لا يتبادر لأذهاننا عند التطرق للفظة «العنف» إلا لمعناها الجسدي أو المعنوي فقط، وهذا يُعتبر من باب أدلجة المعاني لأن هنالك النفسي واللفظي، لكن هل يتبادر لذهنك عبارة «العنف الكتابي»؟!.. هذه العبارة استطعت بناءها عندما فاجأني أخي بكتابة جدول الضرب عشر مرّات، عقاباً له، جعل هذا المعلّم من الكتابة عقاباً لأخطاء التلاميذ عِوضاً عن الإرشاد الطلاّبي، أي جيل سيتخرج من تحت فكر أستاذ يعاقبه بالكتابة.
حينما يغيب الحوار يحل محله العقوبات التي قد تكسب الطالب نزعة عدوانية تجاه التعليم والمعلم.
إن العنف التربوي لا يُعد غاية بحد ذاته، بل هو وسيلة نعتمدها من أجل توجيه الأطفال وتربيتهم وفقاً لنموذج اجتماعي وأخلاقي حددناه منذ البداية.
إن اللجوء إلى العنف التربوي وإلى التسلط في العملية التربوية يعود إلى أسباب اجتماعية ونفسية وثقافية متنوعة تدفعنا إلى ممارسة ذلك الأسلوب.
وإن الأسلوب التربوي المستخدم يُعد انعكاساً لشخصية المعلم بما في ذلك جملة الخلفيات التربوية والاجتماعية التي أثّرت عليهم في طفولتهم.. أي انعكاس لتربية التسلط التي عاشوها بأنفسهم عندما كانوا صغاراً.
وبعض التربويين يدركون التأثير السلبي للعقوبة الجسدية ويمتنعون عن استخدامها، لكن ذلك لا يمنعهم من استخدام العقاب المعنوي من خلال اللجوء إلى قاموس المفردات أو العقاب بالكتابة ضمن إطار الاستهجان اللاذع، والعقوبة أثرها في النفس أقوى من العقوبة الجسدية بكثير.
إن المساهمة في حل هذه المشكلة ستدفع نحو تطوير العملية التعليمية في بلادنا، ذلك أن القضاء على العنف داخل أروقة المدرسة سيؤدي إلى انصراف الطلبة والمعلمين ومديري المدارس والمسؤولين إلى تجويد تلك العملية وسيعطي مجالاً لازدهار التربية والتعليم، والآثار السلبية الملاحظة لدى الطالب المعنّف تتمثّل في تدني مستوى التحصيل الدراسي والهروب من المدرسة والتأخر عن المدرسة والتّسرب الدراسي وكراهية المدرسة والمعلمين وكل ما له علاقة بالعملية التعليمية، ولذلك تهديد الأمن النفسي للطالب يؤدي إلى القضاء على فرصة التفكير الحر والعمل الخلّاق.
وقال عليه الصلاة والسلام: «إن أراد الله تعالى بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق، وإن الرفق لو كان خلقاً لما رأى الناس خلقاً أحسن منه وإن العنف لو كان خلقاً لما رأى الناس خلقاً أقبح منه».
كما اهتم الإسلام بتعليم الأبناء وتأديبهم وبتوعيتهم بخطورة العنف وضرره على النفس.
وناقش الدكتور المؤلف «زكريا يحيى لال» دكتوراه في الفلسفة وتكنولوجيا التعليم موضوع العنف المتأصل من خلال كتابه «العنف في عالم متغير».
إن ظاهرة العنف ليست ظاهرة حديثة، وإنما يعود تاريخها إلى المجتمع الإنساني الأول؛ من حكاية قابيل مع أخيه هابيل، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن شهدت البشرية أصنافاً لا تُحصى كماً وكيفاً من مظاهر القسوة والبربرية والعنف التي سببت سلسلة من الكوارث المأساوية المتعاقبة، لأن العنف لا يُولِّد إلا العنف.
ويرى «القبانجي» أن العنف صورة من صور القصور الذهني حيال موقف، والعنف وجه آخر من أوجه النقص التقني في الأسلوب والإبداع في حل ومواجهة معضلة، وقد يصل العنف لمراحل الانهيار العقلي والجنون، كما قد يكون وسيلة من وسائل العقوبة والتأديب أو صورة من صور تأنيب الضمير على جرم أو خطيئة مرتكبة.
كما تشير العديد من التقارير المدرسية إلى أن أكثر المشاكل العنيفة بين الطلاب كانت بسبب السخرية والاستهزاء والعقاب من المعلم وتسلُّط الكبار على الصغار، كما تذكر تقارير من اليابان بأن هذا القهر الناتج عن الاستهزاء أدى إلى انتحار تسعة طلاب دون الرابعة عشرة من العمر في العام 1985م كان أحدهم فتى هادئاً وديعاً.