تؤدي عتبة الغلاف مهمة جذب المتلقي بالإضافة إلى احتواء العنوان وهو العتبة الكبرى على واجهة الكتاب، فيأتي الغلاف بطرفه الأيمن - الواجهة - نافذة ولوج إلى عالم مليء بالافتراضات المسبقة حول ما انجذب إليه المتلقي من عنوان داخل هذا الإطار، ثم تبدأ مهمة المؤلف/ المبدع بضرب نرد المحتوى الذي تشظى منه العنوان لتبدأ دوامة الصراع على رهان الانجذاب، ومن ثمَّ الحكم على محتوى المنشور. إلى هنا الحديث في سياقه الطبعي الذي اعتدنا عليه في الغلاف الذي يؤدي خطاباً إشهارياً. هناك من الناشرين والمؤلفين من فعَّل الطرف الآخر من الغلاف - ظهْر الكتاب - فيحاول من خلاله أن يدوِّن عليه رؤية ما، أو تقريضا يجذب به، أو حتى مقطوعة مجتزأة من النص الداخلي لإبراز التوجه العام للمحتوى. إذا، هي محاولة تعزيز ما على واجهة الغلاف في أغلب الأحوال لتأدية الدور الإشهاري، مما يُحدث التكامل بين طرفي الغلاف في أداء المهمة وإيصال الرسالة.
جاء تفعيل د. عبدالله الرشيد بطريقة غريبة صادمة؛ إذ جعل الغلاف صفحة لنقل آراء منتقديه المتذمرة من مستواه الشعري، ومنها: «اكتشفنا هشاشة أساس النص، لم يكن النص ثمرة تجربة وجدانية... «،»محاولات بائسة لتطبيق العروض»، «لا يزال يكتب الشعر العمودي، ويستخدم مفردات القاموس الذي حفظه من مناهج الجامعة...»، «نص (الرشيد) نص مألوف، ومكرر...»، وغيرها.
تحضر البروباغندا هنا صارخة على الغلاف في محاولة لبث رسائلها الهادفة إلى صرف المتلقي عن الديوان، وهنا تحدث المفارقة بين وظيفة الغلاف بوجهيه؛ فقراءة نقد الشاعر بتلك الصورة يحدث أثراً سلبياً في الحث على اتخاذ قرار قراءة العمل واقتنائه، مما ينعكس على الترويج للديوان، وأيّ مؤلِّف/ ناشر يرغب في ذلك؟!! نعود مرة أخرى ونطرح سؤالين:
• أليس الشاعر هو من بثَّ عامداً تلك الرسائل السلبية؟
بلى، وإلا لما رضي بوجودها فيما لو كان الناشر من فعل ذلك.
• كيف يمكن وقتها تقديم تفسير نقدي لهذا؟
لم يكن الغلاف يهدف إلى التنفير بقدر ما هو إيقاع المتلقي في دوامة التساؤلات ومحاولة الإجابة عنها، فالبروباغندا هنا عملت بإيجابية لسببين: الأول: أن الشاعر نفسه هو الناقل لتلك الآراء، والحال هنا يختلف عمَّا لو كان قد سمعها المتلقي من غير صاحب العمل، فانعكس مسار البروباغندا من السلبية ضد الشاعر إلى الإيجابية. الثاني: ما أحدثه هذا النقل، جعل المتلقي يقع تحت سيطرة الديماغوجية المثيرة لمخاوف وقلق المتلقي باقتناء الديوان، مما يرفع من مستوى التشويق والحث على البحث في صحة ما نقله الشاعر عن نفسه، فالإنسان فضولي بطبعه ومتى ما مُنع من شيء أو نُفرّ منه تراه يشتد جرياً في طلبه والبحث عنه، بهذا صنع د. الرشيد حقلاً متضارباً من المشاعر الدافعة إلى التكامل بين طرفي الغلاف ومن ثمَّ محاولة إنهاء مهمة الجذب والتشويق بنجاح، فهو باث الرسائل السلبية عن عمله والمتحكم بها أيضاً تجاه المتلقي.
ما بعد الغلاف:
اخترت نموذجاً واحداً للتمثيل به على إمكانية بحث المتلقي عن محاولته كسر أفق التوقع، فهو لا شك أصبح يمتلك خطاباً مسبقاً في ذهنه بأن الشاعر مثلاً: «لا يزال يكتب الشعر العمودي». هذا الافتراض المسبق من شأنه تداولياً البحث في عمق ذهنية المستقبل للمرسلة الكلامية، والتفتيش عمَّا يدحضها أو يؤيّدها، فإذا ما تصفّح القارئ الديوان وجد المزاوجة بين الشعر العمودي والتفعيلة، بل واستخدام «التنقيط» أحياناً عوضاً عن الكلمات لدفع القارئ إلى محاولات أعمق لتأويل النص. فأين تلك القولة الناقدة من حقيقة قصائد الديوان؟! ربما الشاعر احتال على هذا النقد بوضع معاكسه، وهذه المراوغة بين الغلاف والمحتوى تعود بنا مرة أخرى إلى المخاوف والقلق الملتف بأفق التوقع والتفتيش عن إثبات له بالسلب أو الإيجاب.