Saturday 27/12/2014 Issue 456 السبت 5 ,ربيع الاول 1436 العدد
27/12/2014

وَفرة الكتب المزوَّرة

من معاني التزوير: الإصلاح والتقويم والإتقان والتحسين والتزيين والزخرفة، ومن معانيه أيضاً: التزييف والتحريف والانتحال والتحويل والتمييل والكذب والغش والمغالطة. وعلى الاختلاف المتضاد بين خطيْ المعاني لكلمة (التزوير) تأتي (وَفرة) الكتب القديمة التي نراها بطبعات جديدة تملأ المكتبات التجارية في كل البلدان العربية حالياً..

والوفرة من معانيها: الكثرة والفيضان والغزارة والاتساع، كما أن من معانيها – على اعتبارها محصلة التوفير: الادّخار والاقتصاد والإيجاد والحرص والتنمية والمحافظة والإكمال. وفي التباين بين خطّيْ المعاني هنا أيضاً يكمن ما أودّ الحديث عنه..

أقولُ: حتى فترة ليست ببعيدة كنتُ أحسب مكتبتي الخاصة ثروة يحق لي التفاخر بها والاعتماد عليها عند الضرورات أو النكسات أو العوارض الطارئة، غير أنني حين أصبحتُ مثقلاً بها ومقيداً حولها أستصعب نقلها معي إذا ما أردتُ الانتقال الطبيعي من بلاد إلى بلاد بشكل مكتمل، فهي تتجاوز عشرة آلاف عنواناً وتتوزع على أكثر من ثلاثين ألف كتاب – غير أرشيف للكتب المهداة وآخر للصحف والمجلات وكلاهما لا يقل عن سابقهما عدداً ووزناً! – فـ.. ليس من السهولة أبداً نقل كل هذه الأطنان من الورق وشحنها وإعادة ترتيبها في رفوف تحتملها ومكان يتسع لها في هذا الزمان الذي ضاق بكل شيء؛ فأصبحتُ أعتبرها عبئاً عليّ حتى صرتُ أكرهها ولا أجد لوجودها عندي أيَّ مبرر طالما أن مثيلها يملأ المكتبات التجارية لدينا بوفرة غير مسبوقة، بعد أن كان إدخال كتاب واحد عبر المنافذ الحدودية لبلادنا يعتبر انتصاراً عظيماً لا يتحقق من دون صراعات ونقاشات ووساطات على أعلى مستوى من مستويات الرقابة التي كانت صارمة وقاسية على الكتب أكثر من أيّ صرامة وقساوة تجاه (الممنوعات) الأخرى!

أطالع الآن، بشيء من المقارنة، بين الكتب التي جمعتها من بلدان مختلفة وأزمنة تختلف أكثر، وبين الكتب المتطابقة معها والمعروضة في كل معارض بيع الكتب الدائمة والموسمية، باحثاً عن فروقات تبرر تلك المعاناة المكلفة التي تكبدتها في حينها.. حتى وجدتُ الفرق؛ وما أعظمه من فرق!

هل أنا بحاجة إلى تعداد الأمثلة؟

سأتخذ جانباً واحداً من الأمثلة، بحكم أنه كان الاتجاه الأول لي في مرحلة اقتناء تلك الكتب التي أصبحت جبالاً من الورق الذي كدتُ أراه باهتاً قبل انتباهي لهذا الفرق. والجانب الذي أعنيه هو الجانب المصري باعتبار أنني بدأتُ في الاقتناء والجمع من هناك قديماً، وحديثاً كنتُ العائد من إقامة تقطعتْ بي لفترات هناك..

سأذكر مثالاً سريعاً فقط، وهو ينطبق على أغلبية الكتب (الأصلية) التي كانت صادرة في أزمنة مضت وشبعت مضياً، والكتب (المزوّرة) التي تصدر الآن تباعاً ومنذ عدد قليل جداً من السنوات المضطربة والفوضوية في كل شيء:

بين يدي الآن – من مكتبتي الخاصة – كتاب (لغز الحياة) للدكتور مصطفى محمود، في طبعته الخامسة الصادرة عن دار المعارف في مصر عام 1974 وينتهي الكتاب بالسطور التالية: (وإلى هنا، وعلى حافة هذا الضباب، يحلو الصمت، فقد قال العقل كل ما عنده. وهنا يأتي دور الدين.. حينما يقول العلم كل ما عنده ويصمت يأتي دور النبيّ ليتكلم بالوحي الذي جاءه من الغيب ليأخذ بيدنا من العلم إلى منتهى العلم).

هذه السطور القليلة التي ينتهي بها الكتاب، أصبحت كثيرة جداً في بعض الطبعات الجديدة (المزوّرة) وفي بعضها الآخر لم يعد لها أيُّ وجود. فهل تلك أخطاء في الطباعة أم (تزوير) يتعمّده ناشرٌ (أو تاجرٌ) يريد استغلال الكتاب واسم مؤلفه – بعد رحيله - لغايات تخدمه وتخدم التيار الذي ينتمي إليه قلباً وقالباً..؟؟

هذا المثال ينسحب على معظم كتب مصطفى محمود، وطه حسين، وعباس العقاد، وتوفيق الحكيم، وعبد الحميد جودة السحار.. وغيرهم من الأسماء المؤثرة والتاركة بصماتها على الفكر العربي الحديث.. أو المستوحش في التحديث حتى بات يزوّر البصمات!

- الرياض ffnff69@hotmail.com