لماذا يصرّ مخرج فيلم «الديكتاتور» الكوميدي ومؤلفه لمحاولة إبراز شخصية الديكتاتور والتي تمثّل صورةً كوميدية للقذافي.. وكأنه له لحيةً طويلة؟
القصة بدأت قبل ذلك بفترة طويلة حينما قدّم نفس الممثل الرئيسي «ساشا بارون كوهين» شخصيات كوميدية متعددة تمثّل في الغالب تصويراً متعمداً لتقديم الشخصية الشرقية والعربية والمسلمة بالخصوص كإنسان متخلف أحمق، لا يفقه معنى الحضارة ودموي، ويتعامل مع الأنثى كأنها من سقط المتاع أو أحياناً عالة على الحياة.
بالطبع الممثل الرئيسي اليهودي الذي ولدت أمه في إسرائيل وارتبط بها عاطفياً ألهمته بمثل هذه الأعمال العنصرية التي تقدم حتى الفاشية العلمانية التي يمثّلها القذافي بلحية إسلامية لمحاولة ربط الدين بكل أشكال التخلف والاستبداد والفاشية والتخلف.
لأجل ذلك، فليس غريباً أن يعمد كوهين.. وهو مؤلف رئيسي للفيلم وممثّل الشخصية الأهم فيه..إلى تقديم «الديكتاتور» بلحية دينية لشخص لايتورع عن التعامل مع خصومه بطريقة المافيا والعصابات القذرة، ولا يتردد في التخلص ممن لايرغبهم بطريقة سريعة وحاسمة، وتصفية المدنيين وحتى النساء إذا لم يوافقوا هواه ورغبته الخاصة.
بالطبع الفيلم قدم نقداً لعدة دول ولعدة ممارسات.. ولعدة أحداث سياسية بالخصوص عربياً، لكنه بكل تأكيد لم ولن يقدم أي عمل ينتقد دولة إسرائيل فهو لا يقدمها كقاتلة للأطفال ولا مستهدفة للمدنيين ولا متعطشة للدماء.. ولا متخلفة بهذا المعنى.
في الوقت الذي قضى الفيلم شطراً طويلاً للحديث عن مشروع الأسلحة النووية التي أوشك القذافي أن يتبنى مشروعها يوماً ما، الفيلم لا يتحدث عن دولة فاشية تمتلك الأسلحة النووية وتخترق الحظر وتتحدى القانون الدولي وتقاتل دول الجوار.. وتحتل مناطق تنتمي لأكثر من دولة مجاورة.. وهي بهذا ليست فقط تتبنى مشروعاً يحاول يوماً ما أن يمتلك سلاحاً نووياً ولكنها تملك السلاح النووي وتتحدى العالم بكل صفاقة.. ولكن الفيلم يقرر أن يتعامل مع امتلاك إسرائيل للسلاح النووي كشيء طبيعي ومفهوم.. بل ويجعل من مبررات استهداف المشروع النووي الذي كان يفكر فيه الديكتاتور هو أنه ربما يفكر في ضرب إسرائيل.. لذلك حماية إسرائيل مهمة مقدسة للفيلم!
وفي هذا السياق ذاته.. لن يكون شيئاً غريباً حينما تعمّد الفيلم لاستخدام أغانٍ فلسطينية (نعم.. فلسطينية) كخلفية لما يفعله هذا الديكتاتور.. فذلك يحمل إيحاءً نفسياً لا يخفى للمشاهد لكي ترتبط عنده كل تلك القيم البغيضة من التعذيب والاستبداد وعصابات المافيا والتصفية واحتقار الأنثى والتخلف والعنف وغيره بالقضية الفلسطينية.. بينما يتم التعامل مع إسرائيل كدولة نموذجية يجب حمايتها من هؤلاء المتخلفين الحمقى.
حينما يتحدث الفيلم بشكل ساخر عن آليات التعذيب والاضطهاد.. يبدو واقعياً لحد كبير حينما يصوّر عدة دول عربية وتعاملها مع هذه القضية وتاريخها الأسود في ذلك.. لكنه لا يتحدث عن البشاعة التي مارستها وتمارسها بانتظام المجموعات الصهيونية الإرهابية.. وعن جهاز المخابرات القذر الذي لا يتورع عن كل ما تم وصفه في الفيلم من أشكال الاستهداف والاغتيال والتخلص من الخصوم والتصفية.. إلخ بأسلوب متخلف وصفيق.. ولكن الفيلم، بالمقابل، يعمد إلى تسمية هذا الديكتاتور بـ «علاء الدين» كجزء دنيء من محاولة تشويه الشخصية التاريخية العربية «علاء الدين» وقصته الرمزية التي ألهمت أفلاماً كرتونية وروايات.
في الفيلم في مواضع متكررة يتعامل البطل مع المرأة كسقط المتاع، وحينما كان البطل في موقف كوميدي مضطراً لتوليد امرأة واكتشف أنها المولودة «أنثى».. قال «أوووه.. إنه خبر سيئ لكم، هي أنثى. دلوني على أقرب قمامة لأضعها فيها.» وهذا يذكّر بفعل الجاهلية التي تحدث عنه القرآن «وإذا الموؤدة سئلت. بأي ذنبٍ قتلت»، وقال في الآية الأخرى حاكيا سبحانه كيف يتلقى أهل الجاهلية نبأ المولودة الأنثى «وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون». ولكن في الفيلم يتم تقديم هذا السلوك الجاهلي الذي جاء الإسلام لمحاربته وكأنه سلوك الإسلام ذاته وطريقة المسلمين وثقافة العرب المعاصرة في التعامل مع الأنثى.
هذا الفيلم هو نموذج واحد فقط لحملات مستمرة من الأفلام والروايات والمشاهد الكوميدية والتراجيدية التي تتعمد تقديم العربي والمسلم وقضيته وسلوكه بطريقة معينة بحيث يتم تبرير السلوك الصهيوني والاعتداءات الوحشية الإسرائيلية المتكررة على العرب والمسلمين، فالحرب الصهيونية القذرة تستخدم الكتاب والسلاح والفيلم جنباً إلى جنب مثل كل مرة!