قيل قديما إذا أردت أن تعرف طبيعة بلد ما فاسمع موسيقاه، وأضيف إليها إذا أردت أن تعرف فكر مجتمع ما فشاهد كيف يمارس الرقص، وبنظرة تاريخية فإن الموسيقى نشأت وارتبطت بالطقوس الدينية في المجتمعات القديمة وكذلك الرقص، بدءا من الحضارة السومرية القديمة التي أدخلت الموسيقى في الشعائر الخاصة بالمعبد، وقسمتها إلى موسيقى دينية حزينة يقوم بها كهنة المعبد وموسيقى دنيوية مفرحة يقوم بها كهنة التراتيل ويسمونهم (نار) وارتبطت هذه الموسيقى المبهجة بالمرأة حيث غالبا ما كانت المرأة تشغل وظيفة (كاهنة نار) وكلا النوعين نشأ وتطور في ظل المعابد وكهنتها، وكان المصريون القدماء يعزفون على كثير من الآلات الموسيقية المختلفة التي ارتبطت أيضا بالرقص، أما في الحضارة الصينية فقد كان الإعدام هو مصير كل من يشوه النظام الموسيقي المبجل، وتجلى ارتباط الموسيقى بالرقص أكثر في الحضارة الهندية الثرية بالألحان الراقصة، أما في الحضارة الأغريقية فقد كانت الموسيقى شفاء للروح وكان أفلاطون يرى أن الدولة المثالية تقوم على أساس الموسيقى وتطورت أكثر في الحضارة الرومانية حيث ظهرت موسيقى المسارح والفرق الفنية الجوالة، وصولا إلى العصور الوسطى والحديثة التي امتزجت فيها الموسيقى الأوربية بالشرقية وأصبح الرقص فنا قائما بذاته.
فهل هناك علاقة بين الرقص كقيمة جمالية وثقافة المجتمع ؟
فالمجتمع العربي أعاد للمرأة مهنة (كاهنة النار) فالراقصة الشرقية مهما بلغ إبداعها وفنها فهي لا تزال محكومة بنظرة دونية لها وللفن الذي تقدمه لذلك تحول الرقص الشرقي الفريد بتنويعه على لغة الجسد من فن إلى سلعة رائجة تتعلمها أجساد لا علاقة لها بالإرث الشرقي، أما الرقص الخليجي فتحول بفضل قنوات الأغاني الهابطة إلى استعراض سيئ لمجموعة من النساء اللاتي وظفن للهزهزة لاغير.
فتحول الرقص من طقس ثنائي أو جماعي مشترك إلى طقس فردي خاص بالمرأة جعله في مرتبة أقل ولأغراض لا علاقة لها بالفن.
وإذا نظرنا إلى الرقص الذي يشارك فيه الرجل فهو طقس احتفالي يعبر فيه عن تضامنه مع أفراح مجتمعه بمشاركة غيره من الرجال، وإن تثنى الرجل وحده فهو تعبير عن اعتزاز أو فخر، لكن المشاعر الأخرى المتعلقة بالوله والحب والحزن فليست من ضمن قائمة الرقص الرجالي المنفرد أو الجماعي، بينما المرأة حتى وإن تبدى الرقص جماعيا فإن كل امرأة تنفرد برقصة تعبر فيها عن كل مشاعرها سواء أكانت محبطة أو مبتهجة أو تشعر بالخيبة.
مع كل هذه الأفكار عن الرقص كنت أتابع برنامجا تبثه أم بي سي بعنوان so you think you can dance، الرقص في هذا البرنامج يعبر عن ثقافة المجتمع الغربي بكل ما تحمل من قيم مختلفة عن الرقص لدينا فهو ليس تعبيرا عن حالة حرب ولا ترميزا لحالة خيلاء النصر، أحببت فكرة الرقص التي خلقوها في ذلك البرنامج، وأحببت نظرتهم للرقص التي تعلق بالإحساس نفسه، حيث تلك الحالات التعبيرية التي يصممونها تجعل الرقص نصا يقرأ، حالة استغراق تامة بخفة الروح والجسد.
مرونة الأجساد
تناغمها مع بعضها
ما تقوله الرقصة وما يقوله الجسد الراقص
الجميل أيضا أنهم في مرحلة ما يشكلون ثنائيات بين رجل وامرأة، كثير منهم يتعلق بشريك الرقص عاطفيا ويدافع عنه وبعضهم يحمل الطرف الآخر الفشل، ذلك كان يستدعي لدي نظرية الزواج حيث الزواج وليس الحب يشبه الرقص وإن لم يكن الاثنان على مستوى واحد ومتكامل فلن تنجح الرقصة حتى لو كان أداء أحدهما رائعا، الحب لا يشبه ذلك، الحب رقصة مذهلة وجاهزة تنتظر اثنين بعينهما كي تبدأ وتعدل مزاج الكون، حين يصلا تبدأ الرقصة وتلهم جميع البشر، الزواج اثنان يبحثان عن رقصة تجعلهما ناجحين وقليل جدا من ينجح في ذلك.
الطريف أن قناة أخرى عربت هذا البرنامج تماما كما حصل في arab idol ولكن إن كنت تمتلك القدرة الشرائية على تعريب هذا البرنامج فهل لدينا القدرة الإبداعية على خلق أنماط ليست موجودة لا في الذاكرة ولا الوجدان عن الرقص؟!
هل لدينا الحرية ذاتها في التعامل مع الجسد كروح محلقة وليس كأداة لمتعة النظر والذكر!!