يحسن بي أنْ أبين اعتمادي في نقد (نقد الصحوة) عند الغذامي في هذا المقال على ما حَاضَرَ به في نادي أبها الأدبي لا غيره مما يكتبه في صحف أو خطابات أخرى.
يخلط الغذامي منهجه في نقد الصحوة بين النقد الثقافي والسيميائي والتفكيكي، وحاد عن النسق الثقافي في نقده الثقافي للصحوة لأنه اعتمد على العلامة أو السيمياء في نقدها فهو لم يتعامل مع (نص صحوي) -باستثناء إشارته إلى عناوين كتاب القرضاوي، وعبارتي الحضيف - كما فعل في نقده لليبرالية السعودية حينما جادلهم في انعدام نصوصهم/مؤلفاتهم بل اعتمد على فضاء الصحوة المتمثلة بعلاماتها، والاعتماد على النص الصحوي كباعث للنقد الثقافي -في نظري- يعتبر أكثر إثراءً وأعمق منهجًا من نقده كعلامات، ونحن نعلم أن النقد الثقافي عند الغذامي يعتمد على القبحي لا الجمالي، وعندما يعتبر (اللحية) علامةً للصحوة فهل سيتعامل معها من منظور قبحي أم جمالي؟!؛ بينما السيمياء تعتمد على التأويل والإشارة وهذا التأويل قد يكون جماليًا وهنا سيقع في تناقض القبحي بالجمالي؛ وأما التفكيك فهو تأويل مضاعف لا يقف عند مدلول معين وهذا ما لم نلحظه في نقده للصحوة، فخلط هاته المناهج سويةً هو مزلق منهجي لا يفي بمطلب النقد إجمالًا والنقد الثقافي خصوصًا، وقد يتمازج النقد الثقافي بالتفكيكي كما هو عند إدوارد سعيد وهومي بابا لكن باعتماد أساسي على النقد الثقافي لا سيميائيةَ بينهم.
والإشكال في الاعتماد على علامات الصحوة التي حددها ب (الحشد) و(الثوب القصير) و(اللحية) -ونلحظ أن (الحشد) هنا كعلامة جماعية و(اللباس واللحية) كعلامة فردية - هو أن هاته العلامات ليست حكرًا على الصحوة لأننا نعلم أن اللحية عادة عربية قديمة ولا زالت عند بعض العرب علامة للرجولة فقط دون مساس ديني؛ وأيضًا يوجد في تيار الصحوة من يؤمن بجواز حلق اللحية أو تخفيفها، أما اللباس المتمثل في الثوب القصير فهو أيضا ليس حكرًا على الصحوي لأن جيل الصحوة في بلدان عربية أخرى لم يلبسوا هذا اللباس كعلامة للصحوة، وكذلك فإن سيماء (الحشد) ليست طابَعًا صحويًا بل هي سِمة أيديولوجية تشترك فيها الأحزاب والتيارات الفكرية التي تتماس مع الجمهور بخطاب دوغمائي ثوري؛ وهي ذاتها العلامة التي نراها عند القوميين كما في التجمهر لخطابات عبدالناصر وما نراه من هتاف جماهيري لممثلي الأفكار الأيديولوجية الثورية، وبذا نستطيع القول بأن نقد الغذامي لهاته العلامات إن لم تدل على تحديد الصحوة بالسعودية فإنها حتمًا تعتبر ناقضًا لجعله اللباس علامة للصحوة لأنه ليس حكرًا عليها بل هي عادة المجتمع القبلي قبل الصحوة وفي السعودية بشكل أخص.
