وزن فِعَّلة، جاء في معجم العين «ورجل إمَّعَة على تقدير فِعَّلة: يقول لكلٍ (أنا مَعَكَ)»، ونراهم، وقد اعتدّوا أحرفه أصولًا، أخذوا منه الأفعال، جاء في العين «والفعل تَأَمَّعَ الرجُلُ واسْتأْمَعَ. ويُقَالُ للَّذي يتردَّدُ في غير ما صَنْعَةٍ إِمَّعَة، وفي الحديث: اغْدُ عالِمًا أو مُتَعَلِّمًا ولا تَغْدُ إمَّعَةً»، وهذا يعني أنه لفظ وافق بنحته هذا النحت ما يمكن أن يكون قد وضع في اللغة وضعًا على هذا البناء، وهو يشبه الألفاظ الدخيلة التي تصاغ بما يوافق وزنًا عربيًّا مثل (دِرْهَم) على (فِعْلَل)، وقريب من هذا ما عقد له ابن حني بابًا في الخصائص، هو (باب في تدريِج اللغة)، قال «ومن التدريج في اللغة قولهم ديِمة ودِيمَ واستمرار القلب في العين للكسرة قبلها ثم تجاوزوا ذلك لَمّا كثر وشاع إلى أن قالوا دَيَّمَتِ السماء»(الخصائص، 1: 355).

ننتهي من ذلك إلى أنّ (إمّعة) ليس لها جذر في الأصل ولا وزن، ولكنهم عاملوها معاملة ما له جذر ووزن.

- الرياض