ولعل الاعتماد على (النص الصحوي) أو على الأقل الخطاب الشفهي المتمثل في (الشريط الإسلامي) هو الأرحب والأعمق في نقد الصحوة نقدًا ثقافيًا لأن النص أو الخطاب يكشف أكثر مما تكشفه العلامات الظاهرة المُشار إليها والتي قد يشترك في معرفتها حتى غير النقاد المختصين، فالابتعاد عن الخطاب أو النص الصحوي هو بُعد عن مركز الظاهرة الصحوية إلى علاماتها الظاهرة وهو سباحة فوق السطح بعيدًا جدًا عما يخبئه النص أو الخطاب الذي يكتنز أفكار ورؤى الصحوة؛ ولذا فإن اعتباره الحشدَ هو مدار الصحوة فإذا انتفى الحشدُ انتفت الصحوة يمثل نتيجة سطحية لفكر الصحوة ورؤاها الذي اختزله كله بعلامة ظاهرة وهي (الحشد)؛ فهل من العمق في الطرح أن تُختزل مرحلة فكرية أنتجت الكثير من الخطاب الشفاهي والنصي وأثرت تأثيرًا بالغًا برؤاها في الفكر الديني المعاصر في علامة الحشد؟! وهل يحق للناقد الثقافي أن يتعامل مع مرحلة فكرية بابتسار لإحدى علاماتها ويحولها إلى جزء بسيط منها وهو الحشد؟!. كما أن اعتماد الغذامي على السيمياء في نقده يحيلنا إلى تحديده لهاته العلامات باعتبار شخصي فهو يرى تحول الجيل إلى (اللباس الصحوي) في قاعة الجامعة التي كان يدرّس فيها ويرى (الحشد) الصحوي في نادي جدة الأدبي حينما كان عضوا فيه؛ وذا يجعلنا نرتاب من تعاطيه لنقد الصحوة كما جعلنا نرتاب من (حكاية الحداثة)، فهل سيتحول نقد الصحوة إلى (حكاية الصحوة)؟!
و مما يهمشه النقد السيميائي للصحوة هو الأثر السياسي عليها سلبًا وإيجابًا، دعمًا وتأطيرًا، فالسيميولوجيا هنا تمنح مساحة رحبة للإفلات من المجال السياسي وتعاطيه مع الصحوة بينما هو لبّ النقد الثقافي الذي غالبًا ما يتشاكل مع الخطاب السياسي ولا أدل على ذلك مما قدمه إدوارد سعيد في نقده الثقافي المابعدكولونيالي للجدلية السياسية مع المجتمعات المهمشة أو التي هُمّشت. لذا فإن السيميائية لا يهمها إن كانت الصحوة هي خطاب سياسي مجتمعي لصد التمدد القومي بل يكفيها -بحسب الغذامي- أن تتحول من (حشود) إلى (متابعين)؛ ويشير لنا هذا إلى أن السيميائية ال تي تعاطها الغذامي في نقده للصحوة إنما هي سيمياء اجتماعية ظاهرة سطحية عامة خالية من التأويل والتأويل المضاعف؛ متأثرة بما يطرحه (تويتر) الذي يعتبر متنفس لا يحيل إلى عمق الأفكار التي تبني الصحوة عليه رؤاها وسلوكها وبالخصوص عندما نستحضر ذهنيا أن الجماهير لا تزال تخضع للخطابة مهما تغيرت التقنية ومهما مزج الرمز الصحوي خطابه بطابع حواري إلا أن روح الخطابة حاضرة في عمقه فهو يحاور بخطابةٍ؛ فيحول الحوار إلى خطابة؛ ولو تسنى له تحويل (تويتر) إلى منبرًا خطابي لفعل ولرضي به جمهوره، إن تويتر يحكي لنا خارطة الفكر الصحوي ومابعد الصحوي لكنه لا يمكن أن يفسح لنا مجالاً للغوص فيه واستكشاف ما بداخله لأنه مبني على التحديد؛ تحديد عدد الحروف وتحديد المتابِعين والمتابَعين.
وتركيزه في نقد الصحوة على مصر والسعودية؛ بل يكاد يكون محصورًا في السعودية إنما هو بتر لفكر الصحوة الذي عم البدان العربية كلها بنسب متفاوته وترك له طابَعًا على الفهم الديني الأحادي على الإنسان العربي، ولا يغتفر هذا البتر إلا عندما يكون ضمن عنوان المحاضرة أو البحث؛ لأن تجزيء الفكر الصحوي ظرفيًا هو شطْر لبنيته الفكرية التي تشكل فيها فيضحي البحث هنا في علاقة مع أحد أعضاء الموضوع فحسب لا معه كله مما يؤثر على نتيجة البحث بتأثره بالمقدمة المجزوءة.